حرب ليست ككل الحروب!

حرب ليست ككل الحروب! - ياسين سعيد نعمان
حرب ليست ككل الحروب! - ياسين سعيد نعمان

سفير اليمن في بريطانيا ياسين ياسين سعيد نعمان يكتب: حرب ليست ككل الحروب!


"وما الحربُ إلا ما علمتم وذقتمُ
وما هو عنها بالحديث المُرجَّمِ
متى تبعثوها تبعثوها ذميمةً
وتَضرِ، إذا ضَرَّيتموها، فتَضرمِ"

واضح أن المواجهة بين إيران وإسرائيل صُعِّدت إلى حرب مفتوحة على احتمالات أقلها خطورة هو أن يكتفي الطرفان بتدمير بعضهما.
وعلى الرغم من أن التدمير الأكبر هو ما ستتعرض له إيران، أو ما يبدو أنها قد تعرضت له حتى الآن، إلا أن ما ستلحقه الحرب من أضرار مادية ونفسية بالإسرائيليين أيضًا سيكون لها ما بعدها. فإسرائيل التي لم تعرف الحرب إلا خارج الحدود الجغرافية التي تسيطر عليها، سيكون لزامًا على قيادتها الرد على أسئلة الاتهام التي سيوجهها الإسرائيليون الذين وُعِدوا بأمن لا تخترقه بارودة.

ستنتهي الحرب على إيرانٍ مختلفة، وعلى إسرائيلٍ مروّعة، وعلى إقليم جيوسياسي مكوَّن من أكثر من عشر دول عربية مغطى برماد حربٍ، سيتعين عليه أن يسأل نفسه وهو ينفض عن جسمه الرماد، مجتمعًا أو متفرقًا، ما الذي يبقيه يا ترى في هذا الوضع الذي تتحكم في أمنه دولةٌ بنظامٍ سياسي أهوج لم يتورع في اختراق المنظومة الوطنية لدول الإقليم بواسطة ميليشيات انقسامية إرهابية، وكيانٍ زُرع في قلبه ليكون لغمًا في طريقه كلما تخطى الحاجز الذي رُسم لحركته كي لا يذهب به الطموح إلى "الممنوع".
إذا قرر، هذان المؤتلفان، الاتفاق تحرّكت مع اتفاقهما العوامل المنشئة لعدم الاستقرار في دول هذا الإقليم، مثلما رأينا خلال المراحل الماضية حينما وفر الاتفاق لإيران كثيرًا من الظروف المناسبة للتحرك بأريحية كاملة، وربما بحماية من نوعٍ ما، لتكسير الدولة الوطنية العربية في أكثر من بلد، عصفت بها الحروب الداخلية التي فجرتها الميليشيات الممولة من إيران. وكيف أن إسرائيل وجدت في ذلك الوضع السياسي والوطني الهش فرصة لتقديم نفسها نموذجًا للاستقرار عبر وسائطها المالية والاقتصادية والعسكرية والاستخباراتية التي تحرّكت لتملأ الفراغ الذي ولدته التحركات الميليشياوية الطائفية في المساحات التي غطتها الدماء ومتاريس الحروب ومخيمات الإيواء والجوع.

أمَا وقد قررتا المواجهة، فهذا يعني أن أحد الطرفين أخلَّ بالاتفاق. وترى إسرائيل أن النظام الإيراني هو الذي أعاد تصميم الاتفاق على نحوٍ أخذت إيران تتحول معه إلى قوة مهيمنة عبر أذرعها وصواريخها ومسيراتها ومشروعها النووي العسكري، ومثلما كان الإقليم هو موضوع الاتفاق، فإن الإقليم صار هو ميدان المواجهة الفعلي.
لم تكن دول المنطقة لتَغفُل هذه الحقيقة، فقد عملت على توخي عواقبها منذ فترة مبكرة بوسائل سياسية ودبلوماسية، غير أنها وهي تقوم بذلك كانت تدرك أن إيران وإسرائيل لم تستطيعا أن تديرا اتفاقهما حول المنطقة بصورة أدت إلى مراكمة عناصر المواجهة الحتمية، وأنه إذا كانت العلاقة الاستراتيجية لبعض دولها بأمريكا ستشكل عامل صدٍّ لأي عدوان قد تفكر فيه إسرائيل، فإن النوايا التي يبيّتها النظام الإيراني تجعل الباب أمامها مفتوحًا لخلط الأوراق بذرائع لم يتوقف إعلامها وساستها من إطلاقها بشأن ضرب المصالح الأمريكية في البلدان المجاورة.

ومنذ البداية راحت دول المنطقة تعمل على احتواء رد الفعل الإيراني دبلوماسيًا كي لا يتورط النظام الإيراني في توسيع دائرة الحرب ويغرق المنطقة كلها في رماد الحرب بحثًا عن غطاءٍ لخيبتِه.

يصر وزير خارجية إيران السيد عراقجي على أن أمريكا متورطة في الهجوم على بلاده، وهو بهذا يحاول أن يضرب عصفورين بحجر واحد: الأول، يريد أن يقنع شعبه بأن إيران لا تحارب إسرائيل فقط وإنما أمريكا أيضًا ودول الغرب جميعًا حتى تبدو وكأنها في وضع دفاعي صعب لا يُرجى منه أي أمل في الخروج من غير خسارة كبيرة، وثانيًا، يُبقي احتمال توسيع رقعة الحرب إقليميًا قائمًا في حالة الانكسار العسكري الكبير لها، إما للضغط وما يمكن أن يترتب عليه من تدخل لوقف الحرب، أو مغامرة بتفجير حقيقي سينتهي بكل تأكيد بإسقاط النظام الإيراني.

في كل الأحوال، المنطقة على ميعادٍ بتبدُّلِ أحوالها بعد هذه الحرب، فهي ليست ككل الحروب لأنها لا تتوقف بأهدافها عند انتصار طرفٍ فيها وانهزام آخر، أو حتى بتسوية من نوعٍ ما، ولكنها ترتبط بمستقبل منطقة بأكملها.
اليمن في قلب هذا المستقبل، أيًا كانت النتيجة التي ستسفر عنها هذه الحرب.