عام ونصف على حرب التحالف في اليمن: جردة بالتحولات
أكملت الحرب في اليمن 18 شهراً على بدء عمليات التحالف العربي، بقيادة السعودية، ضد مسلحي جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) والموالين للرئيس السابق علي عبدالله صالح، كأطول وأوسع الحروب التي شهدتها البلاد في تاريخها الحديث، تبدلت خلالها موازين القوى العسكرية والسياسية إلى حد كبير، فيما باتت القوات الموالية للحكومة على تخوم الأطراف الشرقية للعاصمة صنعاء، وما يزال المسار السياسي متعثراً حتى اليوم.
ومع دخول الحرب شهرها الـ19 عادت الحكومة اليمنية إلى مدينة عدن، التي تصفها ب"العاصمة المؤقتة"، ومن المقرر أن يلتحق بها الرئيس عبد ربه منصور هادي، بعد أن كانا (الحكومة والرئيس) أغلب الفترة الماضية يقيمان في السعودية. وبعودتهما إلى عدن، تكون عمليات التحالف، التي انطلقت في 26 مارس/آذار2015، نجحت بإعادة الشرعية للعمل من داخل البلاد، في وقت لا تزال فيه المواجهات تتواصل شمالاً في العديد من المحافظات وعلى أطراف صنعاء، وتبدو الأزمة الاقتصادية شبحاً إضافياً يهدد بالانزلاق إلى مزيد من المجهول.
على المستوى العسكري، تقول مصادر في الحكومة الشرعية إن ما يقارب 80 في المائة من مساحة البلاد باتت تحت سيطرة الشرعية، أو بالأحرى خارج سيطرة الانقلابيين، الذين واجهوا القوات الحكومية، المدعومة بقوات من التحالف أو بضرباته الجوية في العديد من المحافظات.
ولا تزال سيطرتهم على العاصمة صنعاء أحد أبرز عوامل القوة التي تمكنهم من المناورة، سياسياً وعسكرياً، لكن ذلك بات مهدداً ويضيق كل يوم مع الخسائر التي يتكبدها الشريكان في مقابل تقدم القوات الموالية للحكومة إلى مناطق تفصلها عشرات الكيلومترات عن العاصمة.
ووفقاً لآخر بيانات منظمة الصحة العالمية فإن أكثر من 40 ألف شخص سقطوا بين قتيل وجريح (بينهم ما يزيد عن عشرة آلاف قتيل) سقطوا في اليمن، منذ بداية الحرب. ومع ذلك تفيد مصادر سياسية يمنية، "العربي الجديد"، أن عدد القتلى أكبر من ذلك بكثير، غير أن الأطراف المعنية لا تكشف عن العدد الحقيقي للقتلى من العسكريين، خصوصاً من جانب الحوثيين الذين يتكبدون الجزء الأكبر من الخسائر بسبب الضربات الجوية.
تغير موازين القوى
مع بدء الحملة الجوية للتحالف العربي في اليمن قبل 18 شهراً كان الحوثيون وحلفاؤهم الموالون لصالح القوة العسكرية الأبرز، والمسيطر الأول على صنعاء وأغلب المحافظات شمالاً مع نفوذ في الجنوب. ومنذ تصاعد الحرب انحسرت سطوة الانقلابيين وسيطرتهم، ابتداءً من الساعات الأولى التي تحكّم فيها التحالف بالأجواء والمنافذ البرية والبحرية في المياه الإقليمية اليمنية، ومن ثم الجنوب الذي فقدوه بعد معارك لأشهر، وفي مرحلة لاحقة تراجعوا شمالاً في محافظة مأرب التي تتمتع بأهمية إستراتيجية وسط البلاد، وما تلاها من توسع للقوات الموالية للشرعية في محافظة الجوف، وجبهات تعز وحجة، وصولاً إلى أطراف صنعاء.
