[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]
اقتصاد

عُمال اليمن .. الموت المجاني من نصيبهم

"قضاء الله وقدره" عبارة تتردد على لسان رب العمل حين يتعرض أحد العمال لحادث أثناء عمله. وهي العبارة نفسها التي تطلقها الجهات المعنية في الدولة حين يدفع العديد من العمال حياتهم جراء الأعمال الخطرة التي يمارسونها وسط غياب إجراءات السلامة المهنية.

 
يقول أحمد غالب أحد العمال: "تعرضت لحادث أثناء العمل عند استخدامي منشارا لقص الحديد، فقدت معه إصبعي، تحمل صاحب العمل تكاليف العلاج فقط"، ويشير غالب إلى أن معظم أرباب العمل يرفضون مساعدة من يصاب أثناء العمل، كما أن آخرين لا يدفعون "الدية" للعامل الذي يموت بسبب العمل، ومن الصعب الحصول على الحقوق، فالأمر يتطلب وقتاً ومالاً لمتابعة القضية بين أروقة المحاكم، كما أن أغلب هذه القضايا تنتهي بالحل الودي على أن الوفاة للعامل "قضاء وقدر" وقد لا يُلزَم رب العمل بأي شيء تجاه أسرة العامل المتوفى.

 
تعتبر مهنة البناء والتشييد من المهن الخطرة في اليمن، وهي تضم بجانب خطورتها، عُمالاً يُعرفون ب"العمالة الموسمية أو غير المنظمة"، كما أن هذه العمالة لا تتمتع بالحماية القانونية سواء في قانون العمل، أو قانون التأمينات الاجتماعية.

 

ويصنف نحو مليون عامل في اليمن ضمن العمالة غير المنظمة، يعملون في قطاعات عديدة، منها البناء والتشييد. ووفق الجهاز المركزي للإحصاء، يوجد فقط 9000 عامل مدرجة أسماؤهم في مجال البناء والتشييد يعملون في 664 منشأة، يتمتعون بحقوقٍ مضمونة وفقاً لقانون العمل اليمني.

 

يقول عبدالله البروي مسؤول في الاتحاد العام للمقاولين اليمنيين: "معظم العمال الذين يعملون في قطاع المقاولات ليسوا من الفئات المتعلمة، إذ إن 50% من العمال من الأميين، فيما 20% يحملون شهادات دون الثانوية العامة، الأمر الذي يجعلهم عرضة للمخاطر في ظل قلة التدريب والتأهيل وتوفير مستلزمات السلامة من قبل أرباب العمل".

 
هذا ويعمل أغلب عمال البناء والتشييد بالأجر اليومي ولساعات تتراوح ما بين 8 إلى 10 ساعات يومياً، وتبلغ أجرة العامل نحو 3000 ريال يمني ما يعادل 12 دولاراً، وينتهي هذا الأجر بانتهاء العمل، أما في حال تعرض العامل إلى أي مخاطر فإن المسؤولية تقع على عاتقه، إذ إن القانون لا يلزم رب العمل بأي تعويض، ناهيك عن أن القوانين اليمنية لا تشمل العمالة غير المنظمة، فعلى سبيل المثال، تنص المادة 113 من قانون العمل اليمني "على صاحب العمل عند تشغيل أي منشأة جديدة أن يوفر شروط السلامة والصحة المهنية فيها وعلى الوزارة المختصة التأكد من توافر الشروط والظروف الملائمة للسلامة والصحة المهنية"، إلا أن هذا القانون يقتصر على العمالة المنظمة، فيما تغيب العمالة غير المنظمة والتي تشكل النسبة الأكبر بين العاملين في قطاع البناء والتشييد.

 

ويشير البروي إلى أن أغلب شركات المقاولات تتجه نحو استقطاب العمالة غير المنظمة التي تعمل بالأجر اليومي، بسبب عدم توفر الأعمال بصورة دائمة، ما يدفع هذه الشركات للاستغناء عن العمالة المنظمة.

 

وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، تتنصل من مسؤوليتها تجاه العمالة بشكل عام، وبحسب أحد المسؤولين في الوزارة فضل عدم الكشف عن اسمه، إن دور الوزارة يُعد إشرافياً، حيث تقوم بالتفتيش على مواقع العمل المنظمة، والتي يبلغ عددها نحو 4000 منشأة، مشيراً إلى أن وزارته تعاني من قلة الإمكانات المادية والبشرية، وتقتصر عملية الرقابة والتفتيش على ثلاثة فرق تضم 30 مفتشاً يتوزعون على 22 محافظة يمنية، الأمر الذي يولد قصوراً كبيراً في حماية العمالة المنظمة، وتلك غير المنظمة التي لا تدخل في إطار الرعاية الموفرة من قبل الدولة.

