[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]
تقارير ووثائق

صراع السعودية وإيران بعيون غربية: عداء يهدّد أجيالاً

تبادُل الاتهامات المتواصل بين طهران والرياض، والذي كان آخره مقالَا كل من وزير الخارجية السعودية، عادل الجبير، ونظيره الإيراني محمد جواد ظريف، اللذين اتهم كل منهما الطرف الآخر ب"التطرف"، يُقلق الدوائر الغربية، لا سيما أوساط مراكز الأبحاث والدراسات التي ترى في هذه الاتهامات "حرباً كلامية تخفي خلفها صراعاً مذهبياً دفيناً ومتراكماً بين الدولتَين".

 
وكتب الجبير، الثلاثاء الماضي، مقالاً في صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، بعنوان "هل يمكن أن تتغير إيران؟"، فنّد فيه ما سماه محاولة طهران تورية سياساتها "الطائفية" بالتهجم على السعودية، ووصفها ب"التطرف". واستعرض الوزير السعودي تاريخ "سياسات إيران العدوانية في المنطقة وعلى المستوى الدولي، منذ حادثة احتجاز الرهائن الأميركيين عام 1979، حتى اقتحام السفارة السعودية قبل أسابيع، مروراً بالعمليات الإرهابية التي تُتهم إيران بتنفيذها. وخلص الجبير في مقاله، إلى أنّ "إيران لن تتغير". وقبل ذلك بتسعة أيام، نشر وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، في الصحيفة ذاتها، مقالاً بعنوان "التطرف السعودي المتهور"، هاجم فيه المملكة، باعتبارها "تدعم المتطرفين والطائفية"، على حد تعبيره.

في هذا الصدد، تقول نائبة رئيس أبحاث "برنامج شمال أفريقيا والشرق الأوسط" في المعهد الملكي البريطاني للشؤون الدولية "تشاثم هاوس"، الكاتبة جين كينينمونت، إنّ "خلف الحرب الكلامية بين السعودية وإيران، ما هو أكثر عمقاً، وإثارةً للقلق على المدى الطويل. وقد يمتد إلى جيل كامل من أبناء الشرق الأوسط، إذ إنّ غالبية السكان تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً. وقد يكبر هؤلاء مع فرضية أنّ الفجوة الطائفية هي القضية الرئيسية".

 
وترى الكاتبة، أن استغلال كل من السعودية وإيران ما اعتبرت أنه "ورقة الهويّة المذهبية، مثير للقلق، ويمكن أن يُسمّم المنطقة لعقود مقبلة". وتعتبر كينينمونت، أنّ فشل "الربيع العربي"، واندلاع الحروب الأهلية، والنزاعات المسلحة في أكثر من بلد عربي، عزّز توظيف الهويات الطائفية لخلق ولاءات أو عداءات في المنافسة الجيوسياسية بين السعودية السنيّة وإيران الشيعية، على حدّ وصفها. وتتابع، أنّ "هذا السباق بين البلدَين تكثّف بعد الاتفاق النووي مع إيران، إذ تتوقع الأخيرة أن تقوم بدور أكبر في قضايا الشرق الأوسط، بينما تشعر السعودية بقلق على نفوذها".

 
كما ترى الباحثة كينينمونت، أنّ إعدام السعودية لـ47 شخصاً، وما تبع ذلك من إحراق للسفارة السعودية في طهران، وقطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وما تلاه من خطوات مماثلة من دول عربية أخرى، عوامل أدّت إلى مزيد من التدهور في العلاقات السعودية الإيرانية، واتساع الهوّة بين المسلمين السنة والشيعة في جميع أنحاء المنطقة، ما سيلقي بظلاله ويتسبّب بعواقب وخيمة على منطقة الشرق الأوسط ككل، لا سيما أنّه يتزامن مع تفاقم الصراعات الإقليمية المشتعلة أساساً في اليمن وسورية.

 
ويتفق مع هذه الرؤية، مدير المعهد الدولي للدراسات الدولية في البحرين، الكاتب البريطاني جون جينكنز، مشيراً إلى أنّ الأحداث التي شهدتها البحرين والمنطقة الشرقية من السعودية عام 2011، ثم دعم طهران للحوثيين في اليمن، ونشر مليشياتها في العراق، فضلاً عن الدور الكبير الذي يقوم به حزب الله اللبناني الموالي لطهران لمساندة الرئيس السوري بشار الأسد، عوامل ساهمت بصورة كبيرة في تحويل الصراع في منطقة الشرق الأوسط إلى الصورة الطائفية المُسيطرة في المرحلة الراهنة.

ويرى جينكنز، الذي عمل سفيراً للمملكة المتحدة في كل من السعودية، وسورية، والعراق، وليبيا، وبورما، أنّ الاتفاق النووي الذي عقدته القوى الدولية مع إيران في يوليو/ تموز الماضي، شكّل أهم حلقات سلسلة القلق التي تشهدها المملكة في المرحلة الراهنة، لا سيما أنّه جعل القادة السعوديين يشعرون أنّ حلفاءهم التاريخيين، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى، قد تخلوا عنهم تماماً.

 
أما الخبير في برنامج "شمال أفريقيا والشرق الأوسط" في معهد "تشاثم هاوس"، الدكتور سنام فاكيل، فيرى أنّ التركيز على الطائفية والتنافس الجيوسياسي بين إيران والسعودية، يحرف الانتباه بعيداً عن المشاكل الداخلية في كلا البلدَين، إذ إن التركيز على الخطاب الطائفي يناسب مصالح النخب في طهران والرياض التي تسعى إلى تشتيت انتباه سكانها عن الأزمات الداخلية. ويعتبر الباحث، أن الصراع بين البلدَين يخفي في طياته حقيقة أنهما يواجهان تحديات داخلية متشابهة بشكل ملحوظ. وبالتالي يحاول كل منهما التهرب من استحقاقات الإصلاحات الداخلية بإشغال الرأي العام المحلي بصراع خارجي أساسه طائفي، على حدّ تعبيره.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى