عن تهريب السلاح للحوثيين
كتبت عن التهريب الجاري والمستمر عبر محافظة المهرة سواء من السواحل، أو عبر منفذي (شحن وصرفيت) مع سلطنة عمان، جنوب شرق البلاد. يومها غضب بعض أهل المهرة الكرام، واتهموني بمحاولات الزج باسم المحافظة لإدخالها في أتون الصراعات الجارية في البلاد.
ومع أنني لم أقل إن أهل المهرة – بجملتهم – يعملون في التهريب، ومع أنني ذكرت أن المهربين من محافظات مختلفة شمالاً وجنوباً، وأن المهربين يسلكون مسالك تمر بمحافظات غير المهرة. ومع أنني أشرت إلى أن قادة عسكريين وأمنيين يعلنون الولاء للشرعية، ويبطنون الولاء للانقلاب، هم من ينظم ويشرف على عمليات التهريب في المناطق المذكورة، على الرغم من أنني قلت ذلك إلا أن الغضب لم يهدأ، في حينها، قبل أن يتضح للكل اليوم أن التهريب أصبح بالفعل شريان حياة الانقلابيين.
أكرر الحديث، وأركز على ما قلت سابقاً، وأشير إلى ما كتبه محمد باحاج عن عمليات التهريب التي تتم عبر سواحل محافظة شبوة الجنوبية.
وأؤكد أن المهربين في شبوة هم أنفسهم الذين ذكرتهم في حديثي عن التهريب في محافظة المهرة، وأنهم من كل المحافظات.
يقول باحاج، وهو ابن محافظة شبوة – في مقاله «شبوة شريان الانقلابيين لتهريب السلاح والنفط»، إن شحنات السلاح تنقل من موانئ التهريب على السواحل الجنوبية في المحافظة و»تصل لميليشيات الحوثي وصالح في بيحان وعسيلان ليتمكنوا من إيصالها بعد ذلك لمحافظة البيضاء، وتوزيعها للمناطق الأخرى التي تخوض فيها معارك ضد قوات الجيش الوطني والمقاومة الشعبية».
لا ينبغي أن يؤخذ موضوع التهريب باستهانة، ولا أن يؤخذ بنوع من «الحمية المناطقية/الجهوية»، غير اللازمة.
التهريب موجود وهو حقيقة، وخطوط التهريب تمتد من سواحل البحر العربي إلى داخل صنعاء، والمهربون من كل المحافظات.
حدثني مصدر أمني في شبوة أن كبار المهربين معروفون لدى السلطات الأمنية في المحافظة. قلت ما الذي يمنع من التصدي لهم؟ قال: هم متنفذون. مضيفاً أنهم أصبحوا يشكلون دولة موازية.
المهربات بالطبع هي السلاح والمخدرات والمحروقات التي تستعمل أيضاً للتغطية على الأسلحة التي تهرب للحوثيين.
لا يزال لدى الإنقلابيين عدد من صواريخ «سكود» التي تحتاج إلى بعض قطع التشغيل، بعد تعطلها بفعل طول فترة التخزين. قبل أيام قام الحوثيون بتهريب القطع اللازمة لتشغيل هذه الصواريخ، حسب مصادر في منفذ «صرفيت»، في محافظة المهرة.
لا تزال المعدات العسكرية الحساسة تهرب عبر منفذي شحن وصرفيت للحوثيين وصالح، العمليات يشترك فيها ضباط من الحرس الثوري الإيراني، وحزب الله اللبناني، مخالفين بذلك نصوص القرار الدولي 2216، التي تحظر توريد السلاح للحوثيين، يتم ذلك، بعلم أو بدون علم العمانيين، ولكنه بعلم المسؤولين الأمنيين في المنفذين على الجانب اليمني بكل تأكيد.
سبق أن تحدثت عن وجود جهاز لفحص المعدات في المنافذ، لكن شاحنات بعينها لا تمر عبر هذا الجهاز، وهو ما يثير شكوكاً حول نوعية حمولة هذه الشاحنات.
قيادة قوات التحالف، ورئاسة الجمهورية، وهيئة الأركان، وقيادة وزارة الداخلية، والأجهزة الأمنية والاستخباراتية في البلاد، تقع عليها مسؤولية قطع شريان الحياة للحوثيين وصالح، الذين يحاولون التغطية على عمليات التهريب التي لم تعد خفية، بالقول بأن اليمن مخزن سلاح كبير، وأنهم لديهم ما يكفيهم من الأسلحة. هذا كذب، والكثير من أسلحتهم الفعالة دمر أثناء المعارك، وهم يهربون السلاح بشكل أصبح أقرب إلى العلن، منه إلى السر، وبشكل يومي.
رجال صالح موجودون في الجنوب والشمال، وهم من ييسر عمليات التهريب هذه، في شبوة والمهرة ومأرب وحضرموت، والبيضاء والجوف وصنعاء، وغيرها من المحافظات.
معروف أن صالح بنى شبكة علاقات قوية مع تجار السلاح، ومعروف أنهم كانوا يوردون حتى الأسلحة التي تشتريها الدولة، حيث يتم تقاسم العمولات، والفوائد الأخرى بين السلطة آنذاك، وبين تجار السلاح. صالح والحوثي اليوم يستفيدان من تلك العلاقات القديمة. معروف كذلك – أن شبكة المهربين لا تزال على بنيتها، ولم تمس بسوء، بل ضاعفت من إماكانياتها، مع تحويل الحوثيين اليمن إلى سوق سوداء كبيرة.
لا يجب السكوت عن ذلك، وأقل شيء يمكن عمله رفع أسماء المخالفين للقرار الدولي إلى لجنة العقوبات، في الأمم المتحدة، ومنهم تجار سلاح ومسؤولون، وشيوخ قبائل، وعناصر مليشيات داخلية وخارجية، يخشون على مصالحهم من قائمة العقوبات.
ما الذي يمكن أن تقول الشرعية إنها قدمته للناس؟ الملف الإنساني حتى في المناطق المحررة يعاني من الفساد، ملف الجرحى والإمكانات الطبية من أسوأ الملفات، الملف الأمني ليس بأحسن حالاً من غيره. أما ملفات التهريب فجهد الحكومة في مكافحته صفر كبير.
عندما كانت الرئاسة والحكومة في صنعاء، كنا نجد الأعذار لضعفها، بفعل كونها واقعة تحت سيطرة الانقلابيين. ما هو عذرها اليوم؟
أعرف أن المهام جسيمة، لكن الناس تريد أن ترى عملاً يبعث على الأمل، وأعرف أن هناك مخلصين يعملون في صف الشرعية، لكن الجهود المبذولة لا ترقى إلى مستوى ما تحقق لهذه الشرعية من إنجازات ميدانية، ولا إلى ما يؤمله الناس.
مرة أخرى، ترى ما هي العلل التي يمكن أن نعلل بها تقاعس الشرعية عن القيام بواجباتها الوطنية، وهي اليوم في عدن، بعيدة عن سيطرة الحوثيين في صنعاء؟