من الأرشيف

هل يكون سلم في اليمن بينما "الشرعجيون" متشبثون بدستور دولتهم الخرافية؟

المسودة التي يلوح بها من مدينة عدن، زعيم جماعات "الشرعجية" عبدربه منصور هادي في ذكرى ثورة فبراير المغدور بها، هي حصيلة انقلاب السلطة الانتقالية (لقاء مشترك ومؤتمر شعبي)، بالتحالف مع الحوثيين، على الثورة الشعبية السلمية في خريف 2012، عندما توافق هؤلاء جميعا على رفض التهيئة الجدية للحوار الوطني بقرارات غير قابلة للترحيل (لأنها متصلة بالتزامات حالة، حقوقية واجتماعية وثقافية وهوياتية، تقع على عاتق أية سلطة وطنية محترمة للحفاظ على كيانية الدولة اليمنية ووحدة شعبها وسلمه الأهلي وبخاصة تلك ذات الصلة بحقوق وممتلكات مواطنين في المحافظات الجنوبية والشرقية ومحافظة صعدة).

 
كان لافتا أن الحوثيين والوكلاء الحصريين للقضية الجنوبية في صنعاء (الذين صار هادي نفسه زعيمهم في النصف الثاني من عام 2013) وافقوا على الانخراط في مؤتمر حوار افتقر للوطنية منذ نهاية 2012، وتحديدا منذ قرر ممثلو المشترك والمؤتمر والحوثيين والحراك تحويل مؤتمر الحوار إلى منصات عروض تمثيلية يشارك فيها ممثلون منتقون لشباب الثورة والمجتمع المدني والمرأة.

 
في مقار السلطة والسفارات الغربية وقادة الأحزاب جرى التفاوض بين هادي وصالح وقادة المشترك والحوثيين (الذين بدؤوا في التذمر في الفصل الأخير من الحوار) على شكل الدولة وتوزيع السلطة قبل انتهاء المرحلة الانتقالية المقررة زمنيا في فبراير 2014.

 
انجز الانقلابيون برئاسة هادي صفقة ضد الشعب، قضت باستمرار هادي في الرئاسة فترة أخرى ضدا على الإرادة الشعبية وما تقرره المبادرة الخليجية، وسمحت باستمرار الحكومة بأفضلية احزاب المشترك عليها، وأبقت على مجلس النواب باغلبيته المؤيدة للرئيس السابق صالح ولحزب المؤتمر الشعبي العام، علما بأن هذا البرلمان الذي انتخب في ابريل 2003 لمدة ست سنوات فقط، تنتهي ولايته في ابريل 2009 لكن تم التمديد له خلافا للدستور باتفاق بين الرئيس السابق صالح وبين قادة المشترك.

 
حصل هادي على تمديد غير دستوري لرئاسته الانتقالية.

 
حصل صالح على ترضية سمحت بتمديد البرلمان الذي يهيمن عليه حزبه لمدة جديدة.

 
حصل اللقاء المشترك على تمديد لحكومة يهيمن عليها ممثلوه، لمدة اضافية خلاف ما تنصل عليه المبادرة الخليجية.

 
حصل الحوثيون على نصوص في مخرجات الحوار الوطني تسمح لهم بالاحتفاظ بسلاحهم الثقيل والمتوسط، وعلى ما يعزز سيطرتهم على محافظة صعدة. كما صار لديهم سلاحا دعائيا ضد شركائهم في الحوار اللاوطني، انطلاقا من وثيقة ضمانات تم تمريرها في موفنبيك، تنص على مشاركة مكونات الحوار (لا مكونات السلطة الانتقالية المنبثقة من المبادرة الخليجية) في تنفيذ مخرجات الحوار؛ والمشاركة في تنفيذ المخرجات يستلزم المشاركة في الحكومة، ما يعني أسبقية التعديل (أو التغيير الحكومي) على تنفيذ المخرجات.

 
كان الشعب اليمني هو الخاسر الأول من صفقة المافيا اليمنية.

 
تم السطو على ارادته الحرة باعتباره مالك السلطة ومصدرها. (صار المالك طبق خطاب هادي المجتمع الدولي والدول الراعية، والمصدر حفنة ساسيين فاسدين وجنرالات وأمراء حرب وممثلين مزعومين للشعب اليمني).

 
فقدت السلطة الانتقالية شرعيتها، واتسعت الخروق والصدوع في كيان الدولة، وتسابق الانقلابيون، فيما بينهم، على فرض حقائق سياسية بالقوة العارية أو بالاستقواء بالخارج. زحف الحوثيون من صعدة باتجاه عمران وصنعاء، وتنامى حضور القاعدة في حضرموت ومناطق يمنية أخرى، ثم تسارعت الأحداث إلى أن قرر الحوثيون، بموافقة (أو تشجيع من) الرئيس السابق صالح، فرض سلطتهم على اليمنيين وتحويل الرئيس هادي، حليفهم منذ خريف 2012، إلى أداة مطواعة في خدمتهم. لكنه استقال ثم تمكن من المغادرة إلى عدن التي صارت عاصمة مؤقتة.
****
هناك حرب مستعرة في اليمن. وداخل هذه الحرب الاهلية اليمنية_ الاقليمية حروب احتكار تمثيل تجري بين ميليشيات وجماعات عصبوية على المحافظات والحواضر والعواصم والمذاهب والجهات، وسط افتقار اليمنيين لمشروع يستنقذ كيان الدولة ورؤية وطنية تأخذهم، موحدين أحرارا، إلى المستقبل.

 
حرب مستعرة في اليمن (وعلى اليمن) قد تنحسم عسكريا، وشيكا ولكن مؤقتا، لصالح "التحالف العربي" و"الشرعية".
هذا لا يعني عودة الربيع إلى اليمن (ربيع الثورة كما يرطن ويطنطن اعداؤها وخونتها وتجارها في صنعاء وعدن وفي الرياض واستانبول)، بل أخذ اليمن إلى "فدرالية الميليشيات"، جهوية وايديولوجية، فالرئيس الشرعجي الأخرق ظهر أمس مجددا في عدن وهو يلوح بمسودة دستور دولته الخرافية.

زر الذهاب إلى الأعلى