تسع سنوات من جحيم الحوثي في إب
محمد عبدالله القادري يكتب عن تسع سنوات من جحيم الحوثي في إب
إب، محافظتي الجميلة، بلادي العزيزة التي أفتخر وأعتز بها كابنٍ من أبنائها. محبٌّ لها، مغرمٌ بعشقها، مفتخرٌ بتاريخها.
كلما غادرت إب لزيارة أو عمل في مناطق أخرى، كان عودتي سريعة إليها، مُستعجلاً للعودة.
كنتم نحن وزملاؤي من الدراسة نتوجه إلى عدن، حيث نقضي أياماً سعيدة على شواطئها. لكن بعد ذلك نعود إلى إب بشوق، ونُردد في بعض الأوقات "ودعتك الله يا عدن، واليوم عدنا إلى أرض الكرامة، إب الجميلة في اليمن".
كنا نقضي أياماً في زيارة صنعاء لأغراض العمل، ومع عودتنا سرعان ما نشعر بالارتياح والاطمئنان عندما نلقي نظرة على جبل سمارة ونستنشق الهواء العليل.
كنّا نعيش في إب بأمان، يسرنا لقاء الأحبة والأصدقاء والأقارب.
كنّا نتعود على أن نكون المُضيفين داخل إب بدلاً من أن نخرج كضيوف، وأن نحيا فيها براحة ونُطعم كل من يأتينا بدلاً من أن نكون بحاجة للخروج جائعين ومشردين.
كانت تلك الأيام الرائعة التي كنا نخرج فيها مع زملاء الدراسة في أوقات متأخرة من الليل لنتمشى في شوارع إب بعد الدراسة. وكانت لحظات مميزة نقضيها صباحاً في أجواءها الخضراء والجميلة، كأننا في جنة خاصة.
لكن عندما هاجمت ميليشيات الحوثيين المدعومة من إيران، تحولت إب إلى ساحة للرعب وجرائم القتل، وأصبحت حياتنا مليئة بالخوف والقلق. كنا نعيش في بلدنا مطاردين ومختفين داخله، وتحولت إب إلى سجن موحش، حيث كنا نعيش فيه بلا أمان. توقفت الزيارات واللقاءات مع الأحبة، وأصبحنا نقضي تسع سنوات في جحيم.
خرجنا من إب كمن يُنزع الروح من الجسد. جسادنا معنا ولكن أرواحنا لا تزال في إب.
خرجنا من إب بشكل اضطراري ومرغمين، ومنعونا من رؤية أهلنا وسماع أصوات أطفالنا الذين تم اختطافهم وإخفاؤهم عنا.
في إب، كنّا نعيش بين الخوف والإذلال والسجن والتعذيب والمطاردة ومحاولات الاغتيال، وخارجها، كنّا نعيش بين الفراق والمعاناة والغربة والضيق.
لم نخرج من إب بحثاً عن مكاسب أو مناصب، بل كان هدفنا العودة إليها محررين. فالتحرير كان شغفنا الذي يهيمن على أفكارنا.
أردنا أن نعيش في إب محررين، فكان لدينا الأمل واليقين بأننا سنعود إليها محررين أو سنكون شهداء في سبيلها.
تسع سنوات مرت وإب تعاني من جحيم ميليشيات الحوثي، معاناة من الانتهاكات والاختطافات والتعذيب والفساد والاستبداد.
نشاهد سحب إب التي كانت تمطر السماء بالأمل، وجبالها التي كانت تجري بالحياة والنشاط، وطيورها التي كانت تغني نشيد الحياة. لكنها اليوم تعاني وتعبر عن الألم، ومناطقها الخضراء أصبحت مشهداً للرعب.
إب يا من ولدتنا في حضن الحرية، وألهمتنا روح المقاومة والنضال.
عليك أن تعلمي أننا لن نهدأ لن نرتاح حتى نحررك ونحقق النصر لك.
يا إب، أنت دائماً معنا، تدعمنا في عزلتنا، نناديك بشوق وحنين، قائلين:
إب يا خضراء، يا سندسية،
يا قمر تضيء سماؤنا طوال الليل.
أنت جنتنا وملاذ الدنيا.
كلما اشتقنا لك وجدنا الراحة.
يا جوهرة حميرية،
الله صاغكِ للأرض هدية.
بلادي، لكِ معزة خاصة،
وكل العزة لا تبقى سوى فيكِ.
نعيش في البعد عنك حبيبةً، بدون أحباب. وقريباً نعيش بلا قرباء. وعندما يسألنا أحد من أين حبنا، سنجيب:
"لا يوجد في قلبي من أحب سوى إب."
تسع سنوات من المعاناة، لم نشعر بأنها عيداً، وسنحتفل بالعيد يوم تحريرك.
تسع سنوات من الصبر والألم، حيث أصبح الموت أفضل من الحياة، نحن نحتفظ بالأمل فقط لرؤيتك حرة يوماً ما.
في يوم تحرير إب، سأسجد على ترابك، سأقبل أرضك، سأحتضن جبالك، سأتنفس هواءك، سأشعر بروحك، وسأموت في سلام في حضنك.