انقسامات شريكي انقلاب اليمن: استعراض بالميادين وتراشق بين الأنصار
لم يكن ما شهدته صنعاء، أمس السبت، في ذكرى مرور عام على "عاصفة الحزم" سوى أحدث المؤشرات حول المدى الذي بلغته الخلافات والانقسامات بين شريكي الانقلاب في اليمن، بعدما حشد الرئيس السابق علي عبدالله صالح والحوثيين أنصارهما كل في ساحة منفصلة، فضلاً عن توجيه صالح رسائل باتجاهات عدة، بدءاً من الحوثيين ووصولاً إلى السعودية. ولا ينفصل هذا الواقع الذي آل إليه الوضع بين شريكي الانقلاب عن المحصلة التي أفضت إليها "عاصفة الحزم" بعد عام على انطلاقتها، بعدما انتقل تحالف الانقلاب من صاحب القوة العسكرية التي تؤهله لاجتياح المدن اليمنية الواحدة تلو الأخرى من دون أن يجد من يقف في وجهه إلى تحالف يعاني من توالي الهزائم على الجبهات ولا يمانع من تسوية سياسية ولو على حساب شريكه الآخر، من خلال التركيز على ضرورة الحوار مع السعودية.
وتنقسم آراء المراقبين حيال ما ستؤول إليه هذه الانقسامات بين شريكي انقلاب، اليوم، وأعداء الأمس، بعدما خاض صالح ضد الحوثيين 6 حروب على مدى سنوات قبل أن ينتقل إلى التحالف معهم بعد ثورة الشباب. ويستبعد بعضهم أن يتطور هذا الصراع الذي أصبح ظاهراً إلى مواجهات مسلحة بين جماعة الحوثيين، التي تمارس سلطة شكلية على العاصمة صنعاء، وبين صالح الذي لا يزال يحتفظ بقوات كبيرة موالية له في معسكرات داخل المدينة. في المقابل لا يستبعد آخرون أن يتحول الفرز في الشارع إلى فرز عسكري في الفترة المقبلة، بحيث يسعى كل طرف لإثبات سيطرته بعيداً عن الآخر. وضع ظهرت مؤشراته من خلال انتشار قوات موالية لصالح ترفع صوره، بعدما كانت أغلب القوات في صنعاء ترفع شعارات الحوثيين.
انقسام الميادين
وشهد ميدان "السبعين، أكبر ميادين صنعاء، أمس السبت، التظاهرة الأكبر من نوعها لأنصار صالح، منذ الثورة الشبابية في 2011. وقد بدا واضحاً، منذ أيام، أن المخلوع يريد استعراض قوته داخل العاصمة على غرار ما كان يفعل في عام 2011. وقد ترجمت هذه الرغبة بحشد حزب المؤتمر الشعبي العام أنصاره في العاصمة والمحافظات المحيطة بها منذ أيام. كما عمد إلى تجنيد كل وسائله الإعلامية لصالح الحشد.
وواظبت صحيفة "اليمن اليوم" التابعة له، على نشر صور شخصية له، تضمنت عبارات من قبيل "لماذا هو مانديلا اليمن"، وأخرى وهو يلقي التحية على الحشد. مع التنويه إلى أن هذه الصور قديمة، أي من فعاليات سبقت العام 2011، ليبدو حيوياً ومتعافياً أكثر وفقاً لمراقبين. وأضيف إلى ذلك، الاجتماعات الحزبية في الدوائر التنظيمية في أمانة العاصمة ومحافظات أخرى تخضع لسيطرة شريكي الانقلاب، إلى جانب توزيع ملصقات في الشوارع حملت معظمها صورة الرئيس السابق وعبارات حماسية أخرى.
وقد أفضت جميع هذه الإجراءات إلى تأمين تواجد عشرات الآلاف من أنصاره في الميدان، أمس السبت، فيما أكدت مصادر لـ"العربي الجديد" قيام قوات من الحرس الجمهوري والأمن المركزي الموالي لصالح بالانتشار في المنطقة المحيطة بالميدان ودار الرئاسة ومداخل العاصمة والعديد من مؤسساتها.
لكن الرئيس السابق لم يكتف بذلك، بل حضر وسط الحشود، وألقى كلمة مقتضبة، إلا أنها لم تخل من الرسائل سواء للحوثيين أو لدول التحالف العربي وتحديداً السعودية، وإن بدت متناقضة. وقد انعكست هذه الرسائل بقوله "من هنا، من ميدان السبعين نمد يد السلام للحوار المباشر مع النظام السعودي"، لكنه في الوقت نفسه اعتبر أن "النظام السعودي سبب ما تشهده المنطقة من صراعات في العراق وسورية وليبيا، وطالب مجلس الأمن بإصدار قرار لإيقاف الحرب".
