اليمن: انسداد الأفق في الكويت
تنشغل دولة الكويت وأميرها منذ أكثر من شهرين باستضافة ومتابعة مفاوضات / مشاورات بين وفدي الحكومة "الشرعية" و"أنصار الله" (الحوثيين) / المؤتمر الشعبي وبحسب ما يدلي به المبعوث الخاص للأمم المتحدة السيد إسماعيل ولد الشيخ فإن الطرفين لم يدخلا في عمق القضية الأساسية التي تهم الأغلبية الساحقة من المواطنين الذين تتزايد نقمتهم وغيظهم تجاه كل من يتواجد من اليمنيين في الكويت، وهي وضع حد نهائي للحرب.
كل ما يتم بحثه في "قصر بيان" لم يتجاوز حتى هذه اللحظة حد ترتيب جدول الأعمال ونقاط البدء في تنفيذ القرار الشهير ٢٢١٦ الذي أخشى أن يصير كقرار الأمم المتحدة الخاص بتقسيم فلسطين ثم مستنسخاته التي تملأ رفوف المنظمة الدولية ومنظماتنا الإقليمية، وصارت المطالبة بتنفيذها جزءًا أصيلاً من البيانات الختامية لكل لقاء عربي وإسلامي.
يعاتب الكثيرون أنني لا أبدي تفاؤلا يعينهم على انتظار يوم أفضل، ولكني أرى أن هذا فيه تدليس وكذب، فليست مهمة الكاتب إشاعة الوهم ولا اجتراح المعجزات، وإنما مسؤوليته الحقيقية الصادقة هي نشر ما يجري فعلا على الأرض وشرح أبعاده لكن من العسير جدا بعث روح أمل مفقود ووهم تفاؤل بلا سند يدعمهما، لأن المعرفة الدقيقة لآثار الدمار الذي لحق بالبنى الاجتماعية والمناطقية، ولن أتطرق إلى الخراب في البنى التحتية المتهالكة أصلا، لم تتضح هول فاجعتها بعد، ورغم أن بدايات العاصفة المدمرة الحقيقية كانت في ٢١ سبتمبر ٢٠١٤م ورغم أن نتائجها كانت واضحة للجميع إلا أن "الشرعية" وكافة الأحزاب تعاملت معها وقبلت بها بانتهازية مدهشة، المشاركة في الحكومة التي تشكلت بعدها برئاسة الأستاذ خالد بحاح.
خلاصة الموقف الحالي أن اليمنيين صاروا مرتهنين لقوة بيدها ورقة الشرعية ولكنها عاجزة عن انتزاع حقوقها وممارسة مسؤوليتها، وسلطة ثانية سطت على رقعة كبيرة من الأرض وفرضت قوانينها الذاتية التي تناسب أهداف جماعتها النهائية التي لم تخرج إلى العلن حتى هذه اللحظة.
إن الحالة الاستثنائية التي مر بها اليمنيون منذ انقلاب يناير ٢٠١٥خلقت أوضاعا لا يمكن التعامل بها بوسائل طبيعية لأن جماعة أنصار الله (الحوثيين) يتعمدون نسف القواعد الإدارية في مؤسسات الدولة ويجرون داخلها عملية مستمرة متتالية من التعيينات خارج الأطر المتعارف عليها ويتعمدون الانحراف بسير عملها بما يخدم تواجدهم المستقبلي حتى اذا ما تم التوصل إلى اتفاق نهائي تكون سيطرتهم قد اكتملت، وهنا تكمن الخطورة الحقيقية في تأخر الوصول إلى نتيجة إيجابية في الكويت.
هناك أيضا الإجراءات التي تمت داخل الأجهزة الأمنية والعسكرية وجرى فيها إدخال أعداد غير معروفة فيها بحيث يصبح من العسير التعامل معها ومعهم، ولا يخفى أن هذه المسألة ستجعل الحديث عن مؤسسات وطنية تعتمد على القوانين الوطنية والدستور أمراً غير ذي جدوى، في الوقت الذي لم تتمكن فيه "الشرعية" الانتهاء من تشكيل جيش وطني حقيقي وهنا يجب الحديث صراحة بأن ما يتم الحديث عنه في هذا المضمار هو اعتماد مجاميع تم تكوينها بطريقة مناطقية بحيث صارت تدير كل منها ألوية وقيادات من أبناء المنطقة لا تهتم بما يدور خارجها وأنا هنا لا أذيع سرا في أن المحنة التي تواجهها تعز تعكس هذه التركيبة الشاذة في "الجيش الوطني".
من المحتم أن الجميع يدرك مدى فداحة الاستمرار دون طائل في استنزاف الوقت في "قصر بيان" ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو: فما البديل عن استمرار التفاوض/ التشاور بين طرفين أحدهما غير قادر على تعديل الأوضاع على الأرض، وآخر غير مكترث ولا معني بما يعانيه المواطن البسيط؟
إن الإصرار على عدم تقديم تنازلات كبرى والتفكير خارج إطار المألوف سيحيل ما يجري في الكويت قضية عدمية تؤدي إلى حالة من الاختناق الكامل، وهنا أطرح فكرة قد تساهم في الخروج من القواعد غير المجدية التي تعمل بها الأمم المتحدة.
ماذا لو بدأ التفكير في إجراء مصالحات محلية في كل منطقة جغرافية يتفاهم اللاعبون الحقيقيون فيها على استعادة السلم الاجتماعي وتسيير حياة الناس فيها؟ وتلك قد تكون خطوة تمكن المواطنين من بدء حياة طبيعية بعد زمن كان طويلا في حياتهم وحياة اليمن لن يفيقوا قريبا من تبعات الزلزال الذي أقض مضاجعهم... وقد يكون ما جرى مؤخرا في تعز من تبادل للأسرى نموذجا يتكرر.
في عام ١٩٧٧ كتب الراحل العظيم نزار قباني رسالة إلى مسلح (هل أنت سعيد بما فعلته؟ هل ساعدك هدم بيتي على تعمير بيتك؟ وهل أدى موتي إلى إطالة حياتك؟ هذه الحرب تثبت أن خسارتك كانت تعادل خسارتي، وموتك بحجم موتي. في هذه الحرب يا عزيزي المسلح تساوينا في الهزيمة).
هل يقرأ من في "قصر بيان"؟ هل يشعرون بمآسي اليمنيين وخيباتهم وغضبهم عليهم؟ هل يدركون معاناتهم؟
أشك كثيرا، وأتمنى أن أكون مخطئا وأنهم قد ارتقوا أخلاقيا ووطنيا.