عن مجلس النواب اليمني
أثارت الدعوة لانعقاد جلسة لمجلس النواب في اليمن جدلا سياسيا وقانونيا حول مدى شرعيتها وشرعيته، واختلف الاستنتاج باختلاف الموقف السياسي والمؤكد أن الاجتماع كان قانونيا وانعقدت الجلسة بنفس الصورة التي اعتاد عليها الناس بغض النظر عن التشكيك في عدد النواب الحاضرين، ولكن الذي يثير الاستغراب هو الحد الذي ذهب إليه البعض باتهام الحاضرين بالخيانة والتهديد باتخاذ إجراءات عقابية ضدهم مع أن مجرد التلويح بذلك يضع كل السلطات القائمة داخل البلاد وخارجها في وضع غير قانوني وغير دستوري.
نتذكر أنه عندما بدأت جماعة "أنصار الله" (الحوثيون) بالاستيلاء على مؤسسات الدولة المدنية والأمنية بعد وضع الرئيس هادي ورئيس الحكومة خالد بحاح تحت الإقامة الإجبارية، فإنها منعت مجلس النواب من الانعقاد خشية أن تؤول أمور إدارة السلطة إلى أقرب حلفاء صالح (اللواء يحيى الراعي رئيس مجلس النواب) بحكم الدستور النافذ في البلاد. كما أنه من المفيد التذكير بأن ذات المجلس قد أجاز في بداية عام 2014 التمديد للرئيس هادي لفترة غير محددة وحصل بالمقابل على حصة مماثلة لأعضائه. من المهم أيضا تنشيط الذاكرة بأن طريقة عمل المجلس لم تختلف تحت رئاسة اللواء يحيى الراعي عن أسلوب سلفه الشيخ عبدالله الأحمر رحمه الله رغم الفارق الزمني، ولم يحدث يوما أن تم التصويت على أي قضية باستخدام النظام الإلكتروني ومررت أغلب القضايا برفع الأيدي، وعقدت أغلب الجلسات بدون نصاب قانوني، وتم إقرار الكثير من القوانين في غياب عدد الأعضاء اللازم لإقرارها.
الثابت الآن أن المعترضين على ما جرى في مجلس النواب اختلط عليهم الأمر ولم يحسنوا التعامل مع القضية، فلم يكن جائزا إطلاق مفردات الستينيات والاتهام بالخيانة تجاه الذين شاركوا في الجلسة فتلك مسألة صار من السهل إطلاقها على كل مخالف في الرأي والموقف، ولكنني كنت أتمنى في الوقت ذاته أن يرتفع المشاركون إلى مستوى المسؤولية الوطنية وعدم إقحام المجلس في قضية ليست من اختصاصه وأن يمارسوا دورا أكثر نضجا في التعامل مع الأوضاع الكارثية التي يواجهها الناس الذين لا تعني أغلبيتهم خطوات قد تكون اقتضتها مصلحة شركاء سلطة الأمر الواقع.
الجميع يعلم أن مجلس النواب لم يكن في الماضي شديد الحرص على تطبيق نصوص الدستور ولا روحه وكان دوما يمارس دورا أثار الانتقاد على أدائه وكانت رئاسته في كل المراحل تديره بطريقة هي أبعد ما يمكن عن المصلحة الوطنية وكانت تعقد الصفقات مع الرئيس السابق والحكومات المتعاقبة وتعمل على حمايتهم تجاه المعارضة التي لم تكن تملك القدرة على تصحيح الأخطاء ولا كبح جماحها.
لقد خرجت الجلستان الأولى والثانية كي تقدما نموذجا للدور الذي سيكون مناطا بمجلس النواب وبأعضائه وعوضا عن استغلال فرصة رفع الحوثيين ليدهم عن مقره المحاصر منذ أكثر من 16 شهرا ليدعو إلى مصالحة وطنية ورفع شعار التوافق والتفاهم، فإنه مارس دورا لا يعني الوطن بشيء لأن الطرفين لا يمتلكان حق تمثيله ولا يجوز لهما أخلاقيا ولا وطنيا تدمير بقايا أطلال هذه المؤسسة التي من الواجب النأي بها عن الصراعات وأن يتيحا لها التعرض للقضية الوطنية الجامعة وهي البحث عن سبل وقف النزيف بدل خلق بذرة شقاق إضافية.
لقد مرر أعضاء مجلس النواب تفاهما حزبيا لا يهتم به المواطن وأعاد إلى الأذهان صورته السلبية في أذهان الناس وابتعاده عن همومهم التي تمس حياتهم ومستقبل أبنائهم، في نفس الوقت يجب إدراك خطأ تجاوز المجلس في كل المراحل التي تلت فبراير 2012 تحت شعار أن (لا صوت يعلو فوق صوت المبادرة الخليجية) وهكذا تم التغافل عن أهميته وإهماله وعدم التواصل مع أعضائه.
إن الضجة التي افتعلها معارضو "المجلس السياسي" قد بالغت في تضخيم تأثيراته على الأحداث، وأظهرت خفة وضعف الذين انتقدوه وصوروه كما لو كان سيتمكن من إدارة البلاد بصورة مفيدة للناس، وفي ذات الوقت فإنه بين عدم قدرة الذين صنعوه في التعامل الناضج مع الأوضاع المأساوية التي يمر بها اليمن، فعوضا عن استغلال الفعل الإيجابي واجتماع النواب لأول مرة بعد فترة احتجاب قسرية فإن رئاسة مجلس النواب عادت إلى أسلوب العمل السابق وهو تلقي التعليمات وتمريرها بتلك الصورة الفاضحة التي شاهدناها.