على المقلب الآخر، حشدت جماعة الحوثيين أنصارها في تظاهرة نظمتها، عصر، أمس السبت، أمام مقر الكلية الحربية في حي الروضة شمال العاصمة. وقد بدأ الحوثيون، منذ أيام، بالحشد للتظاهرة التي دعوا إليها بمختلف الوسائل، فيما ترجم انزعاج الجماعة من خطوة صالح للحشد في ساحة منفصلة عبر محاولتها تثبيط حجم تظاهرة المؤتمر من خلال دعوتها الموظفين في كل قطاعات الدولة إلى اعتبار، أمس السبت، يوم دوام رسمي، وتهديدها بإنزال عقوبات على الموظفين المخالفين، ولا سيما مع معرفتها أن صالح يلجأ إلى استخدام جهاز الدولة في الدعم الجماهيري والتحشيد.
رسائل متعددة الاتجاهات
ويذهب العديد من تعليقات المتابعين إلى أن صالح يحاول إيصال رسائل باستعراض جماهيره من أجل التفاوض، الأمر الذي جعله يسعى لأن تكون فعالية، أمس، منفصلة عن الحوثيين، فيما يضع هذا الأمر كلاً من شريكي الانقلاب أمام تحدٍ لإثبات نفسه بعيداً عن الآخر.
ولا يمكن فصل هذا التوجه لصالح عن التطورات، خلال الأسابيع الأخيرة، وخصوصاً بعدما كشفت الوسائل الإعلامية، مطلع شهر مارس/آذار الحالي، عن لقاء سرّي بين الحكومة السعودية وجماعة الحوثيين. ووفقاً لقيادات كبيرة مقربة من الحوثيين، فإن اللقاء جاء تتويجاً لجلسات سرية، عقدت في سلطنة عمان وفي العاصمة الأردنية عمّان، بين ممثلين عن الحوثيين وآخرين عن الحكومة السعودية بإشراف أوروبي.
هذا الأمر، إلى جانب اعتبارات أخرى، جعل الرئيس السابق يلجأ إلى خيار يعتقد أنه لا يزال فعالاً فيه ويمتلك خيوطه، ويتمثل في العودة إلى الجماهير، لإرسال رسالة مزدوجة، في ظاهرها الاحتجاج على "عاصفة الحزم" في ذكرى انطلاقتها الأولى، وفي باطنها توجيه رسالة للحوثيين عن أنه لا يزال يستطيع اللعب بورقة الجمهور لإظهار الثقل السياسي لحزبه، للدخول في التفاوض المرتقب وحجز مقعد في مستقبل اليمن السياسي.
وما يعزز هذا الاعتقاد، الخطاب المتلفز الذي وجهه الرئيس السابق، يوم الأربعاء الماضي، وبثّته قناة "اليمن اليوم"، والذي حمل رسائل سياسية ضمنية لحليفه الحوثي، قال فيها إن "صالح رفض التحالف معكم (السعوديين) مش (ليس) بيع وشراء، أنا لست (الرئيس الحالي عبد ربه منصور) هادي، أنا اسمي علي عبدالله صالح عفاش. هكذا، من أسرة حميرية سبئية، أفهم من أنا، أنا لا أقبل الرشاوى... أتحالف معكم ضد الحوثيين! لا". وكرر صالح "لا يمكن أن أتحالف معكم ضدهم، وليس بينكم وبين الحوثي خلاف، هو زيدي وأنتم وهابيون، ما المشكلة؟ لماذا تقصفون الشعب اليمني؟ فعلي عبدالله صالح لن يتحالف معكم، عرضتم صحيح فلوساً ومالاً كبيراً لي ولنجلي أحمد، ليس بيعاً وشراء".
وحاول صالح أيضاً، من خلال آلته الإعلامية، تأكيد أنه تلقى، في وقت سابق، عروضاً من حليفته السابقة السعودية، للتكتل ضمن تحالف يمني يضم هادي وحزب الإصلاح، لمواجهة التمدد الحوثي، وهو ما كتبه الإعلامي المقرب من صالح، أحمد الحبيشي في منشور على صفحته بموقع "فيسبوك" بعيد كلمة صالح الأخيرة.
وكان صالح رفض في خطابين سابقين ألقاهما، في مطلع يناير/كانون الثاني ومنتصف فبراير/شباط المنصرمين، التفاوض مع وفد الحكومة اليمنية، طالباً أن يكون التفاوض بشكل مباشر مع السعودية. ويقول مراقبون إن الخطابين ألقا بالشك لدى جماعة الحوثيين حول النوايا التي يضمرهما صالح وراء طلبه هذا. ومن غير المستبعد أن يقبل بالتسوية السياسية التي تذرع أنه رفضها سابقاً، والمتضمنة صفقة سياسية قد تطيح بالوجود السياسي للحوثيين.
