قناة "السعيدة".. ريادة الإعلام الوطني
لا أتفق أبداً مع من يذهب إلى أن قناة "السعيدة" تنأى بنفسها عن مرارة الواقع الذي يعيشه اليمن ولا تعكس برامجها المتنوعة قتامة هذا الواقع وسوداويته كما يجب.
والحقّ أنّ ما تقوم به القناة من دور إعلامي كبير، يعكس إحساسا عميقا بالواقع، وبالتالي تهدف من خلال أدائها الإعلامي أن تمثل صوت اليمن الرافض لكافة أشكال الموت، صوتاً ينضح بالحياة والأمل والرغبة في الإبداع رغما عن الظروف، هذا بصرف النظر عن بعض المآخذ الطفيفة على هذا العمل أو ذاك.
ثمة إدارة واعية لهدف كهذا يجعل من "السعيدة" نسخة لا تشبه غيرها من قنواتنا اليمنية التي ينزع معظمها لمعالجة الشأن السياسي انطلاقاً من تمترسات متضادة تسخّر كافة أشكال العمل الإعلامي لتعبّر بشكل فج عن هذه التمترسات بطريقة غالبا ما تحدو بالمواطن البسيط إلى عدم الصمود لأكثر من عشر دقائق أمام أي عمل درامي أو كوميدي أو إخباري في تلك القنوات على اختلافها، عكس السعيدة التي تسير منذ انطلاقتها، بخطى ثابتة لإيجاد ثقافة إنتاج اعلامي يمني قوي ومكين ومخدوم يتمتع بطابع الاستمرارية ويعكس أفضل ما في الشعب اليمني من مواهب وشمائل تقوّي ثقة اليمنيين بأنفسهم رغم المحن التي يعيشونها، ومؤكد أن أي عمل هادف لا يخلو من هفوات وهِنات، لكن الأداء بالمجمل يستحق التثمين.
وبالعودة إلى النقطة الأولى وهي مسألة الغيبوبة عن الواقع التي تُتّهم به القناة، نجد مثلاً، أنها خارج خارطة الشهر الكريم رمضان، تقدّم وجبتين صحفيتين كل جمعة واثنين تحويان تقارير من كل مناطق اليمن بصورة مهنية راقية هدفها إبراز معاناة المواطن بعيدا عن تسجيل الأهداف في مرمى هذا الطرف أو ذاك. كما أن سلسلة البرامج الحوارية وكذا السياسية المباشرة التي توقفت بفعل الانقلاب والحرب التي نتجت عنه، كانت أيضا رافداً ينمّي الحسّ الناقد لا الناقم، كما أنها خلال خارطتها الترفيهية في هذا الموسم الرمضاني حرصت على تنمية معاني التكافل والتراحم والصبر بأساليب غاية في المهارة.
أكتب هذه السطور وأنا أتابع احتفاء القناة الاعتيادي بالعيد، ولسان حالها يقول: "لنبتسم رغم كلّ شيء وهذا سرّ قوتنا كيمنيين"، ولعل هذه السياسة الإعلامية هي أكثر وقعاً على المغترب اليمني الذي يعي مأساة بلده ولا ينقصه أن يرى مشاهد الدماء والخراب التي تشكّل السمة الأبرز في بقية القنوات.
لقيادة القناة وكل العاملين فيها كلّ الشكر وكلّ عام وأنتم واليمن بألف خير.