
فيديو البرفسور د. حمود العودي ووقفة مع قصة نبي الله نوح عليه السلام ودرس إنه ليس من أهلك
مع بدء شهر رمضان المبارك، بدأ البرفسور حمود العودي، سلسلة حلقات مسجلة حول شخصيات، افتتحها بحلقة بالغة الدلالة، عن قصة نبي الله نوح عليه السلام.
وفي الفيديو الذي نشره على صفحته الشخصية بموقع فيسبوك ويعيد نشوان نيوز نشره، ركز الدكتور العودي، في الدرس المتعلق بقول الله تعالى "إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح"، والتي تشير إلى أن الأبوة ليست بيولوجية فحسب، بل العمل الصالح هو المقياس.
وفيما يلي نشوان نيوز ينشر نص حديث د. حمود العودي تفريغ رقمي للتسجيل:
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
موقف جديد وشخصية أخرى في هذا اللقاء هي شخصية نبي الله نوح عليه السلام مع ابنه يوم الطوفان، والتي وردت في كتاب الله على لسان نوح عليه السلام وهو ينادي ابنه إذ يقول: (وَنَادَىٰ نُوحٌ ٱبْنَهُۥ وَكَانَ فِى مَعْزِلٍ يَٰبُنَىَّ ٱرْكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ ٱلْكَٰفِرِينَ * قَالَ سَـَٔاوِىٓ إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِى مِنَ ٱلْمَآءِ قَالَ لَا عَاصِمَ ٱلْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ إِلَّا مَن رَّحِمَ ۚ وَحَالَ بَيْنَهُمَا ٱلْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ ٱلْمُغْرَقِينَ).
هذا الموقف وهذا الحدث الذي دار بين نوح وابنه يوم الطوفان جدير بنا أن نقف عنده ونتدبر أبعاده ودلالاته، وننتفع بما يستفاد منه ليس في الحدث ذاته فحسب، وإنما فيما ينفعنا في يومنا هذا أيضًا.
أول ما يمكن أن نقوله لتأكيد دلالة هذا الموقف هو أن نوح عليه السلام كان محبًا لابنه، وكان حريصًا على نجاته، وبذل في ذلك الكثير من الجهد، وحاول أن ينقذه مما هو فيه. لكن الابن قد غلب عليه الشر أكثر من الخير، ولذلك فإن ما آل إليه الأمر هو أن ابنه قد هلك في الغرق. ولقد قال الله عز وجل ذلك لنوح حينما سأله بقوله من كتاب الله: (رَبِّ إِنَّ ٱبْنِى مِنْ أَهْلِى وَإِنَّ وَعْدَكَ ٱلْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ ٱلْحَٰكِمِينَ * قَالَ يَٰنُوحُ إِنَّهُۥ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُۥ عَمَلٌ غَيْرُ صَٰلِحٍ).
هذا الكلام بالغ الأهمية وبالغ الدلالة. فما هي دلالته؟ ليس مجرد أن يغرق ويفقد أبوه ابنه، أو أن يعصي الابن أباه، أو أن الله سبحانه وتعالى قد أراد ذلك في هذا الحدث الهام، بل نستطيع أن نقرأ في ذلك ما يفيدنا اليوم في حياتنا اليومية وعلى مدى الأيام الحاضرة والمستقبلة.
قوله تعالى: (إِنَّهُۥ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُۥ عَمَلٌ غَيْرُ صَٰلِحٍ) تعبير بليغ يفيدنا بأن فكرة الأبوة ليست مقتصرة على الجانب البيولوجي، وأنه لا يكون ابنًا لأحد إلا إذا كان من صلة. بل إنه قد يكون كذلك، لكن عمله قد يبعده عن الانتماء. لأن مقياس الأبوة والبنوة ليس فقط الجانب البيولوجي، بل العمل الصالح. فالعمل الصالح هو مقياس الأبوة والبنوة بلا حد كبير.
