مرضى السرطان في اليمن.. انتكاسة شح الدواء (تحقيق)
تدهورت صحة الخمسيني اليمني، حسن عبدالرحمن، المصاب بسرطان الدم "اللوكيميا"، إثر انقطاعه عن تناول الدواء المقرر له من نوع "جليفيك"، لمدة ثلاثة أسابيع في كانون ثاني/ يناير2016.
"يغيب دواء "جليفيك"، والذي يعمل على تعطيل نمو الخلايا السرطانية عن صيدلية المركز الوطني لعلاج الأورام التابع لوزارة الصحة في صنعاء إثر تقليص المخصصات المالية للمركز بسبب الحرب الدائرة والتي ساهمت في تراجع الموارد المالية المخصصة لعلاج حو إلى 10.000 مريض بالسرطان في اليمن"، بحسب نائب مدير المركز الوطني لعلاج الأورام للشؤون المالية، الدكتور عبدالوهاب النهمي، وهو ما يؤدي إلى معاناة كبيرة لهؤلاء المرضى ومن بينهم عبدالرحمن الذي لا يتجاوز دخله الشهري الـ350 دولاراً، والذي لم يستطع توفير المال اللازم لشراء الدواء من الصيدليات الخاصة، إذ يبلغ سعره نحو 107 آلاف ريال/ 500 دولار للعبوة الواحدة والتي كانت تباع قبل الحرب بـ250 دولاراً وتحوي 30 حبة تكفي لشهر واحد.
ووفقاً لفحوصات الدم، ووظائف الكلى، وال PH (قياس درجة الحموضة في الدم)، التي أجريت ل "عبدالرحمن" في شباط/ فبراير 2016، في مختبرات "الأمانة الطبية التخصصية" (خاصة)، فإن نسبة الكرياتين لديه ارتفعت إلى (1.5) مقارنة مع (1.2) للحالات الطبيعية ما يعني خللاً في وظائف الكلى حسب الرأي الطبي. كما ارتفعت نسبة كريات الدم البيضاء من أربعة آلاف للحالة الطبيعية إلى عشرة آلاف عند عبد الرحمن.
تظهر الفحوصات انخفاض نسبة الدم بسبب خلل في إنتاج كريات الدم الحمراء إلى 8.9، مقارنة بالمعدل الطبيعي والمقدر بـ13 لكبار السن، ول ESR (ارتفاع الترسب في كريات الدم الحمراء) إلى 70 من عشرة فقط في الوضع الطبيعي. ويؤكد الدكتور رياض القدسي أخصائي أورام، حدوث مضاعفات لـ"عبد الرحمن" وفقاً لنتائج الفحوصات، ناتجة عن انقطاع المريض عن تناول الدواء".
يقول شادي نجل عبدالرحمن: "كان والدي يحصل على الدواء مجاناً من صيدلية مركز الأورام منذ اكتشاف إصابته بالمرض في أغسطس/آب2014 حتى أكتوبر/تشرين أول2015". ويتابع: "منذ نوفمبر/تشرين الثاني من ذات العام صرنا مضطرين لشراء دواء (جليفيك) المقرر لوالدي من صيدلية خاصة، بعد اختفائه من صيدلية المركز الوطني لعلاج الأورام التابع لوزارة الصحة في صنعاء، لكننا عجزنا عن شرائه لمدة ثلاثة أسابيع، ما أجبرنا إلى اقتراض المبلغ شهرياً لنوفر له الدواء بقيمة نحو 2500 دولار لمدة خمسة أشهر".
يتفق الدكتور جميل غزال أخصائي أمراض الدم والمشرف على علاج عبد الرحمن مع الدكتور القدسي والدكتور عبد الوهاب النهمي (أخصائي أورام) ونائب مدير عام المركز الوطني لعلاج الأورام للشؤون المالية في أن هذه المضاعفات ناتجة عن عدم تناول الدواء في مواعيده المحددة. "إذ إن انقطاع الدواء على المريض لمدة شهر يؤدي إلى انتكاسة صحية، وقد يكون المريض عرضة للوفاة"، بحسب النهمي.
عبد الرحمن لم يكن المريض الوحيد الذي انقطع عنه الدواء الذي يصرفه المركز الحكومي الوحيد مجاناً لمرضى السرطان منذ العام 2004، كما أن عجزه عن شراء الدواء على نفقته الخاصة ليست استثناء، في بلد يبلغ فيه متوسط دخل المواطن السنوي نحو 1260 دولاراً وفقاً لتقديرات وزارة التخطيط والتعاون الدولي.
