رسائل عودة الحكومة لعدن: دعوات الهدنة بلا أصداء
تتزامن عودة الحكومة اليمنية إلى عدن أمس الخميس مع تجدد الدعوات للتوصل إلى وقف إطلاق نار جديد في اليمن، لكن مختلف المعطيات والرسائل المتبادلة بين الشرعية والانقلابيين، عن بعد، تقلل من إمكانية التوصل إلى هدنة وخرق الجمود في المسار السياسي.
ففي خطوة تعزز موقف الشرعية وإجراءاتها الاقتصادية الأخيرة، عاد رئيس الوزراء اليمني، أحمد عبيد بن دغر، وأغلب أعضاء حكومته إلى مدينة عدن، جنوبي اليمن. وأكدت مصادر قريبة من الحكومة لـ"العربي الجديد" أن العودة إلى عدن جرى الترتيب لها منذ أسابيع، على مستويات مختلفة أمنية وسياسية، لافتة إلى أنها تمت بالتنسيق مع السلطة المحلية في عدن.
ووفقاً للمصادر، فقد سعى رئيس الوزراء منذ مغادرته عدن أواخر يوليو/تموز إلى أن تكون عودة الحكومة هذه المرة مختلفة وبأكبر قدر من الأعضاء، لتفادي تكرار تجارب سابقة، استقرت معها الحكومة في عدن بفترات متقطعة ما بين أسابيع إلى شهرين، ثم غادرت مجدداً إلى السعودية، التي يتواجد فيها الرئيس عبدربه منصور هادي وأغلب المسؤولين المؤيدين للشرعية منذ مارس/آذار العام الماضي.
وتكتسب عودة الحكومة أبعاداً وأهمية استثنائية. ويعتبر ترتيب الأوضاع الداخلية في المحافظات التي تُوصف ب"المحررة" من الانقلابيين، على رأس الملفات التي تنتظر الحكومة بعد عودتها.
وتوجد الكثير من الإشكالات التي تواجه المواطنين من ناحية الخدمات والترتيبات الإدارية بعدما انهارت الأجهزة الحكومية إلى حد كبير، على هامش الحرب خلال العام الماضي.
من جانب آخر، تمثل عودة الحكومة الشرعية إلى البلاد تطوراً يدعم موقفها السياسي في ظل الضغوط الدولية التي تواجهها على صعيد تحضيرات المشاورات والمقترحات المطروحة لحل سلمي للأزمة في البلاد، إذ إن وجود الحكومة خارج البلاد، كان أحد أهم الثغرات ويعرضها لانتقادات على المستوى المحلي قبل الدولي.
في غضون ذلك، تستمر المساعي باتجاه التوصل إلى وقف جديد لإطلاق النار في اليمن. وفي السياق، عقدت اللجنة الرباعية حول اليمن اجتماعاً في نيويورك، ليل الأربعاء الخميس، خرج بدعوة جديدة لوقف إطلاق النار وتضمن العديد من المطالبات فيما لا تزال نتائج الاجتماع السابق للجنة الرباعية حول اليمن وما تخلله من مبادرة أميركية تقدم بها وزير الخارجية جون كيري، منذ ما يقرب من شهر، حبراً على ورق.
وشارك في الاجتماع الذي عقد على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة كل من وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، ونظرائه الأميركي جون كيري، والبريطاني بوريس جونسون، والإماراتي عبدالله بن زايد، بحضور المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيح أحمد. وخرج الاجتماع ببيان يدعم جهود المبعوث الأممي وخارطة الطريق التي يحملها بما يؤدي إلى "اتفاق شامل".
كما أشار إلى رفض الإجراءات الأحادية لجماعة أنصار الله (الحوثيين) وحزب المؤتمر الذي يترأسه الرئيس السابق علي عبدالله صالح. كما عبر وزراء الخارجية عن القلق من التدهور في الجانب الاقتصادي بالإشارة إلى قرار الحكومة بنقل المصرف المركزي من صنعاء إلى عدن، والذي شدد المجتمعون على أهمية أن يخدم مصالح جميع اليمنيين.
وبينما مرّت دعوة مجلس الأمن الدولي التي وجهها ببيان صحافي في التاسع من الشهر الجاري إلى استئناف الهدنة من دون أن تلقى تجاوباً، جدد وزراء خارجية الرباعية ليل الأربعاء الخميس ذات الدعوة إلى استئناف وقف إطلاق النار وفقاً للأحكام والشروط الخاصة باتفاق العاشر من أبريل/نيسان الماضي، على أن يبدأ ذلك، بمدة 72 ساعة تتيح للمبعوث الأممي البدء بالمشاورات مع الأطراف اليمنية المختلفة. ودعا الاجتماع إلى وقف فوري لكافة الهجمات على الحدود السعودية بما في ذلك الصواريخ الباليستية.
