كبار موظفي اليمن يتخفّون
نادراً ما يخرج من بيته المتواضع الذي استأجره منذ أشهر قليلة. وإن فعل في أوقات متباعدة، يخرج متخفياً وفي الظلام حتى لا يعرفه أحد، ومن دون مرافقين أو سيارة، حتى أنه يستخدم اسماً غير اسمه.
هكذا صار الأمن الشخصي أكثر ما يقلق معظم كبار موظفي الدولة، الذين تركوا منازلهم خشية الملاحقة، واختاروا التخفي خوفاً من أن يُستهدفوا من قبل التحالف العربي، وخصوصاً الموالين منهم للعلي عبدالله صالح، أو اعتقال الموالين منهم للرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي من قبل مليشيا جماعة أنصار الله (الحوثيّون).
مع بداية عاصفة الحزم في مارس/ آذار الماضي، فضّل كثير من الشخصيات السياسية والاجتماعية المرموقة نقل أسرها إلى منازل وشقق صغيرة مستأجرة، وقد حرصوا على ألا يعرف أقرباؤهم أو أصدقاؤهم أماكن سكنهم الجديدة، وفضّلوا عدم الاحتكاك أو التواصل مع جيرانهم الجدد المحيطين بهم.
تفاجأ عيسى إسماعيل، وهو صاحب عمارة سكنية في منطقة هائل وسط العاصمة صنعاء، حين عرف أن من يسكن إحدى شقق العمارة مع عائلته منذ أكثر من أربعة أشهر هو محافظ سابق. يقول لـ"العربي الجديد": "لم أعرف أن المستأجر مسؤول كبير في الدولة، وخصوصاً أن العقد أبرم باسم شخص آخر". يضيف أن المحافظ السابق تعمّد عدم الخروج من شقته، وكان أبناؤه يتولون مهام تلبية احتياجات الأسرة يومياً". إلا أن الجيران وأهل الحي عرفوه مع مرور الأيام، ما اضطره للانتقال إلى منزل آخر.
ومنذ بداية الحرب، يعيش هؤلاء حياة عادية جداً بخلاف حياة الترف التي اعتادوا عليها خلال السنوات السابقة. في السياق، يؤكد قيادي عسكري، أن بعض قيادات الجيش فضّلت عدم المشاركة في الحرب مع أي طرف كان، لكن هذا الحياد يعرّضها للخطر من مختلف المتخاصمين. ويقول إن الحوثيين يتّهمونه بأنه موالٍ للتحالف، لذلك يبحثون عنه، كما يخشى استهداف منزله من قبل طائرات التحالف العربي. هذا الأمر أجبره على مغادرة صنعاء والتوجه إلى قرية ريفية ليسكن وأسرته في أحد منازل أقربائه. ويشير إلى أنه لم يذهب وقبيلته إلى قريته، بل اختار منطقة أخرى تماماً، لا يعرف أحد عنها شيئاً. وكان هذا مصير غيره من القادة العسكريين.
يضيف: "أحاول قدر المستطاع البقاء في البيت لأسباب أمنية، وحتى لا أتسبب بأي ضرر للجيران. وإذا ما اضطررت إلى الخروج، أضعُ لثاماً". ويلفت إلى أن كثيراً من زملائه غادروا البلاد في وقت مبكر، لكنه ممنوع من السفر من قبل جماعة الحوثيين، حاله حال آخرين من العسكريين والمسؤولين الحكوميين.
مع ذلك، يشير إلى جانب إيجابي من حياته الجديدة، قائلاً إن الحرب جعلته يقترب أكثر من أفراد أسرته، بعدما قضى سنوات طويلة من حياته العسكرية بعيداً عنهم. يقول: "على الرغم من الخوف الذي تعيشه الأسرة بسبب الحرب، إلا أنني بت أكثر قرباً منهم، واكتشفنا أشياء لم نكن نعرفها عن بعضنا بعضاً".
إلى ذلك، فضّل كثير من المسؤولين في الدولة السفر إلى قراهم في مناطق نائية مختلفة والاستقرار فيها، بحثاً عن الحماية من أقربائهم، وذلك كفيل بأن يبعدهم عن الأنظار. ولأن كثيراً منهم لا يملكون بيوتاً في هذه المناطق، لم يكن أمامهم إلا السكن في منازل العائلة القديمة أو استئجار منازل جديدة.
في السياق، يؤكد وضاح عبدالله أن عدداً من القيادات المدنية والعسكرية المعروفة عادت إلى قرى وأرياف مدينة ذمار، ليكون ذلك سبباً في توجّس بعض الأهالي من استهداف هذه القرى، على غرار ما حدث في قرى أخرى. ويشير عبدالله إلى أن هذه القيادات تحرص على عدم الظهور، أو تسعى إلى تغيير هيئتها، وعدم الخروج برفقة أحد. مع ذلك، يُبدي الأهالي امتعاضهم وتوجّسهم من أن تُقصف منازلهم بعد عودة هذه القيادات، ولا سيما تلك العسكرية والرسمية البارزة منها إلى قراها الأصلية.
وفي الشارع، لا يخفي بعض المواطنين شعورهم ب"الشماتة" لما آل إليه حال هؤلاء المسؤولين، هم الذين يحمّلون هذه الطبقة المسؤولية عن الفساد، وما وصل إليه الوضع في البلاد. إلا أن آخرين، ومنهم حسن السنيدار، يشعر بالأسى لما آلت إليه ظروف هؤلاء، هو الذي لطالما تمنى الوصول إلى مراكز رفيعة، ولم يتخيل يوماً أن ينقلب الأمر تماماً، وقد اضطر المسؤولون إلى التخلي تماماً عن حياة الترف التي لطالما عاشوها، والتصرف كمواطنين عاديين، خشية أن يتعرضوا للأذى.