لكن أخبار المفاوضات السرية بين الحوثيين والسعودية، أربكت على ما يبدو توقعات الرئيس السابق، وأثارت خشيته من أن هذه المفاوضات قد تضيق من خياراته السياسية، وبالتالي حظوظه المرجوة من العملية السياسية المرتقبة مع استئناف المحادثات السياسية، في 18 أبريل/نيسان المقبل، ولا سيما أن خيار القوة لا يمكن الحديث عنه، عندما يتعلق الأمر بالصراع بين الحليفين الحذرين من بعضهما بعضاً. فالقوات العسكرية الموالية للرئيس السابق أصبحت مرتبطة ارتباطاً وجودياً بقوات المليشيا التي يقودها زعيم الحوثيين، وعملهما على جبهة واحدة يصعب من خيار صالح بالتلويح بخيار القوة العسكرية لإيقاف حليفه في الحرب.
تراشق الأنصار
في موازاة ذلك، سادت، خلال الأيام الماضية، حالة من التوتر والانقسام، عكسهما الخطاب الإعلامي للطرفين، حيث نشرت صحيفة "اليمن اليوم" التابعة لصالح، في صفحتها الأخيرة، الخميس الماضي، رسماً كاريكاتورياً أظهر مدى الاحتقان القائم. وصوّر الكاريكاتور يداً رُسم فيها العلم السعودي، وهي تقص علماً واحداً للمؤتمر والحوثيين وتشطره إلى نصفين.
في المقابل، لم يتورع ناشطو جماعة الحوثيين، منذ أيام، في التعبير عن رفضهم مهرجاناً أقامه صالح أمس. وقال محمد المقالح، وهو عضو ما يسمى باللجنة الثورية التابعة لجماعة الحوثيين، والتي تمسك بزمام الأمور في صنعاء، "خرجت أصلي، رأيت البلاطجة في حارتنا الذين كانوا يرفعون الشعار (شعار الحوثيين) قد عادوا ليرفعوا صور الزعيم (صالح). قلت بيني وبين نفسي تمام أحسن لكم يا أنصار الله".
من جهته، وصف عبدالوهاب محمد قطران، وهو قاضٍ مؤيد للحوثيين ومناهض لصالح، في منشور على صفحته "فيسبوك"، ما يحدث في صنعاء بالقول: "قمت بجولة في شوارع صنعاء، وجدت أن مزاجها عفاشي (لقب صالح)، صنعاء وكأنها عشية انتخابات رئاسية، سيارات حاملة للميكرفونات (مكبرات الصوت)، تجوب الشوارع تحمل أعلام المؤتمر وصور عفاش تدعو لمهرجان السبعين صباحاً". وأضاف "ما لفت نظري، أن أطقم الأمن المركزي تغطيها صور عفاش، وأعلام المؤتمر، والجنود مرتدين الزي الرسمي فوقها، قلت كان خطاب الإخوان وإعلام العاصفة، أنه جيش صالح وأمن صالح صحيح؟".
ووسط هذه الأجواء، سعت أطراف رسمية في جماعة الحوثيين وأخرى محسوبة على المؤتمر إلى التخفيف من الاحتقان القائم بين ناشطي الجماعتين، فيما تفقد رئيس اللجنة الثورية التابعة للحوثيين، محمد الحوثي، مساء الجمعة، ميداني الستين والسبعين والإجراءات الأمنية فيهما.
وكتب أحمد الحبيشي، الصحافي المقرب من صالح، ورئيس التحرير السابق لصحيفة 14 أكتوبر: "سأشارك في ميدان السبعين صباحاً، وفي الروضة عصراً، لأن المؤتمر الشعبي العام حليف وطني ل(أنصار الله) وحريص على تعزيز وحدة الجبهة الوطنية لمقاومة العدوان. وأتمنى من أصدقائي ورفاقي في حركة أنصار الله أن يفعلوا ذلك أيضاً".
من جهته، أهاب رئيس المكتب السياسي لجماعة "أنصار الله"، صالح الصماد، ب"الجميع بعدم الانجرار وراء المهاترات الإعلامية غير المبررة واللامسؤولة، لبث الفتنة، معتقدين أنها فرصتهم لاستهداف كل القوى الوطنية لخلق حالة انقسام في الصف الوطني الذي ظل متماسكاً على الرغم من العدوان ومكائده"، على حد قوله، قبل أن يدعو إلى المشاركة في تظاهرة الحوثيين "لنخرس كل الأصوات النشاز التي تحاول التنكر لدماء الشهداء والنيل من عزيمة وصمود وصبر شعبنا واستهداف وحدته الوطنية المواجهة للعدوان" كما قال.