الخيار العسكري التركي السعودي: السيناريو اليمني أم الروسي الإيراني؟
كما كان متوقعاً، تشهد الحرب في سورية تصاعداً غير مسبوق، في إثر إفشال روسيا لمحادثات جنيف 3، بعد تصعيد عملها العسكري في سورية ضد قوات المعارضة السورية، في وقتٍ بدأ فيه التحالف السعودي - التركي نشاطه عملياً على الأراضي السورية، عبر قيام المدفعية التركية بصدّ الحملة التي يشنّها حزب "الاتحاد الديمقراطي" (الجناح السوري للعمال الكردستاني) بتغطية روسية. كما قامت الطائرات الروسية باستهداف عدد من المستشفيات التابعة لمنظمة "أطباء بلا حدود"، وأيضاً قصف أعزاز بصاروخ باليستي.
في غضون ذلك، بدأت الدبلوماسية التركية حملة كبيرة ضد الهجمة الروسية في ريف حلب، تمثّلت في زيارة مفاجئة لرئيس الوزراء التركي، أحمد داود أوغلو، إلى العاصمة الأوكرانية كييف، أبدى خلالها تأييداً غير مسبوق للحكومة الأوكرانية في سعيها إلى استعادة سيادتها على كامل أراضيها، بما في ذلك شبه جزيرة القرم، التي ضمتها موسكو ربيع عام 2014.
وكان لافتاً في ثالث أيام القصف التركي لمواقع المقاتلين الأكراد داخل الأراضي السورية، أن أنقرة تعمّدت نشر صور عبر وسائل إعلام تركية معروفة بقربها من الحكومة، نشر صور السلاح الذي يتم استخدامه في قصف شمال حلب. ورغم أن عتاد الجيش الأميركي هو عتاد أميركي الصنع، إلا أن القوات المسلحة اعتمدت في ضربها لمواقع الاتحاد الديمقراطي في ريف حلب، على الإمكانات والأسلحة المحلية الصنع، ما أتاح لها الحركة من دون الاعتماد على واشنطن.
وبحسب الصور التي تم الحصول عليها من الطائرات من دون طيار، قامت وحدة عسكرية من مدافع الهاوتزر المحلية الصنع التي تم تطويرها منذ 2004-2014 تحت اسم تي 155 بالحركة. وتتمع هذه المدافع بقدرات عالية على المناورة حيث تستطيع تغيير تموضعها بمرونة عالية وكذلك السير لمسافة تبلغ 400 كيلومتر، كما وتمتلك دروع فولاذية تزن 20 طناً، وتستطيع حمل ذخيرة يصل وزنها إلى أربعين طن. ويبلغ مدى هذه المدفعية 40 كيلومتراً، مما يرجح أن يبقى عمق التدخل العسكري التركي الحالي في ريف حلب بعمق 40 كيلومتراً، وبالتالي ستكون أنقرة قادرة على حماية فصائل المعارضة الموالية لها في حدود المنطقة الآمنة الذي كانت قد دعت لها في وقت سابق، وتستطيع مدافع "تي 155" المتحركة أن تطلق 8 قذائف في الدقيقة الواحدة، وأثناء الحركة، لا تحتاج إلا إلى التوقف لنصف دقيقة لإطلاق 3 قذائف خلال 15 ثانية.
في موازاة ذلك، وجّه المتحدث باسم الخارجية التركية، تانغو بيلغيج، انتقادات شديدة للموقف الأميركي المتمثل بتصريحات جون كيربي، المتحدث باسم الخارجية الأميركية، مبدياً استغرابه من تلك التصريحات، التي ساوى فيها بين كل من أنقرة و"منظمة إرهابية" وهي حزب "الاتحاد الديمقراطي"، عبر دعوة الطرفين إلى وقف إطلاق النار.
أشار بيلغيج إلى أن "التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) لم يتّخذ بعد قراراً فيما يخصّ تنفيذ عملية برية ضد التنظيم في سورية"، مضيفاً أنه "لو تم اتخاذ القرار في التحالف في ما يخص العملية البرية، فإنه يحق لأعضاء التحالف الـ64 المشاركة في ذلك". وأكد بيلغيج عدم وصول أية طائرة حربية سعودية إلى قاعدة إنجرليك، في إطار قوات التحالف الدولي ضد "داعش"، قائلاً إنه "لم تصل بعد أية طائرة سعودية إلى تركيا في إطار قوات التحالف الدولي ضد داعش، ولكن ستصل الطائرات السعودية خلال الفترة المقبلة".
وأضاف أنه "توجد بعض الطائرات السعودية في قاعدة قونيا في إطار التدريب على الدفاع الجوي، وسيتم تنظيم طلعات تدريبية بين أمس، الإثنين ويوم الجمعة المقبل، وهذا أمر تم ترتيبه في وقت سابق، وحصل أيضاً عام 2013 بين السعودية وتركيا وبمشاركة باكستان".
"لسنا في حالة حرب وسنتحول عن سياستنا الدفاعية، ولن نسلم سورية إلى روسيا وإيران"، هذا ما كان فحوى الرسالة التركية من تدخلها الأخير لحماية المعارضة المعتدلة في ريف حلب، الأمر الذي أشار إليه نائب رئيس الحكومة، يالجين أكدوغان، يوم الأحد، خلال مقابلة له، قائلاً: "لن نستمرّ في الوضعية الدفاعية ذاتها، خصوصاً أن الأمن القومي والمصالح التركية باتا تحت التهديد". وتابع أكدوغان قائلاً:"إن لم نقم الآن بفعل ما هو ضروري، لن تكون لنا كلمة في تحديد جارنا في المستقبل، إن كان العمال الكردستاني أو (داعش) أو النظام السوري، وهم جميعاً يشكلون خطراً على تركيا".
