[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]
آراء

قراءة في خطاب الرئيس العليمي بذكرى سبتمبر العظيم

توفيق السامعي يكتب قراءة في خطاب الرئيس العليمي بذكرى سبتمبر العظيم


تابعت خطاب الرئيس الدكتور رشاد محمد العليمي، رئيس مجلس القيادة الرئاسي، بمناسبة أعياد الثورة اليمنية المجيدة، باهتمام بالغ، ليس لعملي الصحفي الرسمي وحسب، بل لقراءة ما بين سطوره، مقارنة بخطابات آخرين قبله، بهذه المناسبة، وسبر غور الفعل السياسي للقيادة السياسية في ظل هذا الواقع المعتم، بحثاً عن أمل الخروج من هذه الأمواج المتلاطمة التي افتعلها عودة الإمامة للسيطرة على البلاد، والقضاء على آمال وتطلعات الشعب اليمني بالتقدم والعيش الكريم أسوة ببقية الشعوب المجاورة والعربية الأخرى، وما ترتب عن تلك العودة من قتل وتشريد ودمار ونهب وإعادة اليمن إلى القرون الوسطى وعصور الإمامة الظلامية التي تخلص منها شعبنا في السادس والعشرين من سبتمبر العظيمة.

لم يكن الرئيس العليمي، في مجمل خطاباته، بائع خطابات، ولا مُسوِّقاً لذاتٍ، على حساب القضايا اليمنية الكبرى؛ فمن يعرف الرجل يجد حرصاً وطنياً ومتابعاً لأدق التفاصيل في مختلف المجالات، قد لا يلمسها كثير من الشعب بسبب أن القضية أصبحت أكبر من حجم الجميع لتداخلاتها المحلية والإقليمية والدولية، وأنه يسير في حقول ألغام مكثفة أدركها الجميع من خلال الضغوط الكبيرة التي مورست عليه في القضايا والفترات السابقة، ويتعامل مع الأحداث والظروف بكل واقعية.

من يدقق مفردات خطابه الأخير يدرك هذه الحقيقة التي أشرنا إليها آنفاً، وهو الأكاديمي ورجل علم الاجتماع الأبرز، ورجل الأمن المعروف، وكان الرجل الأمني الأول في قمة الحروب الستة مع المليشيا الحوثية؛ لذلك فهو خبير بتفاصيلها ومداخلها وطرقها الملتوية، وكان من أوائل المسؤولين تحذيراً من عودة الإمامة بثوبها الإيراني وأياديها الحوثية.

فقد أوضح الرئيس العليمي أن "احتفالات شعبنا في حقيقتها مشروع حاضر، وملح في طليعة مهام وأولويات شعبنا لاستكمال تحرير أرضه من الإرهاب، والاستعباد، والاستبداد، والجهل، والظلم الذي بعثته الإمامة الحوثية المجرمة".

لذلك نجده يتابع، باهتمام بالغ، كل الاحتفالات بالمناسبة في كل مدينة وقرية، وهو ما أشار إليه في ثنايا خطابه "أن هذا الاحتشاد، والابتهاج الكبير بأعياد الثورة اليمنية، في مختلف المحافظات، هو استفتاء شعبي يشير إلى عظمة مبادئ سبتمبر الخالدة، ومكانتها في قلوب اليمنيين الأحرار، ورفضهم الصريح للإماميين الجدد، وانقلابهم الآثم".

لقد كان الرئيس يتابع ويوجه بإقامة الاحتفالات خاصة في المناطق الريفية والجبلية المتاخمة للمناطق التي تسيطر عليها المليشيا الحوثية الإرهابية، راعياً لها وداعماً ومتابعاً، بما لذلك من أهمية ورسائل تبعث للمواطنين أن الاحتفالات بحد ذاتها مقاومة تبقي شعلة الثورة واتقادها متجذرةً في نفوس اليمنيين؛ فهي تغيظ الإمامة الجديدة وتفزعها، وتبعث روح الثورة في نفوس اليمنيين، وتدرك الإمامة الجديدة أن بقاء هذه المناسبة حية ويزيد زخمها يوماً بعد آخر، وعاماً بعد عام، يشكل إحياءً ثورياً يدفع الشعب للتأسي بآباء سبتمبر المؤسسين للجمهورية، ويبقي على جذوة المقاومة حية في النفوس، والأفعال الرافضة لكل ما يأتي من الإمامة الجديدة؛

لذلك رأيناها تفقد اتزانها وتحدث حالة طوارئ غير معلنة، مستنفرةً كل إمكانياتها وقدراتها للتصدي للمواطنين الثائرين، فشنت حملات اختطافات واسعة في صفوفهم، وخاصة في صفوف الإعلاميين والناشطين والناشطات، ومع ذلك لم تفلح في كسر إرادتهم، واضطرها راغمة أن تحتفل بذكرى الثورة، ليس عن قناعة، ولكن تقية سياسية وامتصاصاً لغضب الشعب الذي لا يقف أمامه أعتى قوة.

