ضيوف "بيان" يعاقبون اليمنيين
أخيراً غادر طرفا الحرب الأهلية اليمنية "قصر بيان" بعد إقامة زادت عن تسعين يوماً، وأعلن مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إسماعيل ولد الشيخ أنهما سيلتقيان بعد شهر في مكان لم يحدده، إذ إني أستبعد أن تتجرأ أي دولة على استضافتهما لأن الجميع صار يدرك الآن عدم الجدية وتدني الشعور بالمسؤولية الأخلاقية لديهما تجاه أكثر من ٢٥ مليون يمني يعيش ٨٠٪ منهم على حافة المجاعة.
قضى الوفدان أسابيع برعاية كريمة من أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد وشعب الكويت وحكومته، يدوران حول القرار ٢٢١٦ وكيفية ترتيب تنفيذ بنوده، وظل السيد ولد الشيخ يطل بين فترة وأخرى ليطمئن المهتمين بالشأن اليمني أن تقدماً واختراقاً قد أنجزا وأن الطرفين قد أبديا رغبة أكيدة في التوصل لحل يضع اليمن واليمنيين في بداية طريق انتشالهم من الهاوية السحيقة التي ألقتهم فيها طبقة سياسية وحزبية لم تراعِ ما يعانيه المواطنون من استمرار نزيف الدم وتزايد الخوف وارتفاع معدلات الفقر وسوء التغذية وتوقف التعليم في أغلب المناطق وانعدام الخدمات الأساسية.
يتبادل طرفا الحرب اليمنية الاتهامات ويلقيان كل بالمسؤولية على الآخر، وكل هذا الجدل العقيم لن يساهم في تحقيق أي خطوة إيجابية تدفع في اتجاه إنقاذ ما تبقى من روابط اجتماعية ومناطقية، كما أنه لن يفتح آفاق حل، وتبدى الأمر كما لو كان مسابقة في التهرب من الاتهامات، وكل هذا لا يسهم في التخفيف من المآسي التي يتعرض لها المواطن اليمني البسيط العالق بين أطراف تبدو لها الحرب فرصة نادرة وأخيرة لاكتناز الثروة وتحقيق المكاسب الشخصية والحزبية.
إن تأخر الحل السياسي وعدم حسم الحرب يدفعان باليمن نحو مزيد من التمزق والإنهاك ولن يكون بمقدور أحد أن يجد مخرجاً لهذه المأساة سوى اليمنيين أنفسهم، وكم هي مقلقة للغاية تلك التسريبات التي تتحدث عن انتقال المعركة إلى المجال الاقتصادي ومحاصرة سلطة "الأمر الواقع" في صنعاء مالياً؛ لأن آثار هذا التصرف لن يصيب إلا فقراء اليمن وضعفاءها، وأجد في ذلك التوجه ما يبرهن تخليهما عن روح المسؤوليتين الأخلاقية والوطنية في الوقت الذي تواصل دول مجلس التعاون والمجتمع الدولي تقديم مساعداتهم الإنسانية للتخفيف من المعاناة، ومن المحتم أن لا أحد من المعنيين سوى من كان "شرعياً" أو "انقلابياً" سيتأثر بمثل هذه الإجراءات التي ستصيب الواقعين بين سندان هذا ومطرقة ذاك.
لقد تنامت في الفترة الأخيرة الدعوات إلى الحسم العسكري وقدم هذا الفريق مبرراته التي تشرح أهمية ذلك، وكأنما ما يجري منذ بدء هذه الحرب لم يكن عمليات عسكرية، ويعتبر هؤلاء أن استمرار الحرب هو الحل الوحيد بعد فشل مشاورات "بيان"، وفي الطرف المواجه تستمر جماعة "أنصار الله" و"المؤتمر الشعبي" في محاولات عبثية لإظهار الدعم الشعبي للمؤسسة الجديدة التي ابتكروها وأطلقوا عليها "المجلس السياسي"، وهو في رأيي يحمل بذرة ضعفه في مجموعة الأسماء التي تشكل منها وكان مستغرباً تلك الحملة وذلك الانشغال من معارضي المجلس الجديد مما أثبت ضعف منتقديه وفزعهم غير المبررين، وفي كل الأحوال فإنه فضح حجم الخواء السياسي الذي تعاني منه كل الطبقة السياسية - الحزبية وعدم قدرتها على ابتكار أي فعل إيجابي ومازالت تعيد إنتاج ذات الآليات العتيقة التي لم تصنع شيئاً في الماضي ولن تنجز في الحاضر.
أصبحت الحرب اليمنية حرب انتقام واستئصال من طرفيها قبل كونها حرباً تدورتحت شعار استعادة دولة أو تثبيت اغتصابها، ولا يجدي رفع الشعارات البالية لإقناع الملايين الحانقة أنها ليست صراعاً على مواقع السلطة، فاليمنيون عالقون في أحزانهم، بينما سياسيوهم وحزبيوهم منشغلون في اللهث وراء وهم سلطة حتى ولو كانت على أطلال وطن وجثث أبنائه.