[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]
تقارير ووثائق

السيول الجارفة تواصل حربها على اليمنيين

منذ عام 1978، لم يعرف وادي غيل بني عُمر في تعز اليمنيّة، سيولاً مماثلة. حتى أنّ ما جرى في ذلك العام، كان أخفّ وطأة من كارثة اليوم التي جرفت المزارع وقتلت عدداً من المواطنين.

 

يستمرّ سوء الأحوال الجويّة في مفاقمة أوضاع اليمنيّين، كأنّما الطبيعة أيضاً تستهدفهم. مساء أول من أمس الأحد، لقي 15 يمنياً حتفهم من جرّاء انهيار صخري تسببت فيه أمطار غزيرة وسيول جارفة أدّت إلى تدمير ستة منازل وعشرات المزارع، الأمر الذي أدّى إلى تضرّر آلاف الأهالي الذين يعتمدون على الزراعة كمصدر وحيد للعيش في منطقة اللصبة جنوب محافظة تعز (وسط).

 

الشيخ غسان المعمري من وجهاء المنطقة، يوضح أنّ 14 امرأة وطفلاً واحداً لقوا حتفهم بسبب انهيار كتل صخرية كبيرة على خمسة منازل يملكها المواطن سعيد علي العير، في منطقة غيل بني عُمر اللصبة في مديرية الشماتين. ويشير إلى أنّ أربعة أشخاص من الأسرة نفسها نجوا، إذ كانوا في منازل مجاورة لتلك التي تضرّرت. يضيف المعمري أنّ فرق الإنقاذ (حتى لحظة كتابة هذه الأسطر) تعاني صعوبة في الوصول إلى موقع الانهيار الصخري، نظراً لوعورة الطرقات، فالمنازل تقع في منطقة جبلية شاهقة بعيدة عن الطريق العام. ويوضح أنّ أهالي القرى المجاورة توجّهوا إلى مكان الحادث لإخراج الضحايا.

 

من جهتهم، يقول الأهالي إنّ أسباب عدم قدرة المنقذين على إخراج الجثة الأخيرة، هو كبر حجم الصخور التي سقطت على المنازل. لهذا يعملون اليوم على تكسير هذه الصخور لانتشال من تحتها.

 

تجدر الإشارة إلى أنّ انهيارات صخرية أخرى من جرّاء الأمطار الغزيرة، قد تسببت في إبريل/ نيسان الماضي في مقتل ما لا يقلّ عن عشرة أشخاص وجرح آخرين وتدمير عدد من المنازل في محافظتَي عمران وحجة، شمالاً.

 
أمّا السيول الأخيرة المتدفقة من الجبال والمنحدرات المحيطة بوادي غيل بني عُمر، فقد جرفت عشرات المزارع لتسوّيها بالأرض تماماً، بحسب ما يقول المزارع علي محمد الصغير. يضيف أنّ "الأهالي لم يشاهدوا قط في حياتهم مثل هذا السيل الذي لم ينته إلا بعدما اقتلع آلاف من أشجار المانجو والنخيل والجوافة والذرة، بالإضافة إلى مزروعات عديدة يعتمد عليها أهل المنطقة لكسب رزقهم". ويتابع أنّ "المياه المتدفقة من منطقة الحجرية والأثاور والمعافر ووادي البركاني، تصبّ في هذا الوادي، وهو الأمر الذي جعل كميات المياه كبيرة جداً. بالتالي وصلت إلى منطقة بني علي والموزع، حتى صبّ السيل في ساحل المخا".

 

وإذ يشير الصغير إلى أنّ "في عام 1978 حدث أن امتلأ الوادي بالمياه التي جرفت المزارع، لكنّ الأمر كان أقلّ حدّة من سيل مساء الأحد"، يؤكد أنّ "المزارع الممتدة على جانبَي الوادي تحوّلت اليوم إلى أرض مسطحة من رمل وصخور وبقايا أشجار حملتها السيول معها من مناطق مختلفة. بالتالي، فإنّ عملية إعادة تأهيل هذه المزارع مسألة صعبة وتحتاج إلى إمكانيات كبيرة لا يستطيع المزارع البسيط توفيرها". ويقول إنّ "لا أحد في هذه المناطق يعمل مع الحكومة سواءً في الوظائف المدنية أو العسكرية، وليس لدينا مصدر دخل إلا ما نجنيه من بيع منتجاتنا الزراعية. كذلك، نستهلك من تلك المنتجات".

 

الصغير والمزارعون الآخرون يعلمون أنّ "لا دولة وبالتالي ما من جهة نوجّه مناشدتنا إليها". ويتحدّث عن الخسارة التي تكبّدها بسبب "كارثة السيول"، موضحاً: "خسرت كلّ ما زرعته في أرضي. كذلك جرفت ثلاثة شفاطات (مولدات) تعمل على المحروقات تتجاوز قيمتها مليون ريال يمني (نحو خمسة آلف دولار أميركي). وهذا ما حصل مع عديد من المزارعين، إذ نحن نستخدم هذه الشفاطات لجلب المياه من الوادي بهف سقاية زرعنا".

 

في السياق ذاته، يشكو المزارع محمد عبد الواسع من عدم معرفته بما يمكن فعله خلال الأيام المقبلة. يقول: "دمّرت السيول مصدر دخلي وأسرتي الوحيد، لا سيما في ظل الأوضاع الراهنة التي تمر بها تعز واليمن عموماً. السيول دمّرت مستقبل أسرتي، وأنا في حاجة إلى سنوات لكي تعود الحياة إلى مزرعتي كما كانت في السابق، ولكي أتمكّن من جني الثمار وبيعها في الأسواق. بعض المزروعات تحتاج إلى سنوات حتى تبدأ في إنتاج الثمار". يضيف أنّه في حاجة إلى "أموال كثيرة لإعادة تسوية الأرض وزراعتها بالقمح مؤقتاً، بالإضافة إلى معونات غذائية لتساعدني وأسرتي على العيش حتى أتجاوز هذه الأزمة وأعود إلى الاعتماد على أرضي في توفير المال والغذاء كما في السابق". يُذكر أنّ عدد سكان وادي غيل بني عُمر يصل إلى نحو 3700 نسمة، يعتمدون جميعاً على الزراعة كمصدر وحيد للدخل.

 

ويوضح "عاقل المنطقة" مطيع عبد الحفيظ، أنّ السيول دمّرت مزارع كثيرة على امتداد نحو 20 كيلومترا، مشيراً إلى أنّ الجهات المختصة في محافظة تعز لم تنتدب حتى اليوم أيّ وفد أو لجنة لمعاينة ورصد الأضرار التي طاولت المنطقة ومساعدة الأهالي. ويقول إنّهم تلقوا وعوداً من المحافظة والمديريّة بمعاينة الأضرار لمساعدة المتضررين، إلا أنّ ذلك لم يحدث. يضيف: "يحتاج المزارعون إلى توفير معدات لهم لتسوية الأراضي والتخلص من الحجارة والرمال التي حملتها السيول وبناء حواجز لحماية المزارع، حتى لا تتكرر الكارثة". ويؤكّد عبد الحفيظ أنّ "المزارعين يواجهون مشكلة حقيقة مرتبطة بتوفير الغذاء ومصدر الدخل لهم ولأسرهم خلال الفترة المقبلة"، مطالباً الحكومة والمنظمات الدولية بتوفير مساعدات سريعة.

زر الذهاب إلى الأعلى