[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]
تقارير ووثائق

التحرير المؤجل لتعز: تكتيكات خاطئة ووعود عمرها 6 أشهر

يبدو أن موعد تحرير مدينة تعز المحاصرة منذ ستة أشهر، لا يزال مؤجلاً، وسط استفحال الحصار من قِبل مليشيات الحوثيين والقوات الموالية للرئيس السابق علي عبدالله صالح، وارتفاع معدل الجرائم المرتكبة بحق المدنيين من جراء قصف هذه المليشيات.

ويرى مراقبون أن الإعلان عن قرب موعد تحرير تعز، كما حدث في أكثر من مرة سابقة، أصبح مجرد تكتيك عسكري بهدف التغطية على تحركات في جبهات أخرى وإحراز تقدّم سريع، وهو ما حدث خلال الأيام الأخيرة. فقد أعطت وسائل إعلام اهتماماً واسعاً ببدء معركة تحرير تعز، ولكن ما حدث في الواقع هو أن معركة دارت على تخوم صنعاء، واستطاع الجيش الوطني الموالي للشرعية و"المقاومة الشعبية" هناك من تحقيق تقدّم مهم في جبهة نهم، على بعد كيلومترات من الجهة الشرقية للعاصمة.
وتؤكد مصادر متعددة في "المقاومة" لـ"العربي الجديد" أن معركة تعز لا تزال مؤجلة فعلاً، مشيرة إلى أن أعداداً كبيرة من أبناء تعز الذين تم استدعاؤهم في وقت سابق للتدرب في قاعدة العند العسكرية، عادوا إلى تعز ولم يتم توزيعهم على الجبهات حتى اليوم، موضحة أن المجندين عادوا مجرّدين من السلاح الشخصي.

 
تأجيل متواصل للحسم
في مطلع نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، كانت التطورات الميدانية تشير إلى أن تحرير تعز من سيطرة الحوثيين وصالح، أصبح مسألة وقت فقط. فقد أُعلن في 29 أكتوبر/تشرين الأول، عن انطلاق العمليات العسكرية ضمن استعدادات كبيرة لخوض معركة حاسمة بمساعدة غطاء جوي من قِبل طيران التحالف. قيل حينها على لسان قادة عسكريين بارزين، إن "وحدات برية من التحالف العربي معظمها من القوات السودانية ستشارك في معركة تعز"، وحصل أن بدأ زحف قوات برية تابعة للتحالف من الجهة الغربية للمحافظة عبر باب المندب وفي اتجاه ميناء المخا بالتزامن مع تحرك عسكري في الجهة الجنوبية على حدود تعز ولحج. لكن بعد أيام فقط، بدأ الضجيج الاعلامي يخفت في مؤشر إلى أن المعركة قد تم تأجيلها مرة أخرى، أو أنها توقفت.
تواصلت معارك متقطعة حقّقت فيها "المقاومة" اختراقات في المناطق التي تسيطر عليها المليشيات في تعز، ليأتي إطلاق صاروخ من قبل هذه المليشيات على قوات سعودية في باب المندب ومقتل قائد عسكري سعودي من جراء ذلك، كإعلان عن توقف المعركة. وبالتزامن مع توقف معارك مفترضة في الأطراف البعيدة لمحافظة تعز، كانت قوات الشرعية المسنودة من التحالف العربي قد كثّفت من وجودها في محافظة مأرب وحققت تقدماً كبيراً حينها.
وفي 27 يناير/كانون الثاني الماضي، كانت الأنباء تشير إلى قرب عودة معركة تحرير مدينة تعز، وترافق الحديث عن تحرير المدينة مع ضجة إعلامية وكلام كثير عن وجود استعدادات عسكرية ضخمة ستؤدي إلى تحرير كل شبر في المحافظة، وإضافة إلى التحضيرات الداخلية والدعوة إلى "النفير العام"، قيل إن قائد "المقاومة الشعبية" في تعز حمود المخلافي، الذي كان في عدن، سيكون على رأس عملية التحرير.
عاد المخلافي عصر 27 يناير من عدن، عبر طريق هيجة العبد جنوب تعز، وهي طريق تربط بين محافظتي تعز ولحج، من دون أي دعم عسكري يمكن الإشارة اليه، باستثناء دبابة ومدرعتين وعدد من الطواقم العسكرية التي يُرجّح أنه حصل عليها كدعم شخصي من قِبل قادة في "مقاومة" عدن، وهو دعم لا يرقى إلى حجم الدعوة التي أطلقها قبل أسابيع من أجل تحرير تعز عبر ما أسماه ب"النفير العام".
أما الاستعدادات العسكرية الضخمة فلم تتخطَ كونها مجرد نوايا، أو أن قدراً منها فعلاً قد تحرك صوب تعز، لكن جرى تشتيتها بسبب التكتيكات الناقصة أو عدم الجدية، وبقيت وعود تحرير تعز مجرد وعود لا أكثر، كما يرى مراقبون.
ويحذر مراقبون من أن الوعود المتكررة بتحرير المحافظة وظهور عدم جديتها في أكثر من مرة، تترك تأثيرات سلبية على أكثر من صعيد، ففي الجانب المعنوي تُصاب القاعدة الشعبية لـ"المقاومة" وحتى الجنود بالإحباط، لدرجة أن التفاعل مع وجود مؤشرات جديدة لتحرير مدينة تعز يصبح أقل من المرات السابقة. ولم يعد غريباً أن أكثر التوقعات تفاؤلاً ذهبت للحديث عن أن موعد تحرير تعز لن يعدو أن يكون أكثر من عملية لفك الحصار عن المدينة والتخفيف عن معاناة السكان، أما الدافع فهو إنساني وليس التوجه الجدي لتحرير المحافظة.

