اليمن: هل تنجح الأمم المتحدة؟
انشغل اليمنيون - كل حسب انتماءاته وارتباطاته - ودخل الحلبة معهم قليل من الإعلاميين الخليجيين والعرب للتعليق على ما تم الاتفاق عليه في صنعاء بين جماعة (أنصار الله) و(المؤتمر الشعبي العام)، ولم تخرج أغلب المقالات عن السخرية من البعض والغضب من آخرين، مع أن الأمر لا يعدو تصحيحاً - متأخر جداً - لواقع داخلي كان الواجب إنجاز التنسيق بين القوى المتحالفة فيه، وليس في هذا ترحيب أو اعتراض عليه، لأني شخصياً أجد أنه مسألة عادية جداً ولن تغير من الواقع شيئاً إلا إذا أعلن الحوثيون إسقاط كل الإجراءات التي اتخذوها من حين استيلائهم على السلطة في يناير 2015 والتي أدخلت اليمن في أتون حرب قاسية وأربكت تسيير عمل المؤسسات العامة والخاصة.
ما يثير السخرية هو تلك الانتقادات التي أطلقها بعض المسؤولين المقيمين في الخارج إذ أبدوا الاعتراض على الاتفاق وضخموا من تأثيراته على ما يجري في "قصر بيان" بل ووصفوه بأنه تثبيت للانقلاب الذي قام به (أنصار الله) على (الشرعية)، وفي نفس الوقت كانوا يسخرون منه ويقللون من آثاره، وهذا في حد ذاته مؤشر للخفة وعدم إدراك حقائق الواقع واستمرار للعيش في رغد الأوهام التي رسخها المقام الطويل خارج البلاد والأكثر مدعاة للتندر هو مطالبتهم الدول الراعية والأمم المتحدة إعلان الرفض لهذا الاتفاق، متناسين أو متغافلين أن كل هؤلاء لا يستطيعون فعل شيء لتغيير الواقع في ظل غياب القيادة (الشرعية) عن البلاد والتي يتناوب ممثلوها على زيارة المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، وظهروا كما لو كانوا فريقاً من الخبراء الأجانب العاملين في اليمن لفترات متقطعة.
إنه من الواجب الأخلاقي والوطني أن تقوم - الحكومة بعد تأكيدها السيطرة على أكثر من 80? من الأراضي - بتقديم خطة ووسائل عملها في المناطق التي تسيطر عليها وحينها سيكون من السهل حشد الناس في المناطق التي لا تتواجد فيها، لأن غيابها يزيد من إحباط المواطنين وشعورهم بتخلي الحكومة عنهم وانشغال أعضائها بتسيير أمورهم الخاصة، ومن المنطقي عودة الجميع إلى الداخل وممارسة أعمالهم والعيش تحت كل الظروف مهما بلغت قسوتها، لأن عبء تحسين أوضاع الناس يقع على عاتقها ولا يجوز التعلل بسوء الخدمات أو ارتباك الحالة الأمنية فليست هذه مسؤولية المواطنين بل واجب الحكومة تجاههم.
قبل يومين أعلن المبعوث الأممي خطته التي يرى أنها ستقود إلى مخرج من الحرب، وتضع فاصلاً زمنياً بين الجانب العسكري - الأمني والجانب السياسي ثم جاء إعلان الرئيس هادي قبولها طبيعياً لأن ذلك هو مطلب الحكومة ومتوافقاً مع القرار 2216 الذي تتمسك ببنوده كاملة، ولكن يجب ملاحظة أن تنفيذه سيستلزم زمناً غير قصير، وإذا ما تمكنت الحكومة خلال تلك المرحلة من خلق النموذج الذي يتمناه المواطن فإن النجاح سيكون حليف مشروع الأمم المتحدة، لأن القلق والخوف يسيطران على المواطنين تجاه الفصائل المسلحة الكثيرة التي انتشرت في أغلب المدن، خصوصاً أن البنود المعلنة للخطة لم تتطرق إلى وسائل التعامل معها، ويكفي الإشارة هنا إلى ما يجري من أحداث دامية في تعز يسعى حكماؤها لإيقافها.
ستواجه خطة ولد الشيخ صعوبات جمة أمامها لأن الثقة التي يجب توافرها لدى الطرفين وثقة المواطن فيهما منعدمة، فممارساتهما خلال الفترة التي سبقت سقوط عمران وصنعاء، ثم في يناير حين قدم الرئيس هادي استقالته ثم في مارس هروبه من منزله الذي كان الحوثيون يحاصرونه داخله، لم تجلب إلا الويلات للوطن لأنهما تخليا عن حسهما الأخلاقي والوطني وزادت مساحة الأحقاد بينهما فبلغت حداً لم تبلغه خلافات اليمنيين في الماضي، ومن المؤمل أن يتمكنا من كسر الحاجز النفسي بعقد لقاءات مباشرة دونما حاجة إلى وسطاء دوليين.
إن التجارب التي مرت على العالم العربي ودول العالم الثالث في علاقاتها مع الأمم المتحدة ومساعيها "الحميدة" لم تحقق نجاحاً يذكر لحل أي نزاع أو حتى التخفيف منه، بل أنها زادت من تعقيداته وأربكت مسار أي عملية سياسية مستقبلية، ولليمنيين تجربتهم حديثة العهد مع مبعوث الأمم السابق السيد جمال بن عمر الذي لم يغادر البلاد إلا بعد أن كانت البلد قد وصلت نقطة اللاعودة في اتجاه حرب أهلية، وما يحدث في جنوب السودان وفلسطين وسوريا يقدم نماذج فاضحة لخدمات الأمم المتحدة في المنطقة.
هل يتمكن ولد الشيخ من كسر هذا الشك في قدرة منظمته على تسوية أي نزاع؟