من الأرشيف

مجلس التعاون يجب أن يكون حَكماً لا طرفاً

يعيش اليمنيون في الداخل والخارج معاناة لا يبدو أن لها نهاية قريبة، فالمواطنون الذين يقعون تحت هيمنة سلطة الانقلاب لا حول لهم ولا قوة في ظل معاناة إنسانية من ويلات الحرب وقهر الميليشيات وتزداد قسوة الحياة عليهم كل يوم باستمرار القتال الذي يدفع ثمنه الأبرياء أطفالاً وشيوخاً وستنتقل فاتورته النهائية إلى سلسلة طويلة من الأجيال القادمة. بعض الذين يتحكمون في أمور الناس المعيشية بالداخل انغمسوا في دورة فساد مالي تديرها العناصر التي تسيطر على العاصمة وتمكنوا من تشكيل شبكة مصالح وتهريب تدر عليهم مالا غزيرا ما يضيف إلى فقر الناس وضنكهم، ويمارسون حصاراً ظالماً مهيناً على تعز ذهب ضحيته المواطن البائس أصلاً وحرموا المدينة من أبسط متطلبات الحياة الآدمية.

 

من جانب آخر فإن إحباط اليمنيين ترتفع معدلاته جراء وقوعهم تحت عبء ثقيل تمثله شرعية لم تحقق شيئاً يجعل الناس يتمسكون بها وأغلب الذين يتشبثون بردائها الرث لا يترددون عن التعبير في الحوارات الخاصة عن عدم قناعتهم بها وبقدرتها على تحقيق منجزاً يحسب لها في سجلها خالي الوفاض وهناك فئة تتعلق بها أما لأنها مستفيدة أو يائسة أو عديمة حيلة.

 

بين "الشرعية" و"الانقلاب" يقف العالم عاجزاً عن إقناعهما بالتوقف عن جشعهما للالتفات إلى الدمار الذي ألحقوه بالبلاد والأجساد التي مزقوها والتمزق الاجتماعي الذي تسببوا به، لأنهما منشغلين بالبحث عن سلطة في بلد لم يعد يغري الصراع حولها إلا القلة من المنتفعين من عناصرهما البائسة أخلاقياً.

 

إن استمرار هذه الحرب العبثية لا يصيب أياً من "الشرعية" أو "سلطة الانقلاب" بضيق أو ضرر لأنهما قد رتبا المساحات التي يعملان بها حتى بلغت حد التفاهم بين العديد من عناصرهما، فمن عجائب الحرب الأهلية في اليمن - كما في الحروب السابقة - إن شبكة الفساد والتهريب تتكون ويشارك فيها عناصر من أطراف الصراع يتحكمون في حركة دخول البضائع وانتقالها داخل المدن وصار العمل استنساخاً لعصابات المافيا على حساب المواطنين المحاصرين من الأطراف المتحاربة.

 

لقد دفع اليمنيون البسطاء ثمناً باهظاً لتدني المستوى الأخلاقي للأطراف السياسية والحزبية وصار استمرار هذا النزيف وسيظل وصمة عار ستلاحقهم على مدى السنين فقد دمرت صراعاتهم على السلطة كل أمل كان متاحاً لأجيال قادمة ولا يعلم إلا الله كم من الزمن سيمر قبل أن يبدأ اليمنيون في تناسي ما حدث لهم من فجائع خلال أقل من عامين.

 

لقد أصبحت الحرب في اليمن كابوساً على كل يمني في الداخل والخارج لأن أغلبهم صاروا ضحايا صراع لا يعنيهم ولن تكون نتائجه - أياً كانت - في مصلحتهم لأن الخطاب والفعل السياسيين للطرفين المتحاربين صارا تعبيراً عن حالة من إنكار الواقع ومن ثم التعامل معه كحقائق تبني عليها مواقف وقرارات. لعل في مسلسل التعيينات التي يجريها الطرفان تجسيداً للابتعاد عما يجري على الأرض فنرى تسميات شبه يومية لمسؤولين بلا سلطات وممثلين للسلطة في مناطق لا تخضع لـ"الشرعية" وفي المعسكر المقابل جرت تسمية لرئيس حكومة لن يكون نصيبها أكثر مما لدى حكومة جمهورية أرض الصومال مع ملاحظة أن الأخيرة تمارس سلطة فعلية على المساحة الجغرافية التي تمثلها وتعيش استقراراً أمنياً وتعاملات تجارية مع العالم رغم أنها لا تحظى باعتراف دولي.

 

تتضاءل آمال اليمنيين لينعموا باستعادة السلام في بلادهم ويعلمون أن الركون إلى الأمم المتحدة لن يمنحهم فرصة لنيله، ومن غير المعقول ولا المقبول غياب مجلس التعاون عن الفعل الجماعي في هذا المسار وعدم الاكتفاء بالتنسيق مع الأمم المتحدة فما يجري في اليمن يؤثر مباشرة في دول المجلس سلباً وإيجاباً.

 

لقد طالبت مجلس التعاون في أكثر من مناسبة أن يتعامل مع الملف بجدية أكثر ويستطيع الأمين العام السيد عبداللطيف الزياني ومبعوثه الخاص السيد صالح القنيعير وضع مسار يسهم في محاولة عودة الهدوء إلى اليمن ولكن عليهما أيضاً التعامل مع الواقع كما هو وإقامة قنوات اتصالات مباشرة مع كافة الأطراف، وأنا على ثقة أنهما بتفويض من دول المجلس مجتمعة قادران على وضع تصور عملي يضع مصلحة المواطن اليمني الأولوية وعليهما عدم الالتفات إلى المصالح الذاتية التي تتحكم في قرارات قادة الطرفين الذين صارت السلطة أهم لهم من الوطن.

 

مجلس التعاون يجب أن يكون حكماً لا طرفاً وحينها سيكون الحل ممكناً والمستقبل أقل قتامة.

زر الذهاب إلى الأعلى