ومع كل ذلك خرج اليمنيون للاحتفال بالمناسبة في مناطق مختلف بمحافظة إب وتعز والحديدة وصنعاء، رغم السطوة الإرهابية الحوثية.

فالرئيس يدرك تفاعل الشعب اليمني واحتفالاته المبكرة بثورة سبتمبر الخالدة، منذ اليوم الأول لسبتمبر وليس فقط بيوم السادس والعشرين منه، وأن هذه الاحتفالات بنظر الرئيس "تؤكد أن شعلة التغيير ستظل متقدة أبداً في النفوس تضيء لنا معاني الحرية والكرامة الإنسانية، والمواطنة المتساوية، وسيادة الشعب، وأن لا خيار لنا فيها إلا الانتصار".

ينتقي الدكتور رشاد العليمي مفرداته بعناية كألفاظ جامعة مستخلصة من كل ما يعتمل في الساحة من أوصاف لهذه الإمامة البغضية، والردة عن سبتمبر المجيد؛ حين يعتبر اسم الإمامة مرادفاً للعار، و"أن ثورة 26 سبتمبر 1962 كانت هي الجسر الذي حمل بلدنا الى حضارة العصر، ومنح شعبنا طريقاً للحياة الكريمة، والامل، على أساس نظام جمهوري عادل يؤمن بسيادة الشعب، والمواطنة المتساوية بين جميع أبنائه كنقيض للاستبداد، والعبودية، والخرافة".

يحتاج الرئيس العليمي إلى فرق مساندة شتى ومخلصة، وخاصة في المجالين الإعلامي والأمني والثقافي، من الرعيل الأول الذي خبر المشروع الإمامي ونبه إلى خطره منذ زمن، بعيداً عن التزلف والابتزاز والحجر وافتعال الحواجز بينه وبين جمهوره؛ فالظرف العصيب يحتاج إلى التواصل الدائم، والقرب المستمر، وبناء سياسة إعلامية مواكبة للأحداث، بعيداً عمن يزين له الاحتجاب عن الناس والفرق التي يمكن أن تشكل له سنداً في كل منعطف، وما أكثر المنعطفات في هذا السبيل، في ظل بناء كل طرفٍ من الأطراف الداخلية حاشيته وفرقه الخاصة.

يعمل الرئيس العليمي والسلطان العرادة كفدائيين من أجل الحفاظ على الجمهورية التي باتت تجسدها تعز ومارب، وتلفتان حولهما بصدق وإخلاص ودون منٍّ أو أذى، وتمثل لهما عمقاً شعبياً كبيراً يمكن الاستناد إليه في الظروف الصعبة، وأن يقف كل منهما مع الآخر؛ الرئيس يقف معهما والمحافظتان تقف معه.

فدائية الرجلين تشبه -إلى حد كبير- فدائية بطل السبعين عبدالرقيب عبدالوهاب حينما حمى الجمهورية من السقوط، في حصار السبعين، الذي استسلم له كثير ممن تصدروا البطولات الوهمية في ثورة السادس والعشرين من سبتمبر، بمن فيهم قيادة الدولة العليا، لولا إخلاص عبدالرقيب ورفقائه الأبطال.

من ينظر بتدقيق وتمحيص في مجريات الأحداث والواقع فإن الرجلين في موقف صعب لا يحسدان عليه من تحمل المسؤولية في ظرف بالغ الحساسية، تقف فيه اليمن على مفترق طرق، وكل القوى الدولية المتصارعة في مختلف الملفات جعلت من اليمن ساحة تصفية حسابات بينها. لذلك فقيادة البلاد في هذه الظروف كمن يقود السفينة في بحر متلاطم الأمواج، وننتظر من القيادة السياسية خطوات أكثر جرأة في طريق التحرير، ولتكن ما تبقى من تعز ومارب أولى الخطوات في طريق التحرير العام.

زر الذهاب إلى الأعلى