في المقابل، استطاعت القوى المناوئة للحوثيين وصالح أن تنهض، بدءاً بتشكل ما عُرف ب"المقاومة الشعبية" وحملات التجنيد في معسكرات قوات الجيش الموالية للشرعية، والتي حصلت على دعم بأحدث المعدات من التحالف. كما تكونت قوات أمنية وسلطات محلية في المحافظات من أطراف مناوئة للانقلابيين. كل ذلك جعل الجانب الحكومي يتحول إلى موقع الهجوم منذ أكثر من عام، فيما يحاول الحوثيون وحلفاؤهم التصدي للقوات الموالية للشرعية والتحالف أكبر قدر ممكن.
تحرير عدن... وعودة الشرعية
تصاعدت الأزمة مع اجتياح الحوثيين للعاصمة صنعاء في 21 سبتمبر/أيلول 2014، ومن ثم اقتحام مقر الرئاسة اليمنية، ما دفع الرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي إلى الاستقالة في 22 يناير/كانون الثاني 2015، غير أنه تمكن من الإفلات من الإقامة الجبرية في العاصمة وغادر إلى عدن في 21 فبراير/شباط، ليعلن العدول عن استقالته ويتخذ منها عاصمة مؤقتة، غير أن الانقلابيين لحقوا به إلى عدن، الأمر الذي اضطره للمطالبة بتدخل عربي تكلل بانطلاق "عاصفة الحزم" بقيادة السعودية، وتحولت معها أغلب المحافظات اليمنية إلى ساحة حرب، سواء عبر المواجهات المباشرة بين قوات الشرعية والانقلابيين أو بالغارات الجوية التي نفذتها طائرات التحالف ضد المعسكرات والمواقع الواقعة تحت نفوذ الحوثيين مع حلفائهم.
وكانت مدينة عدن، التي وضعها التحالف هدفاً لعودة الشرعية، محور الأشهر الأولى للحرب، ودارت خلالها مواجهات عنيفة ونفذ التحالف آلاف الغارات الجوية، قبل أن يجبر الانقلابيين على الانسحاب منها في يوليو/تموز 2015 ومن ثم إخراجهم من المحافظات الجنوبية المحيطة بها (لحج، أبين، شبوة) في الشهر الذي تلاه، لتتركز المعارك باتجاه شمال ووسط وجنوبي غرب البلاد. وعادت الحكومة إلى عدن للمرة الأولى في سبتمبر/ايلول العام الماضي، غير أنها لم تتمكن من الاستقرار، بسبب الانفلات الأمني الذي أعقب الحرب على مستوى مدينة عدن ومحيطها، حيث كان تنظيم "القاعدة" ومجموعات مسلحة محسوبة على تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) تنتشر في أجزاء متفرقة في المدينة. وابتداءً من مارس العام الحالي بدأت القوات الحكومية، مدعومة من التحالف، بتنفيذ عمليات أمنية لملاحقة المجموعات المسلحة، وهو ما تكلل بإخراج المسلحين من أطراف عدن ومدن مختلفة في محافظات أبين ولحج وحضرموت. وتقول مصادر محلية، لـ"العربي الجديد"، إن هناك تحسناً ملحوظاً في المرحلة الحالية.
حرب الشمال مستمرة
منذ الأشهر الأولى للحرب كانت تعز ومأرب وأجزاء متفرقة من محافظات الجوف والبيضاء ومناطق أخرى ساحة لمواجهات بين قوات الشرعية والانقلابيين. ومنذ نحو عام، بدأت القوات الحكومية التقدم، وسيطرت على غالبية المناطق في محافظتي مأرب والجوف، وفتحت جبهة في محافظة حجة الحدودية مع السعودية، أدت إلى سيطرتها على أجزاء من مديريتي حرض وميدي الحدوديتين، فيما لا تزال مختلف الجبهات الشمالية، من تعز وحتى الأطراف الشرقية لصنعاء، مشتعلة بالمواجهات التي ترتفع وتيرتها بين الحين والآخر، مع تقدم لقوات الشرعية.