 
دعم عسكري محدود
بعدما تحدثت مصادر متعددة عن احتمال وجود دعم سيصل تباعاً إلى تعز على شكل دفعات خوفاً من استهداف الحوثيين وصالح لها بالصواريخ، فإن مصادر مقرّبة من المخلافي توضح لـ"العربي الجديد أن "قائد المقاومة الشعبية في تعز ومعه كل القادة العسكريين وقيادات أخرى في المقاومة، فشلوا في الحصول على دعم حقيقي من قِبل التحالف العربي بقيادة السعودية، بخلاف ما كان متوقعاً". وتكشف المصادر أن النفير العام الذي دعا إليه المخلافي لتحرير تعز، كان خياراً أخيراً في حال رفض التحالف العربي إمداد "المقاومة" بالسلاح والذخيرة والمال الذي طلبته، مشيرة إلى أن التحالف رفض الاستجابة لهذه المطالب كون حجم الدعم المطالب به كان مبالغاً فيه.

لكن في المقابل، أظهرت دعوة المخلافي للنفير العام، أن قيادة "المقاومة" في تعز باتت تدرك أهمية وجود دور شعبي قوي ومساند لضمان نجاح مهمة التحرير، بدلاً من انتظار التحالف والحكومة الشرعية. وهي خطوة يرى محللون أنها تأتي "لمعالجة القصور التكتيكي الذي ساد طوال الفترة الماضية في رؤية وأداء المقاومة"، ويبدو من الواضح أن استنفار الدور الشعبي تحوّل إلى استراتيجية واضحة في أجندة "المقاومة" والجيش الوطني.