أما في ما يتعلّق بالخيار العسكري التركي، وإمكانية تدخل تركيا في الحرب داخل سورية، حدد أكدوغان حدود التدخل الحالي، قائلاً: "نحن لا نلعب هنا. نحن نحكم دولة. والجمهورية التركية ليست عشيرة، وكذلك فهي ليست الدولة، التي من الممكن أن تبقى على الحياد تجاه ما يحصل حولها. كل شخص يعرف أن إيران وروسيا تمتلكان مليشيات في سورية، ولكن لا أحد يقول إن روسيا وإيران هما في حالة حرب".
يوحي كلام أكدوغان بأن التدخل التركي السعودي، سيكون إما على الطريقة الروسية الإيرانية في سورية، أو على طريقة الدور الخليجي في اليمن. وفق السيناريو الأول، سيتم تنفيذ الخيار العسكري بتدخل بري بعمليات محدودة للقوات الخاصة السعودية والتركية، بينما ستتولى قوات سورية ضرب "داعش" تحت إدارة مستشارين عسكريين من البلدين.
أما إن صحت التقديرات التي ترجح بأن يتم اقتباس أشكال ناجحة من الحالة اليمنية، فذلك سيعني تدخلاً بريّاً محدوداً لناحية الحدود، لتأمين منطقة يُسمح بتدريب قوات سورية فيها، لتتولى هي تنفيذ عملياتها، أكان ضد "داعش" والقوات الكردية في المرحلة الأولى، أو ضد النظام السوري مباشرة في مرحلة لاحقة.
في غضون ذلك، بدت الأهداف التركية من التدخل الحالي في ريف حلب واضحة، بل وحدودها مرسومة تماماً في رأس المسؤولين الأتراك، إذ إن الهدف الأهم هو منع حزب "الاتحاد الديمقراطي" من تشكيل شريط على الحدود السورية التركية، بكل ما يعنيه ذلك من خطر على الأمن القومي التركي، قد يؤدي إلى امتداد المعارك مع حزب "العمال" الكردستاني نحو العمق التركي في الغرب.
كما يقطع أيضاً العلاقة التركية مع العمق الحلبي، ويضرب فصائل المعارضة الحليفة لها. بالتالي تفقد تركيا والسعودية جميع أوراقهما في سورية، مما سيسمح بإيجاد حل يضمن النفوذ الروسي الإيراني ويحافظ على النظام الحالي.
كما يقطع الطريق على التدخل التركي السعودي ضد "داعش"، لأن ريف حلب الشرقي بفصائله، التي تقاتل التنظيم منذ سنوات، هو المرشح الأول لتكوين العمود الفقري للقوات السورية التي ستحارب "داعش" بدعم تركي سعودي، الأمر الذي أشار إليه داود أوغلو، أمس الإثنين، قائلاً "إن روسيا تستخدم كُلاًّ من حزب العمال الكردستاني في تركيا وحزب الاتحاد الديمقراطي في سورية، كأداة واضحة لتنفيذ سياستها التوسعية، وبالذات للضغط على تركيا".
وأضاف: " إن موقفنا يستند إلى ثلاثة أسباب شرعية: الأول، وهو وقف تدفق اللاجئين. الثاني، اتخاذ كافة التدابير لحماية الأمن القومي التركي، فلا أحد كتركيا يتأثر بالتطورات في سورية. الثالث هو أن التطورات في سورية تهدف إلى ضرب المعارضة السورية المسلحة المعتدلة". وتابع داود أوغلو أنه "بعد قطع الطريق بين حلب وتركيا عبر استخدام قوات الاتحاد الديمقراطي، قام الأخير بالتوجه نحو أعزاز، وكانت خططه بعد أن ينتهي من أعزاز أن يتحرك غرباً ليلتقي قواته القادمة من مدينة عين العرب".
وتابع داود أوغلو: "لن يُسمح للاتحاد الديمقراطي بالتوجه نحو غرب الفرات، كما لن نسمح له بالتوجه شرق عفرين، ففي هذه المناطق هناك المعارضة السورية المعتدلة، وإن دعم هذه القوات هو شرط رئيسي لنجاح العملية السياسية".
أما على المستوى العسكري فإن الطلبات التركية واضحة لوقف القصف المدفعي، وتتمثل بابتعاد "الاتحاد الديمقراطي" عن ريف حلب الشمالي، بما في ذلك مطار منغ العسكري والتزام قواعده في عفرين، الأمر الذي شدّد عليه داود أوغلو خلال رده على رفض صالح مسلم، الرئيس المشارك لـ"الاتحاد الديمقراطي" الشروط التركية، قائلاً: "إن رفضه للانسحاب هو كلام لا معنى له، لقد تم إبعاد قوات الاتحاد الديمقراطي عن أعزاز، وإن اقتربوا منها مرة أخرى سيرون منا رداً عنيفاً. لن نسمح بسقوط أعزاز".
تابع: "في ما يخص مطار منغ، نحن لن نسمح باستخدام هذا المطار ضد تركيا أو ضد المعارضة السورية المعتدلة، وإن لم ينسحبوا من المطار سيتم تدميره. وأنا أبلغت نائب الرئيس الأميركي، جو بايدن، بهذا". وختم داود أوغلو: "لو لم نحذر ونتدخل لسقطت كل من أعزاز وتل رفعت. حذّرناهم من الاقتراب لمسافة 1.5 كيلومتر من أعزاز".