في ظل الظروف القاسية التي يعيشها اليمن منذ انقلاب مليشيات الحوثي، يبرز الفن كوسيلة فعّالة لمواجهة الظلم، ونقل المعاناة، وإيصال الرسائل إلى القلوب والعقول. من بين هذه الوسائل الفنية، تألّق نجم الفنان الكوميدي محمد الحاوري، الذي استخدم ذكاءه الفكاهي وإبداعه الساخر لتحويل قضايا الشعب اليمني إلى محتوى هادف يكشف جرائم الحوثيين، ويقاوم بضحكاته أسلحة القمع والترهيب.
منذ انطلاقته، اختار الحاوري أن يكون صوتًا للشعب اليمني، لا مجرد فنان يبحث عن الشهرة أو المال. فقد سخّر موهبته الكوميدية للحديث عن القضايا التي تمس حياة اليمنيين بشكل مباشر، وفضح ممارسات المليشيات الحوثية بأسلوب يمزج بين الكوميديا الراقية والنقد اللاذع. يُعتبر محمد الحاوري من أولئك الذين أدركوا أن الفن ليس ترفًا، بل هو مسؤولية ورسالة يمكن أن تُحدث فرقًا كبيرًا في الوعي الشعبي.
من خلال الفلاشات والفيديوهات القصيرة التي ينشرها عبر منصات التواصل الاجتماعي، تناول الحاوري قضايا عديدة تمس حياة اليمنيين، مثل الفساد المالي والإداري، التلاعب بالمساعدات الإنسانية، استغلال الأطفال في التجنيد، والممارسات القمعية التي تقوم بها المليشيات الحوثية باسم الدين والوطن.
ما يميز هذه الأعمال هو قدرتها على الوصول إلى الجمهور بأسلوب بسيط ولكنه مؤثر. فكثيرًا ما يستخدم الحاوري الحوارات الساخرة والمواقف المضحكة ليُبرز التناقضات الصارخة في شعارات الحوثيين، مما يجعل المشاهد يضحك من جهة ويفكر بعمق من جهة أخرى.
شجاعة في مواجهة التهديدات
لم يكن اختيار الحاوري لهذا الطريق سهلًا، فهو يعلم جيدًا أن مواقفه الجريئة تعرضه لخطر الانتقام من قبل المليشيات. ومع ذلك، استمر في نشر أعماله دون خوف أو تردد، مؤكدًا أن كلمة الحق لا يمكن أن تُكمم مهما كانت قوة الظالم. هذه الشجاعة جعلت منه نموذجًا يُحتذى به، خاصة في زمنٍ باتت فيه الأصوات الحرة تُحارب بكل الطرق.
لم تتوقف رسائل الحاوري عند حدود اليمن، بل تجاوزتها إلى العالم العربي والدولي. أعماله تُترجم معاناة اليمنيين إلى لغة يفهمها الجميع، مما يساهم في فضح الممارسات الحوثية أمام العالم، ويعيد تسليط الضوء على القضية اليمنية التي حاول البعض تهميشها.
من خلال جمهوره الكبير، أصبح الحاوري أحد أبرز الوجوه التي تعبر عن واقع اليمن، ليس فقط بالكوميديا، ولكن أيضًا بالتأثير العميق الذي تتركه أعماله في نفوس المشاهدين.
إحدى أهم جوانب أعمال محمد الحاوري هي استخدامها كوسيلة نفسية لمقاومة اليأس. فالشعب اليمني، الذي يرزح تحت وطأة الحرب والجوع والفقر، يجد في هذه الفيديوهات متنفسًا يخفف عنه قسوة الواقع. الضحكة التي يرسمها الحاوري ليست مجرد ترفيه، بل هي رسالة أمل بأن الشعب اليمني لا يزال قويًا وقادرًا على مواجهة كل التحديات.
أثارت أعمال الحاوري غضب المليشيات الحوثية التي تدرك تمامًا أن الفن قد يكون أداة أخطر من الرصاص. فهو يكشف أكاذيبهم، ويفضح فسادهم، ويظهر للعالم الوجه الحقيقي لهم. هذا الغضب يظهر في محاولاتهم المتكررة لتشويه صورته، ولكن كل هذه المحاولات تزيد من شعبيته وتؤكد أن رسالته تصل إلى الهدف.
فن المقاومة في التاريخ.
إن ما يفعله محمد الحاوري ليس جديدًا في التاريخ، فقد استخدم الفن عبر العصور كأداة لمقاومة الاحتلال والاستبداد. لكن تميزه يكمن في أسلوبه العصري الذي يمزج بين الفن التقليدي ومنصات الإعلام الحديث، مما يجعله قريبًا من الجمهور بمختلف فئاته.
رسالة إلى الفنانين اليمنيين والعرب
يمثل الحاوري دعوة صريحة لكل الفنانين اليمنيين والعرب لتحمل مسؤولياتهم تجاه قضايا شعوبهم. فالفن ليس مجرد وسيلة ترفيهية، بل هو قوة ناعمة قادرة على تغيير الواقع. إذا اجتمع الفنانون على هدف واحد، يمكنهم إحداث تأثير أكبر بكثير من تأثير السلاح.
محمد الحاوري هو تجسيد حي للقوة الناعمة التي يمتلكها الفن. في زمنٍ أصبح فيه صوت الحق يُحارب، اختار أن يكون صوتًا للمعاناة، وسلاحًا في وجه الطغيان. بأسلوبه الكوميدي ورسائله الهادفة، استطاع أن يضع المليشيات الحوثية في مواجهة مباشرة مع الشعب، ويُظهر أن الشعب اليمني لا يزال ينبض بالحياة رغم كل الصعوبات.
محمد الحاوري ليس مجرد فنان، بل هو رمز للمقاومة الثقافية والإبداعية. تحية له ولكل من يؤمن بأن الكلمة والضحكة يمكن أن تكون أقوى من الرصاص والمدافع.