عن أول وزيرة دولة لحقوق الإنسان بعد الوحدة اليمنية وانتهاج التعددية السياسية.. الدكتورة وهيبة فارع.. في رحاب الله، السفير أحمد حسن بن حسن*
هذه الأيام من يوم إلى آخر تحمل لنا الأخبار رحيل عزيز سواءً كان من العائلة أو صديق مقرب، أو هامة من هامات الوطن البارزة والتي كان دورًا ملموسًا في تغيير نواحي المجتمع اليمني، وهم الأهم في موكب الأحزان.
إضافة إلى هموم الوطن وما يعانيه من مآسي منذ ما يقارب العشرة أعوام في حرب لا جدوى منها إلا بالثوابت الوطنية، التي عرفها الشعب اليمني في مؤتمر الحوار الوطني التي شاركت فيه كل القوى السياسية اليمنية من دون استثناء، وخاصةً وأن اليمن قد أصبح كبيرًا بعد وحدته ويتسع للجميع. ويتطلب الأمر من قواه السياسية الاختيار للنظام السياسي المتعارف عليه دوليًا، الذي يختاره الشعب اليمني بأحد صوره المختلفة.
والفقيدة الدكتورة وهيبة غالب فارع الفقيه كانت من تتبنى هذه الرؤية الحكيمة لجعل اليمن سعيدًا كما كان في الماضي السحيق. ودعت إليه في الآونة الأخيرة من باريس عندما لجأت إليها.
اليمن يختلف عن أي وطن عربي آخر إذا نظرنا إليه من أنه يتمتع بتكامل الموارد الاقتصادية وهذا كان من آراءها التي تدافع عنها بأن البلاد تتسع للكل من رجال ونساء اليمن لا فرق بينهما. بجانب أنها من الرائدات الأوائل اللواتي حملن على عاتقهن تحرير المرأة اليمنية، من عبودية المعتقدات الخاطئة الدينية والاجتماعية بشأن المرأة اليمنية بشكل خاص والمرأة بشكل عام.
وكان من الرجال الذين ساندوها، وفي مقدمتهم زوجها اللواء علي محمد هاشم، السياسي البعثي القديم، والعسكري البارز في هذا المجال وخاصةً أنه كان من قادة حصار الـ70 يومًا على صنعاء مع رفيقه الشهيد عبد الرقيب عبد الوهاب والمناضلين الآخرين من الشهداء أو ممن لا زالوا على قيد الحياة أطال الله في أعمارهم، وساندوا زميلاتها الأوائل - ومنهن الرائدة عانكة الشامي في صنعاء وليست الرائدة في هذا المجال، بل في مجال التمريض - في هذا المقام الآديب والدبلوماسي محمد الشرفي والذي يمكن أن يكون بمثابة قاسم أمين المصري أول الداعين لتحرير المرأة المصرية قاسم اليمن وأصدر ديوانه "دموع الشراشف".
وفي هذا المقام كانت في تعز التي كانت المدافع الأول على هذا الصعيد أي المدافع الأول عن حقوق المرأة اليمنية وأخذ مكانتها مثل سائر الأمم الأخرى في المعمورة.
وانتقلت الفقيدة من عدن إلى تعز مع أخيها فريد زميلنا في الثانوية العامة، بعد أن درست الابتدائية والإعدادية في كلية بلقيس بالشيخ عثمان المدرسة التي درست فيها أيضًا في أواخر الستينات، وكان تضم قسمين للبنين وللبنات وكان طلابها لأبناء شمال الوطن ومحميات جنوب الوطن، أما مدارس عدن الحكومية التي يحق لمواليدها فقط الدراسة في المدارس الحكومية التابعة لها، ومما لا شك فيه أن الفقيدة قد تأثرت بما تعيشه المرأة العدنية التي أصبحت في ذلك الوقت تعمل في كل مناحي الحياة هناك ونقلتْه معها إلى تعز.
تعز كان يعيش فيها الكثير من الأسر من عموم اليمن من دون استثناء في العهد الملكي بحكم أن الإمام أحمد حميد قد جعلها مقرًا لحكمه وجعل صنعاء عاصمة اسمياً وأصبحت وزارة خارجيته في تعز - ومن الصدف أن والد الفقيدة كان أحد موظفيها القلائل مع آخرين لا يتجاوزون 25 موظفًا ذُكر أسماءهم السفير السوفيتي في الشمال والجنوب فيما بعد وكان موظفًا في مفوضيته في تعز في العهد الملكي في كتابه عن مذكراته في اليمن موظفًا وسفيرًا ما بين الشطرين اليمنيين فيما بعد، وأتذكر ممن ذكرهم عبد عثمان وأحمد الرضي ومحمد عبد القدوس الوزير وأخيه عبد الكريم وأحمد القعطري ومحمد الرباعي وعبد الملك الكبسي وأحمد مفرح وأحمد الشامي وأخيه عبد الوهاب وأحمد الشجني وأحمد الرضي وعبد الغني على أول وزير مالية بعد ثورة 26 من سبتمبر المباركة في 1962، وفرعًا لها في صنعاء من موظفيها البارزين أحمد ضيف الله العزي الذي تقلد مناصب قيادية بالوزارة أو في البعثات الدبلوماسية اليمنية بالخارج.
