[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]
تقارير ووثائق

عودة "زوار الليل"... اعتقالات غامضة تقلق حضرموت

استبشر سكان مدينة المكلا، مركز محافظة حضرموت شرقي اليمن، بتحرير المدينة من سيطرة تنظيم القاعدة أواخر إبريل/ نيسان الماضي، لكن الواقع الجديد والاعتقالات الغامضة التي تشهدها المدينة يوماً بعد آخر تدفع البعض إلى التوجس من مرحلة تبدو غامضة خصوصاً في جزئها الأمني. وارتفعت أخيراً وتيرة الاعتقالات التي يقوم بها مسلحون مجهولون تارة وقوات الجيش تارة أخرى، وتستهدف في الغالب رموزاً دينية وقيادات محسوبة على ما يسمى "الإسلام السياسي".

 
وتسود الاعتقالات حالة من الغموض بخصوص الجهة التي طلبت الاعتقال، ومن يحقق، وبأي تهمة، وأين يتم التحقيق؟ لكنها أسئلة قل أن يتم إيجاد أجوبة لها، فأخبار الكثير من المعتقلين انقطعت ولا يُعرف عنهم شيء.

 
لكن ما يثير الجدل هو أن الاعتقالات التي تقوم بها جهات مجهولة تقابل بصمت من قبل الحكومة اليمنية والسلطات المحلية والأمنية بالمحافظة. ويزيد هذا الأمر المخاوف من أن تُستغل هذه الاعتقالات في تصفية حسابات بين الأطراف السياسية.

 
"زوار الليل"
وتعيد حوادث الاعتقالات إلى الأذهان "زوار الليل"، وهي التسمية التي كانت تطلق على الذين كانوا يستهدفون القيادات الدينية خلال حكم الحزب الاشتراكي في جنوب اليمن خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي.

 

ويتخوف السكان من تكرار هذا السيناريو حالياً في ظل استجلاب قيادات اشتراكية كانت في المنفى أمثال سالم جبران الذي قُدم على أساس أنه قائد لـ"المقاومة"، على الرغم من أنه لم تتشكل أي مقاومة في محافظة حضرموت كون المحافظة لم تخضع لسيطرة الحوثيين.

 
آخر حوادث الاعتقالات طاولت إمام مسجد الشهداء في المكلا، شريف السيود، في السادس عشر من شهر يونيو/حزيران الماضي. وتمت عملية الاعتقال بطريقة مستفزة، إذ اعتقل السيود من محرابه بعد الانتهاء فوراً من صلاة التراويح وسط استنكار وشجب من قبل المواطنين الذين خرجوا في تظاهرة احتجاجاً على ما حدث، قبل أن يتم الإفراج عنه تحت الضغط الشعبي.

 
وكانت موجة الاعتقالات قد بدأت بعد أيام فقط من تحرير مدينة المكلا، حيث قام مسلحون يدّعون أنهم من "المقاومة" مطلع مايو/أيار الماضي باعتقال رئيس جمعية الإحسان وعضو مجلس علماء أهل السنة والجماعة الشيخ عبدالله اليزيدي، والشيخ أحمد برعود قبل أن يتم لاحقاً اعتقال الشيخ سالم باكرشوم إمام وخطيب أحد مساجد المكلا. ولايزال المذكورون قيد الاعتقال.

 
وفي السياق نفسه، قامت قوات الجيش اليمني في مدينة المكلا منتصف شهر مايو باعتقال القيادي في "المقاومة الشعبية" محمد بارحمة واثنين من أشقائه قبل أن يعلن مقتله تحت التعذيب في ظروف غامضة، في حادثة هي الأكثر جدلاً حتى اللحظة.

 
وفي مطلع شهر رمضان، قامت قوة عسكرية تقول إنها من "المقاومة" باقتحام مقر المكتب التنفيذي لحزب الإصلاح اليمني (الإخوان المسلمون) بمدينة المكلا وتفتيشه ومصادرة الأقراص الصلبة للحواسيب واعتقال حراسة المكتب ومديره عوض الدقيل واقتيادهم لجهة غير معروفة، قبل أن يطلق الحراك ويتم الإبقاء على الدقيل.

 
وتفصح سلسلة الاعتقالات التي تمت عن خطة ممنهجة في هذا الاتجاه تتبعها الجهة المنفذة للاعتقالات، مستغلة غياب مؤسسات الدولة وإغلاق المحاكم والنيابات لتتعامل مع الوضع بما يشبه حالة الطوارئ.

 
وبعد جملة اعتقالات ومداهمات خرجت السلطة المحلية ببيان عقب استهداف مقر لحزب الإصلاح بمدينة المكلا، معتبرة ما حدث "أعمالا صبيانية" تقوم بها بعض العصابات، مؤكدة أن بعض الاعتقالات تتم بدون علمها، ووعدت بمحاسبة المتسببين بها.

 
لكن البيان، وإن كان شجب اقتحام مقر الإصلاح، إلا أنه يفتح الباب أمام تساؤلات عدة، إذ كيف لعصابة أن تملك آليات عسكرية تصول وتجول في المدينة، ومن ثم أين دور السلطات الأمنية التي من المفترض أنها هي من تقوم بمهمة استدعاء واعتقال المطلوبين لديها؟

 
وفي السياق، طالبت كيانات سياسية ومنظمات مجتمع مدني في لقاء تشاوري عقدته يوم الجمعة الماضي بتفعيل عمل المحاكم والنيابات والأجهزة الأمنية لتقوم بدورها. ودعا المجتمعون إلى فتح تحقيق في قضية مقتل عدد من المعتقلين تحت التعذيب وإطلاق سراح المعتقلين دون تهمة.