يكشف هذا التحقيق الذي وثّق معاناة عشر حالات من بين نحو عشرة آلاف مريض سرطان في اليمن، حجم التحديات الصحية جراء انقطاع الدواء عن مرضى السرطان والتي قد تصل إلى الموت، نتيجة تخفيض موازنة أدوية السرطان إلى النصف (من 11.5 مليون دولار عام 2014 إلى 5.6 مليون دولار العام الماضي) بسبب الحرب وما تبعها من انخفاض للأدوية من مركز الأورام والمراكز الستة التابعة له في محافظات (تعز، عدن، الحديدة، أب،المكلا، سيئون).
وتظهر نتائج استبيان نفذه معد التحقيق في نهاية أبريل/نيسان 2016 على 50 مريضاً مصابين بالسرطان أن 36% انقطعوا عن العلاج في مركز الأورام بسبب نفاد الأدوية. في حين تمكن 24% منهم من مواصلة العلاج في القطاع الخاص، فيما توقف 12% نهائياً عن العلاج. في حين يؤكد الدكتور النهمي، أن نحو 20% من متلقي العلاج لم يحصلوا عليه من المركز، ما اضطر المقتدرين منهم للجوء إلى القطاع الخاص لشرائه.
يرجع الدكتور النهمي عجز المركز عن توفير الدواء، لأسباب مالية بحتة، إذ تظهر بيانات رسمية حصل عليها معد التحقيق أن وزارة المالية خفضت الميزانية المخصصة لبند علاج ( أمراض السرطان) إلى النصف من اثنين مليار و458 مليون ريال، أي ما يوازي 11 مليون و470 ألف دولار في العام 2014، إلى مليار و200 مليون ريال (خمسة ملايين و600 ألف دولار) للعام 2015 نتيجة انخفاض الموازنة.
ومع تخفيض الميزانية، ونقص الأدوية، توقفت السبعينية أم معين الجماعي، عن العلاج في المركز نهاية أبريل/نيسان 2016 بسبب انعدام الأدوية الخاصة بسرطان المعدة الذي تعاني منه. ويقول ابنها معين: "سافرنا مع والدتي بداية مايو 2016 لتلقي العلاج في الهند إثر انتهاء الدواء الخاص بمرض والدتي في مركز الأورام وأمامنا أربعة أشهر هناك لكي نكمل العلاج". مضيفاً أن والدته ستتلقى أربع جرعات كميائية وقد تلقت الجرعة الأولى في الـ18 من مايو/أيار من العام الجاري.
على النقيض عادت حليمة محمد (57عاماً) المصابة بسرطان الدم "اللوكيميا"، بعد توقفها عن العلاج في مركز الأورام منتصف أبريل/نيسان 2016 بسبب انعدام الدواء الكميائي الخاص بمرضها، إلى منزلها لعدم قدرة أسرتها على شراء الأدوية باهظة الثمن. تقول: "سأجلس في بيتي حتى يأتي الموت".
معاناة أطفال في تعز
انقطع الطفل أحمد حسن المقداد (خمس سنوات) المصاب بسرطان الدم (الليمفاوي الحاد)، عن العلاج المقرر له منذ شهر مارس/ آذار 2015، ما أدى إلى مضاعفات لحقت به بحسب والده العاجز مالياً عن شراء الدواء الذي تصل كلفته إلى نحو 115 ألف ريال (540 دولار شهرياً).
يقول والد أحمد: "الأدوية التي كان يستخدمها أحمد هي (ديكساميثاسون، برونيسلون، فينكريستين)، كنا نحصل عليها في مركز الأمل لعلاج الأورام (مجاني) بمحافظة تعز "270 كم إلى الجنوب من صنعاء".
ويحصل مركز الأمل بتعز بحسب مديره، مختار أحمد سعيد، على الدواء من المركز الوطني لعلاج الأورام. لكن آخر شحنه وصلته كانت في 13 يونيو/حزيران من العام 2015.
وبحسب مدير المركز فإنه كان يتعامل مع 1418 مريضاً مسجلين من أصل عشرة آلاف مريض سرطان في اليمن مسجلين رسمياً. "لكن عقب اندلاع الحرب وبعد انخفاض ميزانية شراء الأدوية، انخفض العدد إلى نحو 599 مريضاً".
