القبيلة والتفكير خارج الصندوق!
عضو مجلس الشورى في اليمن الشيخ علوي الباشا بن زبع يكتب: القبيلة والتفكير خارج الصندوق!
"القبيلة" (العشائر) و"الدولة" (الجيش) في كل مراحل الصراع في التاريخ اليمني كانا يشكلان ولا يزالان ثنائي التحالفات أو الصراعات الأكثر تأثيرًا في مختلف المنعطفات التاريخية. ونجد دائمًا أنه حين تتوحد الدولة (الجيش) تتوحد القبيلة، وتتوزع القبائل الأدوار بين موالاة الدولة لصالح الوطن والضغط عليها لصالح القبيلة.
وحين تنقسم الدولة تنقسم القبيلة بين هذا الطرف وذاك، ويتصارعون بعنف، ويتصالحون في نهاية المطاف بعد أن تضع الحرب أوزارها. وذلك في تناغم طردي وعكسي شديد التعقيد، ولكن تكون فيه القبيلة هي الأكثر قدرة على تجاوز الأحداث والعودة للتلاحم القبلي التقليدي من جديد، وكأن شيئًا لم يكن، بخلاف أطراف الدولة أو أطراف العملية السياسية الذين يحتاجون إلى وقت طويل لنسيان آثار الصراع والعودة إلى تطبيع الأوضاع والتعايش المجتمعي.
الحقيقة أن اليمن أشبه بطائر عملاق له جناحان: الجيش والقبيلة. وحين يفقد هذا الطائر العملاق أحد جناحيه فإنه لا يستطيع أن يطير، ولن يقوى على الطيران بأي حال من الأحوال، وشواهد التاريخ اليمني معروفة.
الجيش بدون القبيلة لا حاضنة قتالية له، ولذلك تكون مهمته صعبة ومتعثرة، والقبيلة بدون جيش لا نظام وانضباط يحكمها. وإن كانت قادرة على الاستمرار بدون الدولة، ولكن بشكل أقل انضباطًا وكبحًا لنزعات التخريب التي تستهدف السكينة العامة.
الأهم أو الخلاصة، أنه في كل مشاهد ما قبل وما بعد الحروب في اليمن، تجد أن القبيلة ينخرطون في الصراعات بانقسام كبير، ولكن محكوم بضوابط عرفية في غاية الدقة. وتقوم على مبدأين: الأول أنهم يحكمون صراعاتهم باعتبارات معينة قائمة على مقولة عرفية متوارثة تقول: "عاد من بعد الحروب العوافي"، أي أنهم لا يفجرون في الخصومة ويحرصون على حفظ الاعتبارات فيما بينهم حتى مع خصومهم، معتقدين أن ما "صبح ابن عمك مساك". وهكذا هم في انخراطهم في الأزمات والحروب.
والقبائل في مسألة الخروج من الحروب وتبعاتها لديهم مرونة أكثر من المجتمع المدني أو السياسي، الذي يحتاج غالبًا بين أطراف الصراع ما بعد الحرب إلى ما يسمى بالعدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية. فيما تجد أن القبيلة بمختلف أطرافها يطالبون بهذا في تعاطيهم مع الآخرين كحق ثانوي تجاه الغير. أما فيما بينهم، فإنهم لا يحتاجون في أغلب الحروب إلى هذا النوع من عمليات الانتقال. فهم يلتقون ويتفاهمون ويذهبون إلى قراهم صفًا واحدًا، ويدوسون على كل المسائل المتعلقة بنتائج الصراع، وطبعًا بما فيها الثارات التي لها صبغة الصراع السياسي ذات الصلة بالشأن العام وأمور الدولة. يتوافقون على أنها فتنة، وأنهم انخرطوا فيها اضطرارًا تحت جناح الدولة، وليس بواجب القبيلة. ولذا فإنهم لا يستجرون ثاراتها، ويسارعون إلى نسيانها ودفنها بخيرها وشرها لأن بحثها يطول.
ولذلك لديهم مقولة قديمة دارجة يقولون: "القبيلي وارث الدولة"، بمعنى سرعة التكيف مع حالة ما بعد الحرب لعودة تلاحم القبيلة بنفس سرعة الانخراط في الحرب بداية. وهذه ما يمكن أن نسميه "القبيلة والتفكير خارج الصندوق"، إذا جاز التعبير.