لكن تشير المعطيات الحالية في اليمن إلى أن الدعوة الجديدة قد تلاقي مصير سابقتها لجهة الفشل. وتعد أغلب المضامين التي وردت في البيان الجديد، تكراراً لدعوات ونتائج سابقة لاجتماعات ذهبت دون أن تلقى صدى، إذ تأتي عقب أقل من أسبوعين من دعوة مشابهة لمجلس الأمن الدولي، وكذلك عقب أقل من شهر على الاجتماع الذي عقدته اللجنة الرباعية في مدينة جدة السعودية في الـ25 من أغسطس/آب المنصرم، وخرج بمقترحات وأفكار جديدة لاسئتناف مسار السلام في اليمن، عُرفت ب"مبادرة كيري". كما تخلل الأسابيع الماضية دعوة وجهها كيري أيضاً لاسئتناف الهدنة أثناء لقاء جمعه مع ولي ولي العهد السعودي، وزير الدفاع، محمد بن سلمان، على هامش قمة العشرين في الصين، ومرت دون أن تلقى تجاوباً من الأطراف المعنية.
وتؤكد مصادر في الحكومة الشرعية وأخرى قريبة من الانقلابيين عدم تسلم أي مبادرة أميركية رسمياً حتى اليوم، على الرغم من اللقاءات التي أجراها المبعوث الأممي مع الطرفين في العاصمة السعودية الرياض والعاصمة العُمانية مسقط، منذ نحو أسبوعين. وتقول المصادر إن ولد الشيخ أحمد عرض أفكاراً عامة تؤكد على أن يكون الحل المقترح شاملاً للجوانب السياسية والأمنية، لكن ذلك لم يتحول بعد إلى مقترح مكتوب يوضح تفاصيل المقترح.
من زاوية أخرى، تعيد الدعوة الأخيرة الصادرة عن اجتماع الرباعية تسليط الضوء على سلسلة من الاجتماعات والدعوات على مدى عام ونصف العام من الحرب، بدأت بدعوة أميركية أطلقها كيري في مايو/أيار العام الماضي للتوصل إلى هدنة لمدة "خمسة أيام"، مروراً بدعوات أممية متكررة إلى وقف إطلاق النار. ومن جانب آخر، شهدت الفترة الماضية سلسلة اجتماعات وجولات من المفاوضات من دون أن تتمكن من الوصل إلى وضع حد للحرب.
وعلى الرغم من الفشل الكبير للجهود السياسية خلال العام الأول من الحرب، كان شهرا مارس/آذار وأبريل/نيسان 2016، أكثر فترة حقق خلالها المسار السياسي اختراقاً محدوداً تمثل بالتفاهمات الحوثية السعودية المباشرة التي أفضت إلى هدنة حدودية ومن ثم الاتفاق على هدنة العاشر من أبريل، قبل أسبوع من انطلاق مشاورات الكويت، التي توافرت لها عوامل نجاح لم تكن لسابقها من الجولات، ومع ذلك فقد فشلت بالوصول إلى اتفاق ليعود التصعيد إلى وتيرته السابقة وخصوصاً منذ مطلع يوليو/تموز الماضي.
وعلى صعيد اجتماع "الرباعية" الأخير، يعتبر هو الثالث من نوعه، إذ عقدت اجتماعها الأول بمشاركة الوزراء الأربعة (أميركا، بريطانيا، السعودية، الإمارات)، في لندن مايو/أيار الماضي، قبل أن يُعقد الاجتماع الثاني في أغسطس بمدينة جدة. ومع الاجتماع الأخير في نيويورك، تشير أغلب المعطيات السياسية والميدانية إلى هشاشة المسار السياسي إلى حد يجعله متعثراً، خصوصاً مع الإجراءات الأخيرة، التي لا تشي بنوايا اتفاق لدى الأطراف.
ففيما شكل الحوثيون وصالح "المجلس السياسي الأعلى" كصيغة جديدة لسلطة الأمر الواقع الانقلابية في صنعاء ولوحوا بتشكيل حكومة، اتجهت الحكومة في المقابل لاتخاذ إجراءات كان أبرزها قرار نقل مقر المصرف المركزي اليمني من صنعاء إلى عدن، والإعلان عن عودة نهائية لرئيس الحكومة أحمد عبيد بن دغر وأعضاء حكومته إلى المدينة. وهو الأمر الذي عده مراقبون مؤشراً على معركة قد يطول أمدها، وإلى أن الدعوات السياسية الخاصة بالاتفاق والانسحاب، قد لا تكون أكثر من حبر على ورق، ما لم تطرأ متغيرات في الأيام والأسابيع المقبلة تفرض مساراً مختلفاً.