وما يزال الحوثيون وحلفاؤهم يسيطرون على صنعاء (العاصمة)، ومحافظات أبرزها ذمار، إب، عمران، صعدة، الحديدة، حجة، المحويت، ريمة، وأجزاء من محافظتي البيضاء وتعز اللتين تشهدان مواجهات مستمرة، في حين يتركز الثقل العسكري والسياسي لسيطرة الشرعية في محافظة مأرب، ومنه تتوسع غرباً نحو صنعاء، عبر بوابة "نِهم" وسط محاولات لفتح جبهة أخرى من بوابة "خولان" المحاذية لمنطقة صرواح غرب مأرب.
اقتصادياً، تعتبر الأزمة الاقتصادية وما يرتبط بها من تدهور كبير للوضع الإنساني أحد ملامح المرحلة الحالية في اليمن، بعد عام ونصف العام من تصاعد الحرب، إذ أقدمت الحكومة الشرعية على اتخاذ قرار بنقل مقر المصرف المركزي اليمني من صنعاء إلى عدن، بعد أن اتهمت الحوثيين بالاستفادة من أنشطته وتبديد نحو أربعة مليارات دولار من الاحتياطي الخاص بالمصرف، بحسب تصريحات مسؤولين حكوميين. وأكد موظفون حكوميون في صنعاء، لـ"العربي الجديد"، أن الشهور الثلاثة الأخيرة عكست الأزمة غير المسبوقة اقتصادياً من خلال تأخر السلطات، التي يديرها الحوثيون، بدفع الرواتب في العديد من القطاعات. وأشعل قرار نقل المصرف أزمة اقتصادية بين الحكومة والانقلابيين مع مخاوف من تأثيرات قد تؤدي إلى الإنهيار الاقتصادي الشامل، بعد أن انهار جزئياً خلال الحرب.
وتعد الأزمة الإنسانية عنواناً من أهم نتائج الحرب في اليمن، الذي يعاني في الأصل من أزمة اقتصادية وإنسانية. وفي تصريحات حديثة، وصف وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، ستيفن أوبراين، الأزمة الإنسانية في اليمن بأنها واحدة من أسوأ الأزمات في العالم، وأن نحو 13 مليون يمني بحاجة إلى مساعدات منقذة للحياة، في حين تشير أرقام مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، إلى أن ما يقدر بـ14.4 مليون شخص غير قادرين على تلبية احتياجاتهم الغذائية (منهم 7.6 ملايين شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي)، و19.4 مليون شخص يفتقرون إلى المياه النظيفة والصرف الصحي، و14.1 مليون شخص لا يحصلون على الرعاية الصحية الكافية، فيما يزيد عدد النازحين عن ثلاثة ملايين، أغلبهم إلى مناطق داخل البلاد.
سياسياً، شهد اليمن على مدى عام ونصف العام سلسلة من المحطات السياسية، وجولات مفاوضات السلام التي ترعاها الأمم المتحدة، ترافق بعضها مع هدنة هشة. وكان أبرز هذه المحطات مشاورات الكويت التي استمرت لما يزيد عن ثلاثة أشهر، برعاية المبعوث الأممي اسماعيل ولد الشيخ أحمد، وانتهت مطلع أغسطس/آب العام الحالي، دونما اتفاق، في وقت تبذل الأمم المتحدة حالياً جهوداً لإحياء مسار المشاورات المتعثر، على ضوء المبادرات والدعوات المطروحة، والتي كان أبرزها المقترحات المقدمة من وزير الخارجية الأميركي، جون كيري خلال اجتماعات مدينة جدة السعودية في 25 أغسطس، غير أنها لم تسفر عن نتائج واضحة حتى اليوم.
بشكل عام، يبدو المسار السياسي متعثراً بعد عام ونصف العام من الحرب، التي تأثرت بها غالبية المدن اليمنية وتبدلت معها موازين السيطرة العسكرية، من الانحسار التدريجي للحوثيين وأتباع صالح إلى صعود القوات الموالية للحكومة ومجموعات محلية في المحافظات الخارجة عن سيطرة الانقلابيين، وذلك بدعم من التحالف.