تقارير ووثائق

مشاورات الكويت: الأسئلة المحرجة للتحالف وللحكومة

يتأجل إعلان فشل المشاورات اليمنية في الكويت منذ اللحظات الأولى للموعد الذي كان مقرراً لانطلاقها في 17 إبريل/نيسان الماضي حين تأخر وصول وفد الانقلابيين (ممثلي الحوثيين وحزب المؤتمر الشعبي العام برئاسة المخلوع علي عبد الله صالح)، فضلاً عما سبق ذلك من ترنح الهدنة التي دخلت حيز التنفيذ في 10 من الشهر نفسه، أي قبل قرابة أسبوعين من انعقاد أول جلسة مشاورات فعلية بعد تعثر عقد الجلسات لأيام بسبب مماطلة تحالف الانقلاب.

 

وتظهر التطورات المرافقة لمساري مشاورات الكويت والهدنة، منذ أواخر الشهر الماضي، أنّ مشكلة اليمن حالياً لا تتعلق بتوقيع اتفاقات على الورق، بل في استيعاب حاجة الناس البسطاء لواقع مختلف يبعد عنهم الحرب، كانوا قد عقدوا الآمال عليه منذ 2013 حين كانت طاولة الحوار الوطني هي الحل الذي ينشده اليمنيون لمشاكلهم، لكن من دون أن يتحقق ذلك لهم حتى الآن.

 

يرى يمنيون كثر أن الحوثيين يديرون المشاورات بطريقة حرق أعصاب الخصم، وتحديداً في إنكار أي أمر يطرح سواء في التقارير أو النقاش، بما في ذلك التقارير المحايدة. هو أسلوب يعتبر البعض أن الحوثيين يستمدونه من حلفائهم في سورية ولبنان وتحديداً حزب الله، الذين ينظر لهم الحوثيون كمثال يحتذى. وهو ما تعززه تصريحات زعيم الحوثيين، عبدالملك الحوثي، الأخيرة، إذ قال في رسالة تعزية بعثها لحزب الله على خلفية مقتل القيادي مصطفى بدر الدين "نحن نواجه قوى الطغيان والاستكبار في نفس المعركة ومن داخل الخندق نفسه وتحت الراية نفسها"، معتبراً أن "حزب الله النموذج المعاصر الأرقى في ميدان القتال وساحات النزال".

 

في المقابل، اكتسب فريق الحكومة المفاوض خبرة مع وفد الانقلاب منذ أول جلسة مشاورات سياسية عقدت في جنيف في 15 يونيو/حزيران 2015 واختتمت بعد أيام من دون نتائج أو من خلال الجولة الثانية في بيل السويسرية في 15 ديسمبر/كانون الأول 2015. ويضاف إلى ذلك ثلاثة أعوام من جلسات الحوار مع الحوثيين ومعرفة سابقة بأسلوب الجماعة من خلال عقد من الحرب وطابعها التمددي جغرافياً.

 

الميدان وخفاياه

منذ بدأت المشاورات في الكويت الشهر الماضي، سار الحوثيون وأنصارهم على ذات الوتيرة التي ساروا فيها أثناء مؤتمر الحوار الوطني (انطلق في 18 مارس/آذار 2013 واختتم أعماله في 25 يناير/كانون الثاني 2014). حينها كانوا يناقشون على الطاولة بينما يستولون على مناطق واسعة في محافظات الجوف وصعدة وحجة وعمران. يومها كانت الرئاسة اليمنية تركز على إنجاح الحوار الوطني، فيما تناسى الجيش دوره أو تم توجيهه بالتغاضي عما ترتكبه الجماعة على الأرض.

السلوك نفسه تتبعه جماعة الحوثيين وحليفها الرئيس السابق منذ بدأت مشاورات الكويت الشهر الماضي، حيث استمرت حشود تحالف الانقلاب تتزاحم على تعز آتية من عمران ومناطق شمال البلاد. توغلت جماعة الحوثيين في مناطق كثيرة كانت قد استعادتها "المقاومة" إلى جانب الجيش المساند لها، كما حدث في مديرية الوازعية غرب تعز وغيرها من المناطق بينما تصبّ الحكومة كل جهودها وانتظاراتها على مشاورات الكويت. ساعد في كل ذلك التوغل لتحالف الانقلاب، إصرار المجتمع الدولي على فصل الطاولة عن الميدان، وهو المسار الذي أعلنه المبعوث الأممي، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، معتقداً أن ذلك سيساعد في الخروج بتوقيعات جديدة على الطاولة، حاملاً على عاتقه هم عدم إنجاز أي توقيع بين الطرفين منذ توليه منصبه.

 

التحالف والنوايا والهواجس

من جهتها، اعتقدت قيادة قوات التحالف العربي أنها يجب أن تساند نجاح المشاورات السياسية، وسط إدراك أن الحرب ستتوقف ذات يوم بحل سياسي. في المقابل، كانت المليشيات تتوغل في الجبهات بينما طيران التحالف ملتزم بقرار التهدئة. وبعدما طال أمد السكوت على الخروق التي ترتكبها قوات تحالف الانقلاب، أشعر هذا الأمر كثراً من رافضي الانقلاب بأن التحالف العربي لم يعد يرغب بمواصلة الحرب حتى تتحقق أهداف "عاصفة الحزم" و"إعادة الأمل".

