سبتمبر وأكتوبر.. ثورتان توأمٌ لا انفكاك بينهما
أنور العنسي يكتب عن عن 26 سبتمبر 1962 - 14 أكتوبر 1963 في اليمن: ثورتان توأمٌ لا انفكاك بينهما
جمهورية (26 سبتمبر و 14 أكتوبر) هي في وعْيُنا ما ورثناه من آبائنا مثل (جينات) وما حفظناه من مخاضات هذا الوعي، وهي عندنا، أقدس الثوابت، وأنبل المسلمات، بل تكاد تشبه الحياة والممات، الليل والنهار، الشمس والقمر، وغيرها من آيات السماء وظواهر الطبيعة.
لم يكن (26 سبتمبر) مجرد انقلابٍ على حكم عائلة من عائلات تقاتلت على إدعاءات تمثيل الله، والحديث بإسمه، بل كان (ثورةً) إنسانية لاقتلاع فكر (الإمامة) السخيف من جذوره السلالية العصبوية الكهنوتية كنظريةٍ وأسلوبٍ متخلف في الحكم، ومشروعٍ ظلامي استعلائي غاشم.
ومن رحمها خرج الـ (14 من أكتوبر) متمرداً على حكم أعتى إمبراطوريةٍ في العالم، ليعطيها الدرس والمثال، بأن عليها أن تحمل عصاها وترحل، ومن كان يجرؤ في ذلك الوقت أن يقول لها كذلك لولا بنادق الثوار الشباب، ودماء الشهداء الكبار، وجمال عبدالناصر.
بريطانيا تخجل اليوم من تاريخها الاستعماري، بينما عبيد الإمامة وخدَم الاستعمار لا يزالون تواقين للعودة إلى تقبيل (الرُّكب) وتبجيل خطيئات المحتل الأجنبي.
سبتمبر وأكتوبر، ثورتان ألْقَتا بخرافة الإستبداد وجرثومة الاستعباد في قاعٍ سحيقٍ من مزبلة التاريخ، ولا يمكن اليوم بأي حال القبول بعودة نفايةٍ قديمةٍ بائدةٍ كهذه من قعر المزبلة لتتصدر واجهة الوطن اليمني تحت أي مظلوميةٍ زائفةٍ أو شعارٍ جهويٍ مراوغٍ وملتبس.
انتظر اليمنيون هذين اليومين بعد كل تلك العصور الإمامية اللاهوتية المتناحرة المتنافسة، المتقاتلة بنا وضعفنا وبؤس حالنا، وعقب كل تلك الدهور المثقلة بالظلم والظلام وقهر الطغيان الأجنبي.. نعم، طالما انتظرناهما في نهاية ذلك الشلال الهادر، عبر قرونٍ، من دماء الاجداد، وقوافل من جماجم الآباء الشهداء الأحرار.. أحرار اليمن، من كل مناطق وطوائف وفئات البلاد.
عليكم أيها المعادون، بغباءٍ أو سوء طويَّة وعدم صواب، بل وتعمدٍ لعدم فهمٍ لثورتي سبتمبر وأكتوبر، أن تنصرفوا، أن تنسحبوا، أن تغادروا تاريخنا، وأن تلتحقوا بالغبار الأسود البعيد.. أما صنعاء فعائدةٌ حتماً إلى عدن.. بل هما عائدتان لروحيها، لجمالهما، لرجالهما الطيبين الانقياء كالثلجِ، ولنسائهما النبيلات، الكريمات، الحميمات، مثل الحمَام..
ما دمتم جاحدين وكافرين بثورتي سبتمبر وأكتوبر اللتين أدخلتكم إلى مدارس العصر، وأرسلتكم إلى أفضل جامعات وحقول المعرفة، شرقاً وغرباً، وعاد بعضكم، ياللأسف إلى قريته، يتنكر لهما ويتآمر عليهما، فمصيركم، عاجلاً أم آجلاً، هي العودة إلى كهوفكم التي لا بيئة للوطاويط غيرها، إلى الجحور التي لا مكان مناسباً لعناكب الليل سواها.
اليمن كبير، كبيرٌ، كبيرٌ عليكم، أنتم في التحليل النهائي لستم سوى ضحايا للتجهيل والتغرير واستغلال فقركم وضعفكم وجهلكم، من قبل القريب اللئيم والبعيد الحقود على حدٍ سواء..
كفى بنا اغتراباً، شتاتاً وتشرداً في شوارع العالم، وتسكعاً في طرقات اللجوء وغابات العنصرية والازدراء، وكفى بكم أنتم خوفاً وهلعاً وعزلةً ونبذاً من قبل أغلب دول ومجتمعات الأرض.
أرشدوا بعد كل هذا النزيف العبثي من الدم والتمزق العدمي، أرشدوا.. أرشدكم الله!
اللهم اعصم حبلنا جميعاً بعد حبلك، بحبل جمهوريتنا اليمنية، جمهورية الثورتين، سبتمبر وأكتوبر، جمهورية الشهداء الثوار الأحرار. الأتقياء بعشق الأرض والحياة، عشاق كرامة الأرض والعرض، نحن القانعين ببلادٍ ألفناها على كل حال..
والسلام فقط لمن يفهم الكلام!