أخصائي الأورام بمركز الأمل الدكتور أحمد المخلافي المشرف على علاج الطفل (أحمد) يؤكد أنه تعرض لانتكاسة طبية، وأن الخلايا السرطانية نشطت من جديد لانقطاعه عن العلاج.
يقول المخلافي: "كان مقرراً لأحمد علاج مكثف كل أسبوع لمدة ستة أشهر، لكنه خضع للعلاج أربعة أشهر فقط، وانقطع عن مواصلته من بداية شهر مايو/أيار 2015 حتى نهاية شهر كانون الثاني/ يناير 2016 بسبب انقطاع الأدوية حينها، والحصار والحرب التي شهدتها تعز". ما أدى إلى انتشار الخلايا السرطانية في أجزاء متفرقة من جسمه، بعدما بدأ يتماثل للشفاء أثناء تلقيه العلاج" وقال إن الطفل بحاجة لإعادة العلاج المكثف.
أما الطفلة تسبيح عبده محمد (ستة أعوام) من محافظة تعز، فهي ليست بأحسن حال من الطفل أحمد. فقد تعرضت لمضاعفات هي الأخرى بعد انقطاعها عن الدواء الكميائي (ديكساميثاسون، برونيسلون، فينكريستين) الذي يكلف 115 ألف ريال، أي ما يعادل 540 دولاراً، منذ شهر يوليو/تموز 2015.
وبحسب والد تسبيح فإنها أصيبت بسرطان الدم الحاد في يناير/كانون الثاني 2015، وأدى انقطاع الدواء عنها إلى تورم إحدى قدميها في البداية ثم انتشار الورم لاحقاً إلى القدم الأخرى. وهو ما يؤكده أخصائي الأورام بمركز الأمل، الدكتور علي هزبر، المشرف على علاجها، إذ يؤكد حدوث مضاعفات للطفلة بسبب انقطاعها عن العلاج.
يتابع ذات الأخصائي: "عاد الورم للطفلة تسبيح بقوة وانتشر إلى القدم الثانية، ولابد من نقل نخاع العظم لها بعد تعرضها لانتكاسة، وهذا يتطلب عملية خارج البلاد تكلف (ستة ملايين ما يعادل 27 ألف دولار). مؤكداً أن حدوث تلك المضاعفات تقلل من فرص الشفاء". ويضيف: "هذا النوع من السرطان يؤدي إلى انتشار أورام في جسم المصاب".
ويؤكد الدكتور أحمد شادول، ممثل منظمة الصحة العالمية باليمن، أن مرضى السرطان يضافون إلى ضحايا الحرب في اليمن. ويقول: "يعاني مركز الأورام من وضع مأساوي جراء عدم توفر العلاج الكميائي وأجهزة الكاشف المخبرية (تصوير) وباقي الأدوية". ويضيف: "لقد استنفدت كافة موارد المركز بسبب الوضع الاقتصادي المنهار في اليمن ولم يتمكن المركز حتى من تغطية النفقات التشغيلية الأساسية".
ارتفاع نسبة الوفيات
يربط الدكتور النهمي بين انقطاع العلاج عن المصابين بالسرطان لمدد متفاوتة وارتفاع أعداد الوفيات إلى 893 من خلال العام 2014- 2015، بزيادة 83 حالة عن العامين 2013-2014 عندما بلغ عدد الوفيات (810) حالة وفقاً للتقارير الصادرة عن المركز وفروعه الستة في المحافظات.
أخصائي الأورام، الدكتور عبد الله الرباس، يؤكد أن عدم إعطاء العلاج للمريض بالمواعيد المحددة يجعل الورم السرطاني يعود أكثر توحشاً. ويقول: "في الجرعة العلاجية الأولى والثانية يحصل للورم إثارة، والبقية تبدأ بقتل الخلايا السرطانية، وأي توقف للعلاج يؤثر على المريض سلباً، لأن الورم ينمو من جديد".
ويرى أخصائي الأورام، الدكتور أحمد الباردة، ضرورة استخدام العلاج الكميائي بمواعيد يحددها الدكتور سلفاً لكي تتحقق الاستجابة المثالية. ويقول: "فقط يوجد شروط لإعطاء جرعة كميائية للمريض، ومن هذه الشروط ضرورة سلامة وظائف الكلى، والكبد، ويجب أن تكون فحوصات الدم طبيعية".
