[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]
تقارير ووثائق

المشاورات اليمنية أمام خيارات مفتوحة

خلط الاتفاق الموقّع بين جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) وحزب "المؤتمر الشعبي العام" الذي يترأسه الرئيس السابق علي عبدالله صالح، والقاضي بتشكيل مجلس سياسي أعلى لإدارة البلاد، أول من أمس الخميس، أوراق المشهد السياسي في اليمن، ووضع البلاد كلها أمام سيناريوهات حرجة عبّرت عنها ردود الفعل الحكومية، وبيان المبعوث الأممي إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، في وقت تبدو فيه خيارات الأطراف الأساسية مفتوحة على احتمالات متعددة في الفترة المقبلة، محكومة أولاً بنتائج المشاورات.

 
وكان رد فعل الحكومة أبرز تطور خلال الساعات الماضية، إذ أفادت مصادر قريبة من المشاركين في مشاورات الكويت، بأن الكويت شهدت اتصالات وجهوداً دبلوماسية مُكثفة بُذلت من قبل المبعوث الأممي وسفراء الدول الـ18 المعتمدين لدى اليمن، لإنقاذ المشاورات بعد أن كان وفد الحكومة في صدد إعلان الانسحاب من المحادثات، كرد فعل على الخطوة التي أقدم عليها الانقلابيون. ووفقاً للمصادر، فإن وفد الحكومة الذي هدد بمغادرة الكويت بعد ساعات من اتفاق الانقلابيين، نجح في استصدار موقف أممي حازم تجاه تلك الخطوة، يعتبر ما جرى انتهاكاً قوياً لقرار مجلس الأمن 2216 وتطوراً يخالف الالتزامات التي قطعها الطرفان في المشاورات. كما عقدت مجموعة سفراء الدول المشرفة على التسوية اجتماعاً بالوفد الحكومي، لمحاولة ثنيه عن قرار كانت مصادر قريبة من الوفد تحدثت عن اتخاذه، ويتمثل بالانسحاب من المشاورات.

 
وكان الإعلان عن التوجه للانسحاب من المشاورات الخيار الحكومي الفوري رداً على التطور الذي فاجأ به الانقلابيون الجميع يوم الخميس، وتعزز الموقف بتصريحات من أعضاء في الوفد، حيث أعلن نائب مدير مكتب الرئاسة اليمنية، وعضو الوفد الحكومي المشارك في مفاوضات السلام التي ترعاها الأمم المتحدة، عبدالله العليمي، أن المشاورات "انتهت تماماً"، وأضاف: "شاركنا وصبرنا لأجل شعبنا، وننهي المشاورات لأجله". وتابع أن "المليشيات الانقلابية أطلقت الرصاصة الأخيرة ليس فقط على مسار المشاورات بل على مستقبل العملية السياسية برمتها، وعليها تحمّل تبعات ذلك".

 
من جهتهم، بدا الانقلابيون في موقف حرج في المشاورات، مع رد الفعل الحكومي وموقف المبعوث الأممي الذي دان اتفاق الخميس. واعتبر ولد الشيخ أحمد أن هذا الاتفاق "يعرض مشاورات السلام في الكويت للخطر"، كما أنه "يشكل انتهاكاً قوياً لقرار مجلس الأمن الدولي 2216 الذي يطالب جميع الأطراف اليمنية، ولا سيما الحوثيين، بالامتناع عن اتخاذ المزيد من الإجراءات الانفرادية التي يمكن أن تقوض عملية الانتقال السياسي في اليمن، ويدعوهم إلى التوقف عن جميع الأعمال التي تندرج ضمن نطاق سلطة الحكومة الشرعية في البلاد".

 

وحاول أعضاء وفد جماعة الحوثيين وحزب صالح التدارك بأن الاتفاق لا يعني الخروج عن المشاورات، وهو الموقف الذي عبّر عنه المتحدث الرسمي باسم الحوثيين ورئيس وفد الجماعة في المشاورات، محمد عبدالسلام، في بيان لاحق، قال فيه إن الاتفاق ليس له "أي تأثير على نقاشاتنا القائمة في دولة الكويت". وتابع أنه "إذا توافقت الأطراف اليمنية على أي حل سياسي، فإننا سنكون وكل حلفائنا في طليعة من يتبنى ذلك ويتحرك في إطاره ويدعم تنفيذه".