لذلك، لابد أن نركز على أن مفهوم العمل الصالح والإنسان الصالح هو الذي يستحق الأبوة والبنوة لأب صالح كنبي الله نوح عليه السلام. وهذا الأمر لا ينسحب على نوح وابنه فقط، وإنما هي رسالة إلى كل البشر وإلى كل الخلق في الماضي والحاضر والمستقبل بأن العمل الصالح هو رمز الهوية المتعلقة بالأبوة والبنوة، وليس فقط الجانب البيولوجي.
فقد يخرج الله من صلب نبي عاصٍ وفاسد، ويخلق الله من صلب فاسد وعاصٍ صالحًا في الدنيا وفي الآخرة. وبالتالي، فإن الأبوة والبنوة لا ينبغي أن يُنظر إليها بالمنظار الضيق الذي يتوقف على فكرة الطائفة أو المذهب أو السلالة أو القبيلة، أو أبناء فلان أو بيت فلان، أو فلان أعز من فلان. لأن ذلك ليس مقياسًا على الفضيلة ولا على الأبوة والبنوة، ولكن العمل الصالح هو المقياس الأول والأخير.
وعلى افتراض أن يقال مثلًا - وهو من الأخطاء - أن رجلًا صالحًا كنوح أو عدنان أو قحطان يُنسب إليه كل من عاش معه في زمانه لأنهم أولاده بالمعنى البيولوجي، فهذا خطأ كبير مرتكب في التاريخ وفي الفهم وفي العقل وفي العلم. لماذا؟ لأن رجلًا كرمز قحطان أو عدنان لا يمكن أن يكون قد وجد بمفرده في هذا المكان، وأنه هو الذي خلف كل من حوله، وأن من حوله قد انقطعت ذريتهم أو لم يخلفوا.
ولكن الصحيح هو أن الرمز المتعلق بعدنان أو قحطان هو رمز اجتماعي وليس بيولوجي على الإطلاق، وأن هذا الرمز قد اتُخذ من اسم الشخص فكرة الانتماء الجماعي إليه. أما فكرة الأبناء والبنوة وأنهم أبناؤه من صلبه، فهذه خرافة كبيرة وخطأ فادح لا يمكن تفسيره إلا بنزعة للعنصرية والتمييز وادعاء السمو بين جماعة وأخرى أو بين شخص وآخر.
وقد جاء في كتاب الله أيضًا في سياق سخرية قوم نوح منه وهو يصنع السفينة: (وَيَصْنَعُ ٱلْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِّن قَوْمِهِۦ سَخِرُوا۟ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُوا۟ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ). وهذا دليل آخر على ثبات الأنبياء وصبرهم في وجه الاستهزاء والسخرية.
ما يثبت ذلك في الماضي القريب من نوح إلى عدنان وقحطان دليل ملموس في زماننا ومكاننا. بلد مثل البلد الذي يُعرف اليوم بالمملكة العربية السعودية، فكل مواطن يعيش على هذه الأرض يُكنى بأنه سعودي. ولو مضى التاريخ والزمن بعد 500 سنة أو 1000 سنة وجاء الناس يقرؤون تاريخ هذا المكان وهذه الجماعة من البشر، هل يمكن القول بأنهم هم أولاد عبد العزيز آل سعود رحمه الله؟ أبدًا.
هنا تكمن الخرافة والخطأ والعنصرية. ولكن عبد العزيز آل سعود رمز اجتماعي قام بدور مجتمعي رائد مفيد، استطاع من خلال هذا الدور أن يربط اسمه باسم المجتمع المحيط به، وأن يصبح هذا المجتمع يتخذ منه رمزًا لنفسه ولإسمه أيضًا.
وبالتالي، فكل ما يمكن أن يقال عليه ربط عنصري أو بيولوجي بسلالة أو طائفة أو دين أو أسرة بحد ذاتها هو رمز اجتماعي وليس عنصريًا على الإطلاق. لأن الله قد خلق الناس متساويين، والناس سواسية كأسنان المشط، ولا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى. (كلكم لآدم وآدم من تراب).
وإلى لقاء آخر، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.





