الحوثيون و"دبلوماسية الرهائن" الإيرانية

الحوثيون و"دبلوماسية الرهائن" الإيرانية - همدان العليي
الحوثيون و"دبلوماسية الرهائن" الإيرانية - همدان العليي

‏همدان العليي يكتب: الحوثيون و"دبلوماسية الرهائن" الإيرانية

أطلق الحوثيون سراح حوالي 153 مختطفاً يمنياً من سجونهم في صنعاء، يوم السبت، بعدما اعتقلتهم في وقت سابق من منازلهم وأعمالهم وفي نقاط التفتيش. 

 وبالرغم من أن هذا خبر يسعد الجميع، فلا شيء يوازي فرحة أسرة بعودة ابنها أو من يعولها والذي اختطف دون ذنب، إلا أنها خطوة حوثية دعائية وتكتيكية بهدف انتزاع تنازلات من الأطراف الأخرى.. لكن كيف؟ يطلق الحوثيون سراح مجموعة من المختطفين بهدف دفع الوسطاء للضغط على الحكومة اليمنية لتقديم تنازلات مقابل هذه الخطوة، وعندما يحصلون على مكاسبهم، يقومون باختطاف مجموعة أخرى من منازلهم وأعمالهم كالعادة.. 

وبهذا الشكل لم يتغير شيء بالنسبة لهم. بهذه الطريقة ينتزع الحوثيون تنازلات من خصومهم ويحصلون على ما يريدون، بينما لم يقدموا أي تنازل من جانبهم، لأنهم بلا قيم، وسيقومون باختطاف أعداداً كبيرة متى ما أرادوا من المخزون البشري الهائل في مناطق سيطرتهم دون أن يرفّ لهم جفن. حتى لو افترضنا أن الحوثي قام بإطلاق سراح كل المختطفين لديه، وصفقت لهم المنظمات الدولية وبعض السذج في اليمن، فإنه سوف يقوم بملء معتقلاته مجدداً بكل بساطة، ويبدأ مسلسل الابتزاز من جديد للحصول على تنازلات ومكاسب جديدة على حساب مصالح اليمن وشعبه..! 

سياسة "الابتزاز بالمختطفين" لا تستخدم فقط لابتزاز اليمنيين، بل لاجبار دول الإقليم والعالم على قبول مطالبه، وهو أسلوب إيراني معروف. فقد دأب النظام الإيراني في استغلال ملف الرعايا الأجانب ومزدوجي الجنسية كورقة ضغط من أجل المساومة بهدف تحقيق مكاسب سياسية ودبلوماسية وإدارة ملفاته الخارجية لاسيما بعدما ضاق الخناق عقب العقوبات المفروضة عليه بسبب انتهاكها للاتفاق النووي. يعتقل النظام الإيراني الأجانب ومزدوجي الجنسية ويستخدمهم كأداة للضغط السياسي والمساومة مع الدول الغربية وغالباً ما تكون هذه الاعتقالات بذريعة "التجسس" وهي الوسيلة التي يستخدمها الحوثيون تماماً. 

كثيرة هي الأمثلة التي تؤكد هذه الحقيقة وهذا الأسلوب الذي لا يستخدمه إلا النظام الإيراني وفرعه في اليمن: 

في العام 2016، أفرج النظام الإيراني عن الصحفي الذي يحمل الجنسية الأميركية "جيسون ريفان" بعد تفاوض مباشر مع واشنطن انتهى بالاتفاق على إعادة نحو 400 مليون دولار طالبت بها طهران في وقت سابق.

في سبتمبر/أيلول 2019 احتجز النظام الإيراني ثلاثة أستراليين، أحد المعتقلين امرأة تعمل في المجال الأكاديمي اتهمت بالتجسس وصدر بحقها حكم بالسجن مدته 10 سنوات. جاءت عملية الاعتقال هذه بعدما أعلنت أستراليا الانضمام إلى حلف تقوده الولايات المتحدة لحماية الشحن البحري عبر مضيق هرمز بحسب ما أعلنه رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون حينها.
في سبتمبر/أيلول 2020، قال وزير الدفاع البريطاني بن والاس في رسالة وجهها إلى محامي المواطنة الإيرانية البريطانية المسجونة في إيران، نازنين زاغري منذ العام 2016، بأن الإيرانيين يحتجزون زاغري لإجبار لندن على إرجاع ثمن صفقة بيع دبابات كان الشاه بهلوي قد اشتراها من بريطانيا لكن لم يتم تسليمها للنظام الإيراني الجديد بعد ثورة 1979 بسبب العقوبات المفروضة عليه.
في 7 مايو/أيار 2022، اعتقل النظام الإيراني أستاذة الأدب المعاصر سيسيل كوهلر ورفيق دربها أستاذ الرياضيات المتقاعد جاك باريس أثناء زيارة سياحية دامت ثلاثة أسابيع في إيران. وفي مايو/أيار 2024 أصدرت وزارة الخارجية الفرنسية بياناً متشدداً، اتهمت فيه إيران بممارسة ما وصفته "سياسة رهائن الدولة"، ونددت بـ"الابتزاز المستمر" الذي يمارسه النظام الإيراني بعدما قامت باختطاف أربعة فرنسيين. وعلى ذات النهج الحوثي، بثت القنوات الإيرانية "اعترافات" لاثنين أعلنا خلالها بأنهما "عميلان للمخابرات الفرنسية". وقد وصفت فرنسا هذه الاعترافات بـ"القسرية" و"المقيتة".
الأمثلة كثيرة جداً، وبسبب هذه الجرائم يواجه النظام الإيراني انتقادات دولية متزايدة تحت مسمى "دبلوماسية الرهائن" الذين غالباً ما يكونوا من أصول إيرانية ويحملون جنسيات غربية، أو موظفين أجانب في مؤسسات دولية. أليس هذا ما يقوم به الحوثيون في اليمن؟ خلال الأشهر الماضية قاموا باختطاف موظفين كثر يعملون في منظمات وسفارات دولية واتهموهم بالعمالة والجاسوسية.

وبعد إصدار الولايات المتحدة الأمريكية قرار تصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية أجنبية، قامت الجماعة باختطاف عشرات الموظفين الدوليين في خطوة اعتقد البعض بأنها تحدي للإدارة الأمريكية الجديدة، لكنها في الحقيقة محاولة حوثية لزيادة أوراق الضغط على المؤسسات الدولية للتدخل وإلغاء القرار وتمكين الحوثيين من تحقيق مكاسب مالية وسياسية تفضي في نهاية المطاف إلى شرعنة حكم الحوثيين لليمن.