 

عززت تلك المخاوف زيارة الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، عبداللطيف الزياني، للكويت ولقاؤه بالمتشاورين، وتسرب بعض التفاصيل عن فحوى اللقاءات التي عقدها وما حملته من تشديد على ضرورة العودة بأي اتفاق. كما سبق ذلك لقاء المتحاورين بأمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد الصباح، وصولاً إلى تصريحات وزير الخارجية السعودي عادل الجبير بأن "الحوثيين مهما اختلفنا معهم فإنهم يظلون جزءا من النسيج الاجتماعي لليمن". هذه التصريحات، بقدر ما اعتبرها كثر من السياسيين أنها واقعية، بقدر ما رفعت نسبة الإحباط لدى الأوساط الشعبية المساندة للحكومة والشرعية، ولا سيما بعدما اعتبرت أن ما حملته من مواقف تعكس تراجعاً عن تصنيف السعودية للحوثيين سابقاً بأنهم "جماعة إرهابية"، وهو التصنيف نفسه الذي اعتمدته الإمارات أيضاً.

 

كذلك دفعت هذه التصريحات فضلاً عما تضمنته المقابلة التي أجراها المتحدث باسم الحوثيين، محمد عبد السلام، مع صحيفة سعودية قبل فترة وجيزة، مراقبين إلى القول إن السعودية ربما باتت على مقربة من التوافق مع الحوثيين وأنها أرهقت من تعامل قيادة الشرعية ورخاوتها في إنجاز مهامها لمساندة الدور السعودي والإماراتي في الميدان. لكن الواقع يظهر أن ما يحدث في الميدان مختلف عن التسويق الإعلامي، والهدنة في الحدود تخرق والصواريخ الباليستية لم تتوقف بشكل نهائي، وهذا ما يشكك، من وجهة نظر البعض، في مدى ترجمة تصريحات للطرفين لتفاهمات محددة.

 

عدن... الطعن من الظهر

التعقيدات المرتبطة بمسار التطورات في اليمن لم تتوقف عند هذا الحد. أثناء مراقبة الشارع لما يدور منذ بدأت المشاورات في الكويت، فوجئ الجميع بطعنة مؤلمة جديدة في ظهر طرف المساندين للشرعية، من خلال ترحيل مئات من أبناء المحافظات الشمالية وتحديداً أبناء تعز من محافظة عدن. تعاملت الحكومة مع الإشكالية بخطوات أقرب إلى العجز. وفي موازاة تصريحات الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي ومسؤولي الحكومة المنددة بعمليات الترحيل القسري والمحذرة من تداعياتها، كانت تصريحات المسؤولين الذين عينتهم القيادة الشرعية في عدن تعزز المضي في نهج الترحيل. وشكلت تطورات عدن ضربة موجعة لوفد المشاورات بدرجة أولى، ثم للعامة من الناس الرافضين للحوثيين والرئيس السابق.

 

وبحكم تواجد القوات العسكرية الإماراتية في عدن، وتحملها مسؤولية إدارة مناطق الجنوب المحررة، وجهت الاتهامات الشعبية لها في ما يتعلق بالإجراءات الجديدة، بينما تتحدث معلومات عن زيارة قصيرة قام بها الرئيس اليمني إلى أبوظبي والتقى قيادات دولة الإمارات وكانت نتائج اللقاء "غير إيجابية". حاول هادي احتواء الموقف في الجنوب، لكن أثبتت الأيام ومجريات الأحداث حجم التباين لدى قيادة الشرعية والمسؤولين في المدينة.

 

أسئلة أهداف الحرب
أطلقت دول التحالف العربي عبر "عاصفة الحزم" أولاً ومن ثم "إعادة الأمل" قائمة من الأهداف التي تصدرتها إعادة الشرعية وإسقاط الانقلاب، وهي الأهداف التي سيعني التخلي عنها هزيمة لدول التحالف بقيادة السعودية. اليوم، تقف قيادة التحالف على حافة أسئلة مصيرية حيال بقاء تلك الأهداف كونها هي من ستحسم الواقع السياسي. القناعات الشعبية والرسمية تدرك أن محاولة الضغط على طاولة المشاورات لن تمنح لتلك الأهداف أي تقدم، كون الطروحات وضعت على طاولة واسعة التباين في استيعاب الانقلابيين للمشهد، فهؤلاء جاؤوا من موقع يعتقدون أنهم المنتصرون فيه، ويتفاوضون على نصيبهم الأكبر من كعكة المستقبل. ولدى المتشائمين إزاء ما يحصل في الكويت حججهم الكافية؛ الحوثيون، بحسب هؤلاء، يحاورون في الكويت على مسألة الانسحاب من المؤسسات، بينما يعينون نائبا عاما ويعزلون قيادة المؤسسة الاقتصادية وقيادة التموين العسكري ورئاسة هيئة أراضي الدولة، ويقتحمون لواء عسكرياً ويعتقلون قائده، إلى غير تلك الأعمال من تعزيز تواجدهم. واقع ما يجعل جزءاً من مؤيدي الشرعية يرون أن العودة للحسم العسكري تمثل الخيار الأمثل. وفي هذا السياق، تصل إلى مكتب هادي وقيادة التحالف منذ فترة ليست بقصيرة، نصائح مفادها أنه لا بد لهم من الاقتناع بأن محافظة تعز هي أولى طرق انتهاء الحرب، على اعتبار هذه النصيحة دعوة إلى السلام لا إلى الحرب.

زر الذهاب إلى الأعلى