تقارير ووثائق

مشاورات الكويت في ساعاتها الأخيرة: صيغة دبلوماسية لإعلان الفشل

تتجه مشاورات السلام اليمنية المنعقدة برعاية الأمم المتحدة في الكويت، إلى إعلان صيغة دبلوماسية لفشل الجهود السياسية في اليمن، على الرغم من عودة رئاسة الوفد الحكومي المفاوض إلى الكويت أمس الخميس، للمشاركة في ختام المحادثات.

 

وأوضحت مصادر مرافقة للمشاركين في المشاورات عن وفد الحكومة أن اتصالات تولتها الأمم المتحدة وأطراف إقليمية ودولية أسفرت عن موافقة رئاسة الوفد الحكومي على العودة إلى الكويت يوم أمس، لإجراءات "بروتوكولية" تتعلق باختتام المشاورات ولقاءات توديعية مع المسؤولين الكويتيين وسفراء الدول المعتمدين لدى اليمن والمشرفين على المشاورات، وليس لعودة النقاشات التفاوضية، التي يقول الطرف الحكومي إنه قد حسمها من خلال الموافقة على المقترح المقدّم من المبعوث الأممي، يوم السبت الماضي.

 
وحسب المصادر، فإن جلسة اختتام المشاورات تأجّلت إلى الأحد بعد أن كانت التسريبات الأولية تتحدث عن أنها ستتم الجمعة أو السبت. ومن المتوقع أن يصدر بيان ختامي عن المبعوث الأممي إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، يتضمن حصيلة المشاورات على مدى ما يقرب من ثلاثة أشهر، ويعلن رفعها من الكويت على أن يتم استئنافها بعد شهر في دولة أخرى يتم تسميتها لاحقاً، بالاتفاق بين الطرفين. وفي حين لم يعلن الطرف الأممي تفاصيل رسمية في هذا الصدد حتى مساء أمس، تحدثت مصادر قريبة من الانقلابيين عن مقترح جديد، طرحه المبعوث الأممي على المتفاوضين يوم أمس، لم يتسن التأكد من تفاصيله من أعضاء في الوفدين.

 
وقال عضو الوفد الحكومي المفاوض، عسكر زعيل، في تغريدات على صفحته الشخصية بموقع "تويتر"، إنه كان "لا بد من عودة الفريق لحضور نهاية الجولة الثانية التي مُددت للأحد المقبل وستكون بروتوكولية وليست لأي مناقشات ما لم يوقع الانقلابيون على الاتفاق".

 
وجاءات هذه التطورات، بعد يوم من جلسة مغلقة وُصفت بأنها "عاصفة" في مجلس الأمن حول اليمن، قدّم خلالها ولد الشيخ أحمد، إفادة عبر الأقمار الصناعية، تحدث فيها عن مستجدات المشاورات التي يرعاها في الكويت، فيما أحبطت روسيا مشروع بيان تقدّمت به بريطانيا يتضمن دعوة طرفي الانقلاب للتعاون مع رؤية المبعوث الأممي، ويدين اتفاق "المجلس السياسي" الانقلابي الموقّع منذ أسبوع في صنعاء.

 
ومثّل اعتراض روسيا الذي منع صدور موقف دولي موحّد، مسماراً جديداً في نعش المشاورات التي ترعاها الأمم المتحدة في الكويت، باعتباره أفشل انتزاع موقف يؤيد جهود ولد الشيخ أحمد ورؤيته الأخيرة للحل، ووضع الأزمة اليمنية أمام اللاتوافق بين الدول الأعضاء الخمس الكبرى في مجلس الأمن، خلافاً للفترة الماضية التي تميز فيها الوضع في اليمن بإجماع دولي نادر، لم تعترض معه موسكو على القرارات والبيانات السابقة ومنها القرار 2216 الصادر في إبريل/نيسان 2015.

 
من جهة أخرى، تُمثّل النهاية التي بات المرجح أن يتم من خلالها البحث عن إخراج دبلوماسي لا يعترف بالفشل بشكل مباشر، نكسة تاريخية لجهود الحل السلمي في اليمن، والحوارات التي ترعاها الأمم المتحدة، بعد أن توافرت لمشاورات الكويت على مدى ما يقرب من ثلاثة أشهر، عوامل نجاح، لم يسبق أن توافرت في أي محطة سابقة، منذ تصاعد الحرب وتدخّل التحالف العربي في الثلث الأول من العام الماضي.

