عن الحق في الصمت والموضوعية والحياد
حسين الوادعي يكتب عن الحق في الصمت والموضوعية والحياد
صار العالم قرية كونية يتجاور فيها المختلفون تجاورا افتراضيا ويراقبون بعضهم ممتشقين أسلحتهم المادية والناعمة.
لم يعد المكان مهما لتصبح جارا افتراضيا لشخص أو جماعة تختلف معك في كل شيء.
في أجواء هذا الإغراء الذي تقدمه السوشيال ميديا لمراقبة الآخرين ومحاكمتهم وإسكاتهم تتعرض ثلاث مبادئ هامة للهجوم من اليمين واليسار، والشرق والغرب.
المبدأ الأول هو حق "الصمت". من حقك أن تصمت وتعتزل النقاش العام مهما كانت القضية واضحة بالنسبة للبعض أو غامضة لآخرين. محاكمة الآخرين على صمتهم نزعة فاشية خطرة تتخفى تحت ستار الأخلاق والتضامن لتدفع الناس الى اصطفافات لاأخلاقية.
نستطيع محاكمة الناس على ما قالوه، لكن محاكمتهم على ما لم يقولوه سلوك تفردت به، حتى وقت قريب، ابشع الشموليات وأكثرها دموية.
المبدأ الثاني هو الموضوعية. والموضوعية ليست الحياد. تستطيع أن تكون موضوعيا ومنحازا لأحد أطراف الصراع لو أردت. الموضوعية هي تقديم الحقائق كما هي وطرح كل وجهات النظر بعدل، وفهم الوضع دون تحيزات أو أوهام النصر، المقاومة، التمكين، الدفاع عن النفس، مكافخة الإرهاب.
ذبح الموضوعية تحت دخان العاطفة لن ينقذ روحا بريئة، لكنه سيتسبب في مقتل المزيد.
المبدأ الثالث هو الحياد. لست مضطرا لاتخاذ موقف سياسي أو ايديولوجي من كل قضية لو أردت ذلك. محاكم التفتيش المعاصرة التي تنصب المشانق مقدما لكل من يرغب في اتخاذ موقف الحياد لا تختلف عن نظيرتها سيئة السمعة في العصور الوسطى. الحياد ليس موقفا أخلاقيا فقط، بل موقف عملي. والموضوعيون والمحايدون فقط من يستطيعون الخروج من دائرة حرب القبائل العالمية وخلق أرضية جديدة للحوار والسلام.
ليست القرية الكونية يوتوبيا، لكنها أقرب الى ساحة عمومية غير منظمة لالتقاء الهويات المسلحة. ولا غنى عن المبادئ الثلاثة، مفردة أو مجموعة، لجعل القرية الكونية مكانا قابلا للحياة.
* صفحة الكاب