آراء

حتى لا نظل نقول نحن الأصل وكفى!

جمال حسن يكتب: حتى لا نظل نقول نحن الأصل وكفى!


لدينا اعتقاد سائد ان الغناء الخليجي قام بشكل كلي على الغناء اليمني. وهذا تصور مبالغ فيه، ينفي عن الغناء الخليجي كثير من اجتهاداته، وخصوصيته. واستفادته من مصادر كثيرة، يعتبر الغناء اليمني أهمها، بالإضافة إلى مصادر الغناء المحلي المعروف في بلدان الخليج ومناطقه.

واليمن شكلت مصدرا رئيسيا لهذا الغناء، وانتحلت كثير من ألحانه، البعض نسبها فنانو الخليج لأنفسهم، والبعض الآخر نسبها الغناء الخليجي لحنا وشعرا للتراث على غرار اغنية "رحمن يا رحمن" بصوت عبدالمجيد عبدالله. وهناك ايضاس سرقات لألحان فنانين يمنيين مثل لحن المرشدي "ضناني الشوق" الذي نسبه محمد عبده له، وهناك كثير من الانتحال شعرا ولحنا لاغاني يمنية. وهذا لا خلاف عليه، وينبغي الوقوف ضدها بصورة يستعيد معها مصدرها من الموروث والملحنين والشعراء حقهم المعنوي.

وهناك ايضا التأثير اليمني العميق في تشكيل وتطوير هذا الغناء من خلال تواجد فنانين كثر بعضهم غنوا بأسلوب الخليج، واصبحوا رموزا لهذا الغناء على غرار محمد عبده وعبدالمجيد عبدالله، او برزوا كملحنين مثل عبدالرب ادريس، وساهموا في نشر الغناء الخليجي او اليمني. ادريس لحن لراغب علامة اغنية يمنية حضرمية، مثل "ودانة" اواخر الثمانينيات.

لكن هناك مصادر كثيرة استفاد منها الغناء الخليجي، مثل الالحان المصرية، وكذلك مصادر هندية وافريقية. كان لها حضور قديم في الجزيرة العربية، لا يقتصر تأثيرها على بلدان الخليج انما ايضا اليمن.

وهذا الغناء استوعب غناء اليمن، وهضمه، وكان له دور في تطويره، بما في ذلك تلك الاستفادة غير الشرعية. لكن ما شهده هذا الغناء، يحتاج الى نظرة موضوعية، ينم عن انفتاحه، إلى حد ما، على ثقافات موسيقية مختلفة، وبصورة حافظت على خصوصيته.

ايضا، ما اصبح عليه الغناء الخليجي كمصطلح يشمل خمسة بلدان على وجه التحديد؛ وبصورة جعلت منه مشتركا يصعب التفريق بينه لحنا او غناء او لهجة. بحيث اصبح هناك مركز متحرك، تتناوب عليه تلك البلدان، كان للكويت في البداية دور الريادة والتأثير بسبب ان فنانيها سجلوا اسطوانات بشكل مبكر منذ الثلاثينيات في العراق او الهند.

لاحقا ومنذ الستينيات بدات تظهر ملامح الاغنية السعودية، وقبلها غناء الكويت والبحرين، ثم الامارات وقطر. وكذلك اصبحت صناعة مندمجة يتم تعريف ملحنيها وشعراءها ومغنيها ضمن الغناء الخليجي اولا، ثم ينسبةن لبلدانهم.

طبعا لعبت السياسة والثراء النفطي والجغرافية، قاسما بين تلك المجتمعات، وشكلت ايضا حافزا لتنافس في إطار عام. ما هو ملاحظ اليوم ان السعودية وبدرجة ثانية الامارات، يسود فنانوها في صناعة الغناء الخليجي، بينما تراجعت الكويت بشكل لافت، والتي كانت رائدة، وتحديدا منذ منتصف التسعينيات.

أما اليمن، فرغم استمرار حضورها كمصدر مهم فني وبشري في الغناء الخليجي، عانت من إشكاليتها الخاصة..

أولا عدم وجود مركزية واضحة، لا تحددها المنطقة الجغرافية، انما اللهجة الجامعة، والتي يفترض ان تكون بيضاء، وهذا امر مهم في صناعة المركز الفني والغنائي، حتى في الدراما. هناك تفاوت واضح في اللهجات، ولا يعني ان لا يكون هناك غناء صنعاني وحضرمي وعدني وتعزي وتهامي، لكن ضمن خصوصية محلية لمنطقة عن غيرها. لكن على الأقل اصبحنا بحاجة الى جسر الهوة بين التفاوت الشاسع، واحتواءها بمركز ثقافي. والعائق لم يكن طغيان اللهجة، انما ايضا غياب صناعة الموسيقى او مؤسسة فنية شاملة.

وفي نفس الوقت، طغيان التقليدية على التطور، وبصورة تؤكد اننا عجزنا على كل المستويات ان نتحول الى مجتمع حديث. بينما في الخليج كانوا اكثر انفتاحا وتخففا من التقوقع في التقاليد. وهي جوانب كان للسياسة والاقتصاد دورا كبيرا أثمر عن تحولات اجتماعية وثقافية ايضا. وما اقوله لا يعني ان الغناء الخليجي تطور فنيا بشكل ايجابي، لكنه واكب، واصبح صناعة فعلية. اتحدث عن التراكم المادي الذي يفسح لتراكم في القيمة الفنية.

وحتى لا نظل نقول نحن الأصل وكفى، ونخفي عن انفسنا حقيقة البون الشاسع بيننا وبينهم، ونتستر على تراجعنا بالتعظيم الذاتي الموثق بماض دون حاضر ولا مستقبل.

زر الذهاب إلى الأعلى