 

 

ويعتبر العمال في قطاع النظافة في اليمن الأكثر معاناة، فهم يمارسون مهنة خطرة تهددهم بالعديد من الأمراض، خاصة أنهم يقومون بتنظيف الشوارع ورفع القمامة بطرق بدائية، ولا يملكون أدوات أو ملابس تقيهم التعرض المباشر لمخاطر هذه المخلفات. وبحسب صندوق النظافة والتحسين فإن ما يزيد عن 40 ألف عامل يعملون في قطاع البلدية.

 

وتعمل هذه الفئة العمالية بالأجر اليومي حيث تتراوح الأجور ما بين دولارين إلى ثلاثة دولارات، ولم يتم ضم هذه الفئة إلى سجلات موظفي الدولة، وبحسب أحد مسؤولي صندوق النظافة والتحسين، ويتم توظيف عددٍ قليل من عمال النظافة براتب شهري لا يتعدى 108 دولارات، وهو الأدنى في سلم أجور موظفي الدولة.

 

ويُقدّر الاتحاد العام لنقابات عُمال اليمن عدد من فقدوا أعمالهم بسبب الحرب بحوالي 3 ملايين عامل من مختلف القطاعات. ووفق نتائج أول مسح شامل للقوى العاملة في اليمن، أعدته منظمة العمل الدولية بالتعاون مع الجهاز المركزي للإحصاء، فإن حجم العمالة بلغ 4.2 ملايين شخص لم تتجاوز نسبة النساء بينهم 7%.

 
يُقدّر عبدالله الجبري رئيس الدائرة القانونية في اتحاد نقابات عُمال اليمن عدد الذين سرحوا من أعمالهم بنحو 1.8 مليون عامل، لافتاً في هذا الصدد إلى أن شح الموارد المالية في الاتحاد منعته من ممارسة دوره النقابي . ويقول الجبري: "إن أغلب العمال في القطاع الخاص سرحوا وحُرموا من حقوقهم نتيجة غياب الدولة وعدم تطبيق القانون، وفي المقابل فإن أرباب العمل يمارسون الانتهازية بأبشع صورها، كما أن بعض أرباب العمل يسعون إلى التخلص من العمال وابتزازهم واستضعافهم".

 

 

إلى ذلك، يتعرض العمال في اليمن بمختلف فئاتهم للاضطهاد والتعسف منذ سنوات، وذلك من خلال زيادة ساعات العمل وقلة الأجور وفق الجبري. ويضيف: "خلال الفترات السابقة كان العمال يتعرضون للابتزاز والاضطهاد والتعسف من خلال زيادة ساعات العمل وقلة الأجور والحرمان من كثير من الحقوق، لكن الآن زادت المعاناة بسبب الحرب، حيث تم تسريح الآلاف من العمال من أعمالهم".

 
وبعيداً عن الأجواء الخطرة التي يعيشها العمال أثناء ممارسة أعمالهم، فهم يعيشون في دائرة الفقر، وفقاً للأمين العام لاتحاد النقابات العامة لعمال اليمن فضل العاقل، حددت الدولة الحد الأدنى للأجور بنحو 20 ألف ريال يمني شهرياً، ما يعادل 80 دولاراً، دون أن تراعي الارتفاعات السعرية وغلاء المعيشة، مما يجعل الفئة العاملة داخل دائرة الفقر، ويشير العاقل إلى أن الكثير من مؤسسات القطاع الخاص لا تلتزم بهذا الحد الأدنى، وتعمل على انتهاك كرامة العمال، فضلاً عن أن أكثر من 70% من العاملين في القطاع الخاص يعملون بدون عقود تضمن حقوقهم. ويقول :"هناك ضعف كبير في التشريعات إلى جانب غياب التنفيذ، نتيجة ضعف دور الدولة في حماية مواطنيها، الأمر الذي يزيد من تفاقم مشكلتي الفقر والبطالة".

 
بدوره، الباحث الاقتصادي مرزوق عبدالودود يقول إن قيمة الحد الأدنى للأجور في اليمن متردية وأسهمت في اضطهاد العمال وجعلتهم من الفئات الأكثر فقراً في البلد.

زر الذهاب إلى الأعلى