مخزون ضئيل من الدواء
تعاني الخمسينية اليمنية أم محمد، من ورم سرطاني بالثدي Breast Cancer، ما جعلها تحصل على الأدوية الكميائية والمناعية والداعمة من مركز علاج الأورام، إذ تلقت الجرعة الكميائية الأولى في شهر أكتوبر 2015 وبشكل مجاني. لكن بعد ذلك التاريخ، أصبحت تشتري دواءً داعماً ومناعياً (زوماتى، بويجين)، بقيمة 82 ألف ريال (400 دولار) مع الجرعة الكميائية الواحدة كل 21 يوماً. وبحسب ابنها محمد الحسام "الأدوية الداعمة التي تشتريها ضرورية لاستخدامها مع الجرعة الكميائية.
الأمر كذلك يتكرر مع المريضة إيناس الحمادي 45 عاماً المصابة بورم سرطاني خبيث في الأمعاء. إيناس حصلت على كل العلاجات الكميائية والمناعية حتى أكتوبر/ تشرين الأول 2015 عبر مركز علاج الأورام وبشكل مجاني، غير أن شقيقها معاذ بات يشتري لها أكثر من نصف الأدوية من خارج المركز، : "كالدوائين، المناعي، والداعم، المستخدمين مع كل جرعة علاج كميائية" كما يقول. ويضيف الحمادي: "أشتري العلاج المناعي (بويجين) الذي تستخدمه بعد الجرعة الكميائية بـ13 ألف ريال، أي ما يعادل 60 دولاراً".
ويتضمن البرتوكول العلاجي لإيناس 12 جرعة كميائية يفترض تناولها كل 12 يوماً، لكن لم يبق لها سوى أربع جرعات فقط بحسب الحمادي.
أم محمد، وإيناس ومعهما مرضى آخرون قد لا يستطيعون مواصلة العلاج في مركز الأورام في ظل تأكيدات الدكتور عبد الوهاب النهمي نائب المدير العام للشؤون المالية والإدارية للمركز أن ما تبقى من مخزون الدواء ضئيل جداً. ولحسن حظ بعض المرضى قامت منظمة الصحة العالمية في مايو/أيار 2016 بتوفير ما نسبته 4% من إجمالي 450 صنفاً من الأدوية والمحاليل الطبية التي كانت تورد لمركز الأورام قبل الحرب، بحسب الدكتور حنينه محمد حنينه مدير إدارة التموين الطبي في مركز الأورام.
ويؤكد ممثل منظمة الصحة العالمية باليمن، أحمد شادول تقديم مساعدات دوائية لمركز الأورام. لكنه يقول: "إنها غير كافية في ظل احتياجات مركز الأورام الكبيرة للأدوية والمحاليل المخبرية". ويقول شادول: "قدمنا أدوية السرطان والمحاليل الوريدية بشكل إسعافي وسريع للمركز إلا أن احتياجات المركز كبيرة وباهظة الثمن وتتطلب دعماً كبيراً ونحن نبذل أقصى جهودنا لتوفير ما نستطيع تقديمه لسد الحاجة الملحة".
نفاد 80% من الأدوية
وفقاً لقائمة الأدوية الناقصة بمركز علاج الأورام، والتي وثقها معد التحقيق، فإن 80% من أصل من أصل 450 صنفاً من الأدوية والمحاليل الطبية التي كان المركز يوفرها في العادة نفذت من صدلية المركز في مطلع مارس/آذار 2016. وأطلقت الوزارة نداء استغاثة إلى وزارة المالية والمنظمات الدولية في الأول من ديسمبر/كانون الأول 2015 بعدما أبلغهم المسؤولون في مركز الأورام عن "قرب نفاد الأدوية" بحسب النهمي.
محاولة للنجاة
يحاول مريض السرطان محمد عبد العزيز 42 عاماً، تحاشي الوقوع في شرك المضاعفات التي يتحدث عنها الأطباء من خلال الإصرار على تلقي العلاج في موعده المحدد، من أجل ذلك اقترض عبد العزيز عشرين ألف ريال ( 80 دولاراً ) لشراء دواء (فرولكول) بهذا المبلغ قبل موعد الجرعة. لكنه اصطدم بعدم وجود سرير شاغر في مركز علاج الأورام، رغم محاولاته اليومية ما أخره عن تلقي العلاج المستحق لمدة 25 يوماً. وكان من المفترض أن يتلقى الجرعة الأولى في 12 يناير/ كانون الثاني 2016، غير أنه لم يحصل عليها إلا بتاريخ 7 فبراير/ شباط من ذات العام.