 

من يقف وراء الاعتقالات؟

تشير أصابع الاتهام في كثير من الاعتقالات إلى ما يسمى ب"المقاومة" التي يقودها القيادي في الحزب الاشتراكي في دولة الجنوب قبل عام 1990 سالم جبران، الذي جيء به لأداء دور ما بعد 22 عاماً في المنفى بدولة الإمارات.

 
وتقول مصادر، إن عدداً من المعتقلين يتم التحقيق معهم في منطقة الريان، وهي منطقة عسكرية مغلقة بإشراف إماراتي، حيث تتواجد قوة مدعومة بخبراء أجانب تتولى مهمة التحقيق مع المعتقلين.

 
ويؤكد قيادي في حزب الإصلاح بمحافظة حضرموت الأمر، مشيراً إلى أن التحقيق مع القيادي في الحزب، عوض الدقيل، يتم في منطقة الريان العسكرية التي تخضع لسيطرة إماراتية بحتة. ويلفت إلى أنهم تلقوا وعوداً بالإفراج عنه في انتظار تنفيذها على الواقع.

 
تشير الوقائع على الأرض إلى أن نفوذ السلطة المحلية لا يتعدى الجوانب الخدمية في حين ظهرت عاجزة ومرتبكة في التعامل مع الملف الأمني الذي تتحكم فيه الإمارات بشكل لافت.

 
وفي هذا السياق، يقول مصدر عسكري لـ"العربي الجديد" إن الاهتمام الذي يلقاه منتسبو معسكرات التحالف التي أشرفت عليها الإمارات يختلف كثيراً عن تلك المعسكرات التابعة للمنطقة العسكرية الثانية.

 

 

تحذير من التداعيات

ويحذر مراقبون سياسيون من أن تستغل جهات معينة الاعتقالات في تصفية حسابات مع أطراف سياسية مستفيدة من حالة الانفلات الأمني. وفي السياق يقول الكاتب السياسي منصور باوادي إن مرحلة الحرب تعقبها اختلالات واضطرابات أمنية، مما يستوجب على الجيش أن يكون يقظاً وحازماً، لكن ما تشهده حضرموت من حملة اعتقالات واسعة، وبصورة مخجلة جداً، طاولت حتى مشايخ وعلماء ودعاة لا علاقة لهم بالإرهاب لا يبشر بخير أبداً لأن حضرموت لم تشهد حالة حرب كما هو الحال في بعض المدن.

ويطالب باوادي، قوات النخبة الحضرمية، التي تشكلت حديثاً، أن تكون هي من يطبق النظام لا من يخترق النظام، وأن تراعي في عملية الاعتقالات الأطر القانونية وأن لا تستهدف جهة معينة أو تيارا ما فقط، مما يخلق نوعاً من التصادم الداخلي. ويلفت إلى أن هناك حديثا يتردد بين المواطنين عن وجود جماعات تتبنى هذه الاعتقالات ليس لها أي صلة بالجيش ومؤسساته العسكرية.

 
ويضيف "نحن مع ضبط الأمن، لكن وفق النظام من دون تعسف أو انتهاك للحريات والمقدسات كالمساجد واجتياحها بصورة مزرية، وأن توضح المؤسسة العسكرية للرأي العام أسباب هذه الاعتقالات ونتائجها ولا سيما تلك الحالات التي ظهر فيها قتل وتعذيب"، على حد قوله.

 
ويحذر باوادي من أن "الاعتقالات التعسفية ستؤدي إلى مآلات خطيرة جداً وتنذر بكوارث جمة على المواطن، ولعل من أبرزها فقد الثقة في جيش النخبة الذي فرح به المواطنون"، على حد قوله. ويلفت إلى أن "هذه الاعتقالات ستشجع تجار الأزمات على استغلالها، مما ينذر بتفشي الجريمة وانتشار المليشيات والدخول في صراع داخلي المتضرر منه هو المواطن".

 
من جهته، يقول الناشط السياسي جمعان بن سعد إن "الاعتقالات كانت غامضة حتى تم اعتقال القيادي في محافظة شبوة والذي قتل تحت التعذيب، فعندها تجلت حقيقة الجهات التي تقف خلف هذه الاعتقالات اللامسؤولة وغير القانونية".

 
ويُرجع بن سعد، في حديثه لـ"العربي الجديد"، جذور المشكلة إلى "المؤتمر الصحافي الذي عقده محافظ المدينة مع قيادة التحالف والمنطقة العسكرية الثانية والذي قدم فيه سالم جبران كقائد للمقاومة، في خطوة يراد منها تجنيد مليشيا تقوم باعتقال الشرفاء والسياسيين البارزين وإسكات الأصوات العالية وتطويع المجتمع للقبول بالآتي مهما كان سيئاً"، على حد قوله.

 
ويحذر بن سعد من أن "مستقبل حضرموت في خطر إذا ظلت هذه المليشيات تمارس عملها خارج إطار القانون". ويرى بن سعد أن الحل في تفعيل جهاز الشرطة والنيابات والمحاكم كونها الجهة المخول لها حفظ الأمن، وكفالة حقوق المتهم في الدفاع عن نفسه حتى تثبت إدانته أو براءته".

زر الذهاب إلى الأعلى