منوعات

تحديات مواجهة فيروس نقص المناعة عربياً

ظهرت أول حالة لمريض بفيروس نقص المناعة المكتسب HIV بمنطقتنا العربية، في بداية الثمانينيات (1984)، وبدأ انتشار المرض بصورة مطردة في جميع البلدان العربية، ولم يأت عام 1990 إلا وجميع البلدان العربية بها حالات إصابة مؤكدة بالفيروس.

 

* أسباب انتشار الفيروس
وقد انتشر الفيروس نتيجة ممارسات خاطئة (تعاطي مخدرات عن طريق الحقن وعلاقات جنسية مع أشخاص مصابين بالفيروس) في الدول الأجنبية، بالإضافة إلى نقل الدم الملوث بالفيروس وعمليات نقل الأعضاء بدون التأكد من خلوها من الفيروس في ذلك الوقت، ومن ثم تم انتقاله إلى الدول العربية.
ومع مرور الوقت، ازدادت الحالات المصابة بالفيروس في جميع الدول العربية.

 

* معدلات الاصابة في الدول العربية
وتختلف أعداد المصابين حسب الدول، وتعد فلسطين أقل الدول من حيث عدد الإصابات (على مستوى الوطن العربي والعالم)، حيث يوجد بها حوالي ثمانين حالة إصابة مثبتة.
أما أعلى الدول العربية في عدد الإصابات، فكان من نصيب السودان (حوالي 53 ألف إصابة).

وما بين السودان وفلسطين، تأتي بقية الدول العربية، وهذه الأعداد ما زالت تشكل نسبة قليلة من الإصابات، مقارنة بالدول الأخرى.
ومن الممكن أن تعود قلة الأعداد (نسب الإصابات) إلى عزوف غالبية المواطنين العرب عن إجراء التحاليل للتأكد من خلوهم من المرض، وخصوصا الفئات الأكثر عرضة للإصابة بالمرض كالرجال ذوي العلاقات الجنسية الشاذة مع الرجال وعاملات الجنس ومتعاطي المخدرات بالحقن.

 

* البرامج الوطنية للمكافحة .. تحديات ومعوقات
علماً أن جميع الدول العربية يوجد بها برنامج وطني لمكافحة مرض نقص المناعة المكتسب، ويقدم المشورة والتوعية والتحليل الاختياري بدون معرفة اسم المريض.

ونظرا لطبيعة منطقتنا العربية من حيث أنها مهد الديانات السماوية الثلاث، تواجه الدول العديد من التحديات لتفعيل برامج مكافحة عدوى نقص المناعة المكتسب، ومن هذه التحديات مايلي:

1. العوائق الثقافية والاجتماعية
تزخر المنطقة العربية بمجموعة من الأخلاق والقيم الحميدة المستمدة من الديانات السماوية التي تمنع ممارسة العلاقة الجنسية خارج إطار الزواج، مع الالتزام بالوفاء بين الأزواج.

كما أثبتت الأبحاث أن ختان الذكور يساعد على تقليل نسبة إصابة الذكور بالفيروس (النسبة تبلغ حوالي 60 في المائة بالبلاد العربية)، وقد كانت هذه القيم هي العامل الأولي الذي بنت عليها الدول العربيه نظرتها لانتشار المرض وتوقع عدم انتشاره بين مواطنيها.

ولكن بعد انتشار المرض في جميع الدول العربية بداية من 1990 أصبح من المهم أن تتبنى الدول برامج محددة الأهداف لمواجهة المشكلة، إذ إن الشعور بالوصمة نتيجة ممارسة الأنشطة المسببة للمرض (التي تشجبها الأديان) يؤدي إلى عزوف الأشخاص عن طلب المشورة الطبية والتحليل الاختياري، للتأكد من خلوهم من الفيروس ومتابعة علاجهم بالأدوية المثبطة لانتشاره.

كما أن تعامل المجتمع العربي مع المصاب بالفيروس من نبذ وتحاشي التعامل المباشر، أدى إلى إحجام المرضى من طلب المشورة الطبية وانتشار المرض بصورة كبيرة بدون إدراك لحجم المشكلة الحقيقية، مما يعني أن الخوف من الوصم يمنع المريض من طلب الخدمات التشخيصية والعلاجية، مما يؤدي للإضرار به وبالمجتمع ككل.

2. العوائق السياسية والاجتماعية
نتيجة الحالة السياسية والأمنية المحتقنة في العديد من الدول العربية تأثرت البرامج الصحية في العديد من الدول العربية، ومن ضمنها برامج مكافحة مرض نقص المناعة المكتسب (AIDS)، كما أدت هذه المشكلة السياسية إلى عدم توفر الخدمات الصحية المطلوبة لمتابعة مرضى نقص المناعة المكتسب، ومن ضمنها توفر الأدوية المضادة للفيروسات القهقرية (Antiretroviral Therapy)، والتي تستخدم في علاج العدوى بفيروس الإيدز والوقاية منه، وتمكن من مكافحة الفيروس بوقف أو عرقلة تكاثره داخل الجسم.

كذلك أدت الظروف الحالية في عدد من الدول العربية إلى تعاظم ممارسة العادات الخطرة التي تؤدي إلى حدوث وانتقال العدوى.

3. العوائق القانونية
القوانين العقابية التي توجد في أكثر الدول العربية تؤدي إلى إحجام المرضى من التعامل مع الأنظمة الصحية لطلب الرعاية الصحية، خشية التعرض للعقاب القانوني نتيجة الممارسة التي أدت إلى انتقال العدوى، كتعاطي المخدرات واحتراف البغاء، حيث إن هذه الأفعال تعتبر إجراما بحسب القوانين، إضافة إلى أنها محرمة دينيا ومنبوذة اجتماعيا في منطقتنا العربية.

ولقد شهدت المنطقة العربية العديد من الحوادث المتعلقة بإساءة التعامل مع المصابين بفيروس نقص المناعة المكتسب، كتكبيل اليدين في المستشفيات أو العزل في زنازين انفرادية في الأقسام والسجون، وكل هذه الأفعال تؤدي إلى تنامي العزلة بين المرضى، وتجنبهم طلب أي مشورة طبية أو اتخاذ أي إجراءات وقائية.

 

* آليات فعالة للتعامل مع المشكلة عربيا
مما سبق، نجد أنه من المهم إيجاد آليات فعالة للتعامل مع المشكلة على مستوى الدول العربية، ومن هذا:
- تكاتف الجميع وإيجاد استراتيجية عربية لمواجهة النمو المتزايد في أعداد المصابين بفيروس نقص المناعة بمنطقتنا العربية (بالرغم من أنها تشهد أقل الإصابات على مستوى العالم، ولكن هناك ازدياد ملحوظ في معدل الإصابات).
كما أن منطقتنا العربية تعتبر أقل الدول في تغطية العلاج الدوائي، بتناول مضادات الفيروسات القهقرية.

- تركيز البرامج الوطنية علي زيادة تغطية الخدمات المتعلقة بالوقاية من مرض نقص المناعة، كالتوعية بطرق انتقاله والوقاية والتشخيص والعلاج والمتابعة، بالإضافة إلى برامج إدماج المتعايشين بالفيرس مع المجتمع.

- إيجاد برنامج قوي وفعال لترصد انتشار الفيروس والحد من انتقاله، عن طريق توفير التحاليل اللازمة للدم ومشتقاته، ومراقبة التبرع بالأعضاء، وتطبيق إجراءات مكافحة العدوى بالمنشآت الصحية (إجراءات العزل المعتمدة عالميا Standard Precautions).

زر الذهاب إلى الأعلى