وظهرت على محمد أعراض في الرأس بحسب وصفه للطبيب، فقرر الطبيب المعالج أحمد الباردة إجراء صورة أشعة بجهاز الرنين المغناطيسي، في 28 فبراير/ شباط 2016 خارج مركز علاج الأورام، نتيجة لعدم وجود ذلك الجهاز في المركز، ما كلف محمد نحو 45 ألف ريال، أي ما يوازي 209 دولارات حصل عليها من فاعل خير كما يقول.
محمد يعول خمسة أطفال، وعاطل عن العمل، ولا يستطيع تحمل نفقات العلاج، إلى جانب إجراء فحوصات طبية بتكلفة 15 ألف ريال (تعادل 69 دولاراً) في حال بقي مركز علاج الأورام في حالة الشلل الحالية.
معد التحقيق وللاطلاع على معاناة المرضى وثق عشر حالات لمرضى يعانون السرطان، تبين أن أربعة منهم، توقفوا عن العلاج في مركز الأورام بسبب انعدام الأدوية الخاصة بعلاجهم. والآخرون يحصلون على الدواء الكيميائي فقط من مركز الأورام ويشترون أدوية مناعية، وداعمة بتكلفة تتراوح بين 60 و400 دولار.
يقول الدكتور النهمي: "بعد متابعتنا المستمرة منذ بداية العام 2015 لوزارة المالية أفرجت على موازنة الأدوية والمحاليل الطبية المخفضة للمركز في ديسمبر/كانون الأول 2015، بعد الاتفاق بين وزارة المالية والبنك المركزي اليمني على صرف المبلغ بصورة استثنائية، وتم تحويله بالفعل إلى حسابنا الجاري، لدى البنك المركزي".
ويعتبر الدكتور النهمي المبلغ غير كافٍ. إذ سيوفر نصف الأدوية والمحاليل الطبية المقدرة ب (450 صنفاً) والتي كانت تورد إلى المركز قبل الحرب، محملاً وزارة المالية مسؤولية تعرض المرضى لانتكاسات بسبب عدم توفير الاعتماد السنوي كاملاً لشراء الأدوية والمحاليل الطبية. ورغم تفهمه لما سببته الحرب من تأثيرات على الوضع العام عامة يقول الدكتور النهمي إن "المرضى يعانون ولا أحد يشعر بمعاناتهم مثلنا ونحن عاجزون عن تزويدهم بالأدوية".
ويقول: "هذا الأمر حرم 20% من (عشرة آلاف) مريض من العلاج في العام 2015، بعد أن كانوا يحصلون على الأدوية الكميائية والداعمة مجاناً لعدم قدرتهم على شراء الأدوية الداعمة التي تستخدم مع الجرع الكميائية". ويضيف "عدم الحصول على كامل الموازنة وتأخر استلام نصف الموازنة المقررة لبند الدواء والمستلزمات الطبية للمركز أثر على علاج المرضى بشكل كامل". ويتابع النهمي قائلاً: "لكي نقدم علاجاً كاملاً للمرضى فإننا بحاجة ل خمسة مليارات ريال (25 مليون دولار) سنوياً. ويقدر معدل كلفة ما يحصل عليه المريض الواحد من الأدوية لعلاج السرطان سنوياً بنحو 250 ألف ريال (1250 دولاراً) بحسب النهمي.
خارج عن إرادة الوزارة
يقول مصدر رفيع في وزارة المالية، فضل عدم الكشف عن هويته: "لم يكن لدينا مانع من دفع ميزانية مركز الأورام كاملة، لكن البنك المركزي لا يوجد فيه سيولة كافية بسبب الحرب، وتراجع موارد المالية العامة للدولة". ويضيف: "توقفت جميع الموارد التي كانت تورد إلى البنك المركزي من الضرائب والجمارك والغاز والنفط، وهذا أثر سلباً على دفع موازنات الباب الثاني للجهات الحكومية بشكل عام، الأمر خارج عن إرادة وزارة المالية والبنك المركزي اليمني".
في ظل تناقص الأدوية، تتزايد معاناة مرضى السرطان في اليمن، ما يهدد بقاءهم على قيد الحياة خاصة بعد تخفيض الموازنة الخاصة بالأدوية والمستلزمات الطبية إلى النصف، وفي ظل العجز المستمر لوزارة المالية برفد مركز الأورام بالموازنة الكاملة فإن المشكلة ستظل تراوح مكانها.
أنجز هذا التحقيق بدعم شبكة "إعلاميون" من أجل صحافة استقصائية (أريج)