 
وكانت مؤشرات الفشل برزت أكثر من أي وقت مضى مع بدء الجولة الثانية من المشاورات في 16 يوليو/تموز الماضي، إذ حضر الوفد الحكومي، بعد التزام المبعوث الدولي بإسقاط الرؤية التي أعلنها في نهاية الجولة السابقة بتاريخ 30 يونيو/حزيران، وكانت تتضمن شقاً أمنياً وعسكرياً يتعلق بالإجراءات الخاصة بالانسحاب ووقف إطلاق النار، وشقاً سياسياً يتعلق بتشكيل حكومة وحدة وطنية.

 
ومع استئناف المشاورات قبل ثلاثة أسابيع، أعلن ولد الشيخ أحمد أن الجلسات ستركز على الجانب الأمني والعسكري والوصول إلى اتفاق بوقف نهائي لإطلاق النار، بما يمثّل ترحيلاً للشق السياسي في المحادثات، الأمر الذي اعترض عليه وفد شريكي الانقلاب وأكد تمسكه بما يصفه الحل الشامل سياسياً وأمنياً واقتصادياً. وفي ضوء هذا الافتراق الجوهري، مضت الأسابيع الماضية كأنه لم تنعقد مشاورات حقيقية، إذ انحصرت في لقاءات منفصلة للمبعوث الأممي مع كل وفد على حدة، ومع دبلوماسيي الدول المشرفة على التسوية، قبل أن يعرض ولد الشيخ أحمد رؤيته الجديدة يوم السبت الماضي، التي وافق عليها الطرف الحكومي ورفضها الانقلابيون.

 
وكانت الكويت قد أعلنت مع بداية الجولة الأخيرة، أنها منحت الأطراف المشاركة في المشاورات 15 يوماً للوصول إلى اتفاق، وما لم يتم الحسم خلالها ستعتذر عن إكمال الاستضافة، غير أنها مددت أسبوعاً إضافياً، بطلب من الأمم المتحدة. وشكّل كل ذلك، عامل ضغط إضافيا دفع باتجاه حسم المشاورات، بعد أن فشلت خلال الشهور الماضية بتحقيق أي تقدّم معتبر، وعلى العكس من ذلك، أعلن مشاركون في الجولة الثانية أنها عادت إلى ما تحت الصفر.

 
يُذكر أن مشاورات الكويت التي انطلقت في 21 إبريل/نيسان 2016، كانت أبرز محطة في المسار السياسي خلال ما يقرب من عام ونصف العام، إذ إنها لأول مرة انعقدت في دولة خليجية تُعتبر عضواً في التحالف العسكري لإعادة الشرعية في اليمن بقيادة السعودية، وجاءت بعد اتفاق على وقف إطلاق النار، سبق انطلاق المحادثات بأكثر من 10 أيام، كما جاءت بعد تفاهمات هي الأولى من نوعها بين الرياض والحوثيين أفضت إلى هدنة في الحدود واتفاقات محلية في المحافظات. وكانت أغلب المؤشرات تتوقع نجاح المشاورات، خصوصاً مع الرعاية الدولية والإقليمية المباشرة التي حظيت بها منذ الانطلاق، ومع المدة التي استغرقتها والتي تقارب ثلاثة أشهر.

 
وتمحورت نقاشات المشاورات منذ انطلاقها بين رؤية الطرف الحكومي الذي يطالب بتنفيذ مقتضيات قرار مجلس الأمن 2216 بانسحاب المليشيات من المدن ومؤسسات الدولة وتسليم الأسلحة الثقيلة، قبل أي حل سياسي، فيما تمسك الطرف الانقلابي، منذ البداية بمطلب الاتفاق على سلطة توافقية جديدة تتولى هي الإشراف على مختلف الإجراءات الأمنية والعسكرية والاقتصادية، الأمر الذي اعتبرته الحكومة محاولة لـ"شرعنة الانقلاب" عبر المشاورات، ورفضت الدخول في نقاش الإجراءات السياسية، في مقابل رفض الطرف الآخر أسبقية الإجراءات الأمنية، وبذلك مضت الأشهر من دون تجاوز الخلاف الجوهري بين الطرفين.

 

زر الذهاب إلى الأعلى