 
الوضع الميداني الحالي
ميدانياً، ظلّت المعارك بين "المقاومة الشعبية" والجيش الوطني من جهة، والمليشيات من جهة أخرى، كعادتها معارك كر وفر في مختلف الجبهات، باستثناء التقدّم الكبير للجيش الوطني في سوق نجد قسيم بمديرية المسراخ. وأعلنت غرفة عمليات اللواء 35 مدرع (وهو اللواء الذي يقاتل في الجبهة الغربية من مدينة تعز بقيادة العميد ركن عدنان الحمادي)، الإثنين الماضي عن استكمال تحرير منطقة نجد قسيم من قبضة المليشيات، وتأمين الخط الرئيس الرابط بين تعز والحجرية أمام حركة تنقل المواطنين.
في الجبهات الأخرى، ظل الوضع كما هو بالنسبة للطرفين، على الرغم من المحاولات اليومية من قِبل المليشيات لإحداث اختراق في صفوف "المقاومة"، لكنها تفشل، وتعوّض بإطلاق صواريخ على مناطق تتواجد فيها معسكرات للجيش الوطني، كما حدث في الأيام الماضية عندما سقطت صواريخ على مدينتي النشمة والتربة جنوب مدينة تعز. ولا تتوانى المليشيات عن إطلاق قذائف بشكل عشوائي على مناطق مأهولة بالسكان، ما يؤدي إلى مقتل وإصابة مدنيين بصورة شبه يومية.

 
دور الأرياف
من المعروف أن نشاط "المقاومة" في تعز لا يزال حتى الآن محصوراً في المدينة (ثلاث مديريات)، وفي جزء من الريف (النشمة والتربة في الحجرية نظراً لوجود معسكرات تدريب) بينما يجري تجاهل مساحة واسعة من ريف تعز تمتلك فيها "المقاومة" قاعدة شعبية كبيرة.
تلك المناطق الريفية وإن لم تكن تحت السيطرة المباشرة لمليشيات، فهي في حكم الخاضعة لها عبر ما يُسمى بالسلطة المحلية (أغلب قيادات المجالس المحلية من حزب المؤتمر الشعبي العام التابع لصالح). وهذه السلطة المحلية تبدو كأنها في حالة حياد ظاهري ولكنها في الحقيقة خلايا نائمة للمليشيات، وسوف تتحرك عندما يُطلب منها ذلك، كما يقول مراقبون. ويستدلون على ذلك بما حدث في سبتمبر/أيلول من العام الماضي، في مديرية الوازعية التي سقطت في يد المليشيات بفعل تسهيلات من قِبل قادة في السلطة المحلية وحزب صالح، ثم سقوط مديرية المسراخ بعد أسابيع. وفي مطلع ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه، أصبحت مديرية حيفان تحت سيطرة المليشيات، وعلى جبالها نصب الحوثيون صواريخهم التي أصبحت تُطلق باتجاه محافظة لحج والعاصمة عدن وفي اتجاه مدينتي النشمة والتربة التابعتين لمحافظة تعز والتي تتواجد فيها معسكرات لتدريب المجندين.

يرى مراقبون أنه كان على عناصر "المقاومة" والجيش الوطني ألا ينخدعوا بحالة الحياد الظاهري الذي تظهره المجالس المحلية وقواعد حزب "المؤتمر الشعبي"، بل كان يجب أن تتشكّل "مقاومات شعبية محلية" في كل المديريات تخضع للقيادة في عاصمة المحافظة (مدينة تعز) وتكون على أتم الاستعداد للتحرك في الوقت المحدد من قبل قيادة "المقاومة" والجيش الوطني.
ويلفت هؤلاء المراقبون إلى أن استثمار القاعدة الشعبية لـ"المقاومة" يجب أن ينطلق من دراسة وقائع سابقة جعلت بعض المديريات تسقط بسهولة في يد المليشيات، واستخلاص الدروس منها، "وبالقدر نفسه على الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي وحكومته تحمّل المسؤولية وترك حالة الاسترخاء واللامبالاة التي هم عليها".
وبالحسابات العسكرية، يقول محللون، إنه ما يزال هناك وقت للقيام بمهمة تكتيكية ملحّة وتوجيه ضربة استباقية من خلال السيطرة على ما تبقى من ريف تعز قبل الزحف نحو المدينة وتحريرها، لأن اقتصار الاهتمام على تحرير المدينة فقط وإهمال الريف معناه إبقاء فرصة ذهبية للمليشيات لتهرب إلى الريف وتخوض حرباً أخرى هناك قد تكلّف الكثير.

زر الذهاب إلى الأعلى