وكل البعثات الدبلوماسية المسماة المفوضيات كانت في تعز لأنه في ذلك الوقت يتراسها وزير مفوض وهي أمريكا والاتحاد السوفيتي والصين وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا وإثيوبيا ماعدا ثلاث مفوضيات جعل مقرهن مع فرع صنعاء وهن العربية السعودية والمصرية والعراقية، ومن خلال ما تم تداوله في تلك الأوقات غير رسميًا ولكن في أوساط مقام العرضي الشريف أي الديوان الملكي. والسبب أن هذه الثلاث دول لو تواجدت في تعز سوف تتآمر على الإطاحة به، وكان على حق فمفوضية مصر أثبتت الوثائق ومن مؤرخيها فيما بعد أن القاهرة كان لها ارتباط في قيام ثورة 26 من سبتمبر المشار إليها آنفًا. وكانت مصر الداعم الأول لثورة سبتمبر في شمال الوطن وأكتوبر في جنوب الوطن المجيدتان.
هنا وجدت نساء هذه الأسر في ذلك الوقت الحرية ولو بصورة سرية للخوض في حقوقهن التي كان الإسلام كفيلًا بحمايتها لهن، ومنهن في ذلك ابنة العلامة أحمد الوزير أخت الأستاذ القانوي القدير إسماعيل الوزير زوجة الآديب والسفير عبد عثمان محمد ولكن كانت تكتب باسم مستعار وهمي، مثلما كانت الآديبة المصرية عائشة عبد الرحمن تكتب في البداية وباسم وهمي بنت الشاطئ واستمرت حتى وبعد أن عرفت أنها د. عائشة، عندما حُرم عليهن التعليم والكتابة وكان معها في تعز حفيظة بنت د. الطبيب الباكستاني الجيلاني التي كتب عنها الآديب زيد مطيع دماج وأنها صديقة لطفولته في كتابه المسمي "الانبهار والدهشة"،
ولكن باسمها الحقيقي لأنها غير يمنية وكنا يكتبن في صحيفتي "سبأ" أو "النصر" - وحفيظة الجيلاني من الليبرالية أفكار الحرية والمساواة التي كانت أحد سماتها اختارت أن تتزوج يمنية توفيق إبراهيم خليل مساعد سائق بريد الحكومة إلى عدن أحمد ماويه الذي يسكن تحت ييتها بدكان مستأجرًا من والدها بجانب جامع المظفر، ولكن أدى هذا الأمر لتحقيق هذا الحب الأسطوري في تعز ولجؤها إلى بيت القاضي الجليل محمد المجاهد ليزوجها ممن اختارته وهو ما كان، قبل تحفة هوليوود المسماة "قصة حب" في سبعينات من القرن الماضي الذي أدمى عيون المشاهدين بالبكاء، لكن في قصة تعز انتهت بماسية أدى إلى أن والدها ينتحر لعدم موافقته على هذا الزواج ويُقبر في مقبرة الأجيان وأوصى أن يُكتب على قبره قول الشاعر:
"أعلمه الرماية كل يوم... فلما أشتد ساعده رماني"
الفقيدة تعتبر من الرائدات في حقل التعليم وتدريس الأجيال ولذا أسست جامعتها الخاصة جامعة الملكة أروى، واختارت اسم ملكة اليمن التي حكمتها من جبلة ليكون لاسم جامعتها وترؤسها، وعلمت ابنها غسان إلى أعلى المراتب والحصول على الدكتوراه ودربته وتجعله نائب رئيس الجامعة حتى توره أيها لمواصلة مسيرتها التعليمية.
ومن ثم تقلدت منصبها كوزيرة دولة لحقوق الإنسان وللتوضيح بأنها ليست أول وزيرة لحقوق الإنسان كما هو متداول، وإنما وزيرة دولة والفارق بأن وزير الدولة لا يكون له حقيبة وزارية بموظفين وإنما مكتب يكون في رئاسة الوزراء، وإذا ما اقتضت الحاجة يكون له مساعدون، ولكنها لم ترض بهذا الأمر وقامت بفتح مقرًا لمكتبها وللوزارة في حدة في مبنى يليق بالوزارة، وموظفين مثل أي وزارة أخرى، وبعد ذلك ومن خلفها من الوزيرات الجليلات توارثن هذا المقر وباسم وزارة وهن د. خديجة الهيصمي وأمة العليم السوسوهة وحورية مشهور.. إلخ.
وإذا بعد تعيينها وتنظيم وزارتها والتي لا تزال في تشكيلها، جاءت اجتماعات لجنة حقوق الإنسان (حاليًا مجلس حقوق الإنسان) قبل أن تسافر للمشاركة في مؤتمر لجنة حقوق الإنسان. وكان قد تشكلت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان وتتبع لوزارة الخارجية ويرأسها وزير الخارجية بداء ب. د. عبد الكريم الأرياني ومن ثم عبد القادر باجمال وكلاهما كانا نائبين لرئيس الوزراء وزير الخارجية ورئيسا لجنة حقوق الإنسان الوطنية ومن ثم على الإنسي مدير مكتب رئاسة الجمهورية، اللجنة التي سبقت هذا المنصب كانت النواة لخلقه، وبعد أن تم تعيين وزيرة حقوق الإنسان تم إلغاء هذه اللجنة.
فاتصلت ب. د. محمد سعيد العطار العطار واستشارته عن تشكيل وفدها إلى جنيف فأوصاها بأنه بحكم أنك نائبه ومختص هذا الملف والذي تم إخراج اليمن من ملف التحقيقات المعروف بإجراء القرار 1503، وقدت عدت للعمل بالداخل من جنيف، وبالأخ عبد الحكيم عبد الرحمن الأرياني الذي كان في اللجنة المذكورة مع خالد إسماعيل الأكوع و د. حميد العواضي ونجوى السري وأمة السلام الشامي، وكل موظفي اللجنة أصبحوا موظفين بالخارجية بعد إلغاء اللجنة ما عدا الأكوع الذي كان أحد موظفيها، فوافقت وطلبت من الوزارة الانتداب للمشاركة كلانا، وكان رد الوزارة بالموافقة بشرط أن مكتبها يتحمل تكاليف المهمة فوافقت وقد كانت التوصية في محلها، الأمر الذي جعلها تكرر الأمر في اجتماع آخر لها في جنيف وكنت بالمهمة مع وفدها، واستمر التعاون فيما بيننا في هذا المجال والأكاديمي في صنعاء حتى بعد خروجها من منصبها، وعادت للعمل إلى جامعتها جامعة الملكة أروى الذي كان لا يزال فيه ولكن ليس بتفرغ كامل له وانشغاله بذلك المنصب الحكومي. وكانت تدعوني إلى هناك أي جامعتها إذا ما كان لها مناسبة تعليمية أو ورشة عمل. بل كانت أكبر من معين لي مع وزير الخارجية د. أبو بكر القربي الذي كان قد تلقى الكثير من أصحاب النفوس الضعيفة من منطلق الحقد أو العنصرية، وكم هم كثر ما يسئون لي. واكتشف ذلك بنفسه فيما بعد بأنه غير صحيح وأعطاني من الاحترام والتقدير فوق ما أستحق بعد ذلك وحتى الآن.
وكانت قد شكت لي بمرارة، من مافيا وذات النفوذ في سرقة الأراضي وهم معروفون، من أنه كان لها مشروع طموح لمقر جامعتها، بدلًا من المقر الحالي المستأجر، حيث تم شراء أرضية كبيرة في عصر بداية طريق الحديدة، وقامت بإصحابي لرؤيتها، وأنهم يريدون أي مافيا الأراضي استقطاع جزء كبير منها لهم. ولم أعرف نهاية ما حدث لها مع هذه القضية.
رحم الله الفقيدة الدكتورة وهيبة فارع ومن سبقها من الرائدات اليمنيات على سبيل المثال وليس الحصر عاتكة الشامي السفيرة رمزية الأرياني ورؤوفة حسن... إلخ وأطال الله في عمر الرائدات النسائية اليمنيات الأخريات وتعازينا إلى كافة أفراد أسرتها الكريمة وفي مقدمتهم زوجها اللواء علي محمد هاشم الذي كان السند الأول بعد الله تعالى في مواجهة كل الصعاب والمشاكل التي واجهتها وإلى لابنها البار د. غسان، وكل محبيها وفي مقدمتهم تلاميذها ذكورًا وإناثًا. وإنا لله وإنا إليه راجعون.
*القائم بالأعمال بالأصالة في بريتوريا