 

ومثّل تصريح عبدالسلام أول موقف رسمي أبدى استعداداً للتراجع عن مضمون الوثيقة الموقّعة بين جماعته وحزب "المؤتمر الشعبي"، لصالح أي اتفاق سياسي يجري التوافق حوله في مشاورات الكويت. وكشف التصريح من جهة أخرى، دوافع شريكي الانقلاب بالتوقيع، كخطوة تسعى للتأثير على محادثات الكويت، من خلال إيصال رسالة مفادها بأن عدم التوافق على ترتيبات سياسية في المشاورات، سيؤدي لخطوات أحادية الجانب، بما قد يؤدي للدفع بنقاشات الترتيبات المتعلقة بسلطة توافقية إلى الأمام، بعد أن جرى تأخيرها من قائمة أولويات النسخة الثانية من المشاورات.

 

في المقابل، كان زعيم جماعة "أنصار الله"، عبدالملك الحوثي، يصعّد بقوله إن الاتفاق "بإمكانه أن يستوعب أي قوى أخرى تتقبل هذه المعادلة السياسية وهذا الحل السياسي". وأوضح الحوثي، في كلمة له أمس، أن "انزعاج البعض من اتفاقنا السياسي مع المؤتمر لا يشكل لدينا مشكلة، فليبحثوا عن أصلب صخرة ولينطحوها برؤوسهم، وواجب كل القوى السياسية أن تتفق وأن تتعاون وأن ترتب الوضع السياسي وتتوحد".

 

وفي ما يتعلق بمشاورات الكويت، قال الحوثي إن "الذي أعاقها وأثَّر عليها ولا زال يؤثر وبات من الاحتمال فشلها إن لم يحدث هناك تمديد، هو أن الأطراف الأخرى، الأميركي وغيره، يريدون من الشعب اليمني الاستسلام ولم يريدوا الحل"، على حد قوله. وحاول تبرئة جماعته من التعطيل بالقول إن "الوفد الوطني قدّم كل المخارج اللازمة للحل المنصف، ولكن أن يصل الحل إلى حد الاستسلام فهذا مستحيل".

 

من جهة أخرى، أفادت مصادر سياسية مطلعة في صنعاء لـ"العربي الجديد"، بأن الاتفاق الموقّع بين شريكي الانقلاب ويتضمن تشكيل "مجلس سياسي" لإدارة شؤون البلاد، جرى توقيعه من دون أن يسبق ذلك تفاهم وتوافق حول الخطوات المرتبطة بالاتفاق، وفي مقدمتها مصير "اللجنة الثورية العليا" التي تحكم وفقاً لما يسمى "الإعلان الدستوري" الصادر عن الحوثيين في فبراير/ شباط 2015.

 

وحسب المصادر، فقد تسبّب الغموض في هذا الجانب بإرباك لدى أنصار الطرفين، إذ رأى بعض الحوثيين أن الاتفاق لا يلغي اللجنة أو إجراءاتها، فيما روّج مناصرون لحزب صالح، بأن الاتفاق يلغي أو يمهد لإلغاء "اللجان الثورية"، باعتبار أنه لم يُشر إلى أي مرجع باستثناء الدستور. وكان واضحاً من خلال العديد من ردود الفعل، أن أنصار حزب صالح أكثر احتفاءً بالخطوة، باعتبارها تعيد الحزب شريكاً فاعلاً في الحكم، فيما تراجع الحوثيون خطوة إلى الوراء، بالتراجع مبدئياً عن الحكم باسم "الثورة".

 
ومن جانب عملي، لم يتضح حتى اليوم، ما إذا كان شريكا الانقلاب سيشرعان بتشكيل المجلس، بعد الاتفاق المبدئي على تشكيله، أم أن تشكيله سيبقى ورقة تنتظر حصيلة المشاورات في الكويت، فإذا خرجت من دون اتفاق توافقي يجد المجلس طريقه إلى التطبيق، وبذلك يكون الطرفان قد استبقا الفشل بالإعلان عن خطوتهما المقبلة، ممثلة بإجراءات أحادية الجانب لترتيب وضع السلطة الانقلابية.

 

يشار إلى أن البيان حمل صيغة مموهة نسبياً تتيح إمكانية قراءة الاتفاق باعتباره تحالفاً بين طرفين يمثله مجلس مشترك، وفي الوقت نفسه يمكن أيضاً اعتباره اتفاقاً على تشكيل مجلس حكم من خلال ما ورد فيه، وكل ذلك أثار جدلاً لدى المعلقين والناشطين اليمنيين، بين من رأى أنه مجلس لتمثيل حزبين، ومن اعتبره مجلساً لحكم البلاد.

 

وبين موقف وخيارات الحكومة الشرعية والانقلابيين، يبدو الموقف الدولي الذي يشرف على المشاورات الجارية في الكويت، عاملاً مهماً بالتأثير على الطرفين والإجراءات التي يمكن أن يلجأ كل طرف إليها، وكل ذلك ستظهر نتائجه في الأيام المقبلة، التي ستبيّن مدى قدرة المشاورات على الصمود، عقب المستجدات الأخيرة.

زر الذهاب إلى الأعلى