تقارير ووثائق

يمنيّون يتبرّعون بالضوء

يتضامن اليمنيّون مع بعضهم بعضاً للتغلب على انقطاع التيار الكهربائي العمومي المستمر منذ عام وأكثر، ويعملون لمواجهة الظلام الدامس بطرق مختلفة منها مبادرات مجتمعية لإضاءة الشوارع والأسواق. يُذكر أنّ شاغلي السوق التجاري الممتد في شارع 26 سبتمبر في مدينة تعز (وسط)، هجروه بسبب الظلام الدامس الذي يسيطر على المكان من جرّاء عدم إضاءة أعمدة الإنارة التابعة للدولة.

 

عندما شعر سكان ذلك الشارع وأصحاب المحال التجارية باليأس وعدم جدوى انتظار التيار الكهربائي الذي تزوّدهم به الدولة، قرروا "التبرّع" لإنارة شارعهم. يقول عاقل السوق وضاح العديني إنّ "الظلام كان سبباً في طرد الزبائن وزائري السوق الذي يعدّ من أبرز أسواق المدينة.

 

وقد واجه أصحاب المحلات التجارية مشكلة حقيقية من جرّاء عزوف الزبائن خلال شهر رمضان" الذي شارف على نهايته. يضيف أنّ "التجار وأصحاب البسطات كانوا ينتظرون شهر رمضان بفارغ الصبر، إذ هو بالنسبة إليهم موسم هام يعوّضون من خلاله خسائرهم المتراكمة على مدى أشهر السنة كاملة. ولأنّ الناس في هذا الشهر ينشطون ليلاً، فكان من الصعب أن يقصدوه وهو غارق في الظلام".

 

ويلفت العديني إلى أنّ "كلّ صاحب محلّ تجاري وضع لمبات إنارة أمام محله، ليُضاء جزء ولو بسيط من المكان. ويوفّر أصحاب المحلات هذه الطاقة عن طريق المولدات الكهربائية أو عبر الألواح الشمسية الخاصة بهم". ولأنّ الإضاءة على الطاقة الشمسية ليست منتشرة، بادر العديني بصفته عاقل السوق، إلى توفير أعمدة إنارة خاصة ومولد كهربائي كمساهمة منه لإضاءة المواقع التي لم يصل إليها النور. ويخبر أنّ "ليالي رمضان بدأت كئيبة هذا العام، إذ لا زبائن ولا ازدحام كما في كلّ عام. كذلك فإنّ محال تجارية عديدة أغلقت أبوابها وترك الباعة المتجوّلون وأصحاب البسطات السوق. لكنّ الأمر تحسّن في الأيام الأخيرة وعادت الحركة إلى السوق".

 

في السياق ذاته، يبادر مواطنون كثر في محافظات اليمن ومناطقها المختلفة إلى تركيب مصابيح كهربائية أمام منازلهم لإضاءة الشوارع بعدما تحوّلت إلى ممرات موحشة خالية من الناس على خلفيّة الظلام الدامس. يخبر محمد عبدالله، وهو من سكان مدينة المحويت (شمال)، أنّه اشترى قبل أشهر ألواح طاقة شمسية لتوليد الكهرباء، وحرص أن يضع إنارة أمام منزله لتضيء الشارع. وهذا ما يقوم به كثيرون من سكان المدينة، بحسب ما يشير. يضيف: "أهتمّ بالإضاءة الخارجية أيضاً لأنّني أرى ذلك بمثابة صدقة جارية. فالمارة ينتفعون من وجودها كثيراً وهذا يشعرني بالسعادة". ويوضح أنّ هذه الإنارة تفيد النساء والأطفال، ليكون تنقلهم من مكان إلى آخر آمناً، لافتاً إلى أنّ "أطفال الحيّ باتوا يلعبون في ليالي رمضان بالقرب من منزلي لتوفّر الضوء".

 

من جهته، يصف الناشط الاجتماعي عبد الحكيم مغلس هذه المبادرات ب "العظيمة"، بعدما كانت الحرب قد قضت على التيار الكهربائي تماماً في المدن اليمنية بما فيها تعز (جنوب) التي استُهدِفت محطات توليد الكهرباء فيها. يقول إنّ "المدن عاشت عتمة مستمرّة، وكان الظلام وحده المسيطر على الشوارع والأزقّة، الأمر الذي ولّد القلق في نفوس الناس وحدّ من تنقلاتهم. لذا، كان لا بدّ من إيجاد وسيلة لإنارة الشوارع مع حلول شهر رمضان، حتى يتمكّن الناس من التحرّك فيها براحة واطمئنان". ويؤكّد أنّ مبادرات السكان الذاتية أعادت الحياة إلى هذه المناطق.

 

ويتابع مغلس: "بعدما كانت هذه المبادرات فردية في البداية وكلّ مواطن يضيء أمام منزله، تطوّر الأمر ليصبح نشاطاً أكثر تنظيماً. وقد نجحت هذه المبادرات إلى حدّ كبير في تخفيف المشاكل وتخطّي المعوّقات الناتجة عن الانقطاع الدائم للتيار الكهربائي العمومي. وعادت الحياة الليلية الرمضانية إلى الأسواق والشوارع الرئيسية كما ألفناها وعرفناها منذ عقود بعد أشهر طويلة من الظلام".

 

تجدر الإشارة إلى أنّ وزارة الكهرباء والطاقة اليمنية كانت قد وعدت بتركيب أعمدة إنارة تعمل بالطاقة الشمسية في شوارع العاصمة صنعاء، لكنّها لم تتمكن إلا من تركيب ثمانية أعمدة في أحد شوارع صنعاء القديمة، نتيجة نقص كبير في التمويل. وبحسب تصريح سابق لوكيل وزارة الكهرباء والطاقة للشؤون الفنية والطاقة المتجددة، المهندس حارث عبد الكريم العمري، فإنّ لدى الوزارة خطة متكاملة لإنارة ميادين أمانة العاصمة وساحاتها وشوارعها الرئيسة والمباني والمرافق الحكومية فيها، من خلال الطاقة الشمسية في ظلّ الانقطاع الكلي للتيار الكهربائي. وقد لفت العمري في تصريحه إلى أنّ "استخدام الطاقة الشمسية في المرافق الحكومية أحد العوامل المساهمة في التخفيف من الخسائر والتكاليف التي تتحملها الدولة في حال توليد التيار الكهربائي باستخدام المحطات الكهربائية العادية والتي تعمل بالديزل والمازوت والغاز الطبيعي".

 

زر الذهاب إلى الأعلى