ذكرى السلال.. مشيران الجمهورية
مروان المنيفي يكتب عن ذكرى السلال.. مشيران الجمهورية
أصبح لشخصية الرئيس الأول للجمهورية اليمنية المشير عبدالله السلال اليوم كمال الإجلال والتقدير، وهو يستحقها ومعه كل الأحرار، فليست ثورتنا مزاج حركات وعسكر وصلوا إلى الحكم.
يتوهم واصفون ما بعد 5 نوفمبر بالرجعية والانحراف عن الخط التقدمي، وأن من جاء بعد السلال قد تصالح مع الخصم الإمامي وتقاسم معه مؤسسات الدولة، ظنّوا منهم أن السلال كان رافضًا ومناوئًا لهذا الاتجاه. وعلى حدّ مطالعتي، فإن الخلاف بين السلال والجناح القبلي السياسي والعسكري للبعث لم يكن شاسعًا إلا في نطاق الدور المصري ونفوذه، بينما تركّز قاسمهم المشترك على: التمسك بالجمهورية، وعدم عودة بيت حميد الدين.
من الساعة الأولى للانقلاب الذي اشتركت فيه كل القوى السياسية آنذاك، بدأ خلافها عند لحظة كتابة البيان، حيث اشتد العسكريون في صياغة البيان العسكري للحركة، ونُزعت من السلال رتبته وأُحيل للتحقيق، بينما كان البيان السياسي الذي كتبه الأستاذ يحيى الشامي متزنًا ولم يدخل أيّ شيء مما كان في البيان العسكري، وأفصح عن مسببات قيام الحركة وحرصه على وحدة الصف.
وهناك مراجعة ونقد ذاتي للدكتور حسن مكي واللواء عبدالله الراعي وحسين المسوري فيما عابوه على السلال: الانصياع للقرار المصري والاعتماد على دعمه المالي.
وقد كان ذلك بصيرة الرجل بما تحتاجه اليمن ومعرفة من شخصية وطنية ناضلت في سجون الإمامة، وعلى دراية بنكسات حركات وطنية سابقة غير مسنودة بحليف خارجي. نستعين بالشيطان، هكذا قال السلال من داخل سجن حجة منتصف الخمسينيات بعد فشل حركة 48.
وقع اختيار السلال لقيادة مجلس الثورة في اللحظات الأخيرة، حين تأخر في الحديدة اللواء حمود الجائفي المقرر لزعامتها من وقت سابق. فالسلال صاحب أعلى رتبة عسكرية بين أقرانه ورئيس حرس البدر، وفي قبضته مفتاح مخازن السلاح، ولولاه أن فجر الثورة زال ساعة الظهيرة.
وسام شرف نزاهة المشير لم يكن له أي سهم اكتتاب في مؤسسات الدولة، وعلى وجه الخصوص البنوك التي نشأت طوال فترة عهده القصيرة (5 سنوات)، سوى تملكه لمنزل متواضع ليس فيه سرير نوم أو أبهة سلطان.
بعد خروجه إلى بغداد، وثم استقراره لاجئًا سياسيًا في القاهرة، قيّض له الرئيس عبد الناصر مخصصًا ماليًا انقطع حين وفاته عام 70. جرت في صنعاء أحداث أغسطس 1968 التي أخرجت القوى اليسارية إلى الجنوب وتموضعت في المناطق الوسطى بشن حرب العصابات. حاول النظام الماركسي والجبهة الوطنية استقطاب السلال إلى واجهتها كمعارضة، لكنه رفض.
وما أن جاء المشير علي عبدالله صالح، وتحديدًا عام 1981، أصدر قرارًا جمهوريًا يقضي بعودة الرئيسين السلال والإرياني والفريق العمري، حيث وسّع لهما مكانة شرفية في الحضور السياسي والاجتماعي إلى جواره على منصة احتفالات الثورة ونشاطات المؤتمر الشعبي العام، تقديرًا وعرفانًا بنضالهما الوطني.
أقرّ عينه المشير بالوحدة اليمنية في السنوات الأخيرة من حياته، وكان في صدارة الصف الأول عند إعلانها في 22 مايو في عدن. وإلى طائرة المشير علي صالح كان معه للسفر إلى الأردن لتوقيع وثيقة العهد والاتفاق. وآخر الأعمال أوكل إليه المشير صالح أن يتقدم وساطة سياسية للنزول إلى عدن حين أعتكف علي سالم البيض ورفض أداء اليمين الدستورية في صنعاء.