"قاعدة" اليمن يهجر حضرموت... و"الدرونز" تحصد مزيداً من عناصره
تراجع حضور تنظيم القاعدة في محافظة حضرموت شرق اليمن بعد أشهر من تحرير مدينة المكلا التي سيطر عليها التنظيم لمدة عام كامل وأقام فيها إمارة إسلامية، فيما كثفت طائرات "الدرونز" الأميركية عملياتها ضد عناصر هذا التنظيم في شبوة ومأرب، خلال الأسابيع الماضية، موقعةً عدداً من الضحايا بينهم قيادي بارز.
وأحكمت قوات من الجيش اليمني، مدربة حديثاً على يد التحالف العربي، سيطرتها على مدينة المكلا عاصمة المحافظة، في 24 من إبريل/نيسان الماضي. وتمت السيطرة إثر عملية يكتنفها الغموض، إذ انسحب مسلحو "القاعدة" خلال ساعات فقط من بدء الهجوم. وقامت قوات الجيش المنضوية تحت قيادة المنطقة العسكرية الثانية، بعمليات دهم في وادي حضرموت وبالتحديد في وادي سر الذي تستخدمه "القاعدة" لتدريب عناصرها.
ولاحقاً نفذت قوات الجيش عمليات دهم وملاحقة لما تبقى من أوكار للتنظيم، واعتقلت العشرات من المشتبه بهم بالانتماء إليه، الأمر الذي أدى لانحسار دور هذا التنظيم وتراجع عملياته وغياب تحليق طائرات "الدرونز" الأميركية في سماء حضرموت.
وتثير العمليات التي شنتها طائرات بدون طيار أخيراً، وفي وقت متقارب في كل من مأرب وشبوة، تساؤلات عما إذا هاجر عناصر "القاعدة" باتجاه المحافظتين في ظل الملاحقة المستمرة من قبل قوات الجيش بحضرموت. وفي 4 من سبتمبر/أيلول الماضي، قتل 6 أشخاص يُعتقد أنهم من تنظيم القاعدة، في غارة جوية شنتها مقاتلة أميركية بدون طيار، مستهدفةً موقعاً للتنظيم في وادي عبيدة بمحافظة مأرب.
وفي 13 سبتمبر، قتل خمسة أشخاص يشتبه بانتمائهم للتنظيم في محافظة البيضاء، وسط اليمن. وفي 20 سبتمبر، قتل شخصان يُعتقد أنهما ينتميان إلى "القاعدة"، في غارة لطائرة بدون طيار استهدفت سيارتهم في مأرب. ولم يمض سوى يومين حتى قُتل اثنان من مسلحي "القاعدة" بغارة مماثلة في منطقة الصومعة في محافظة البيضاء.
وأسفرت غارة لطائرة أميركية من دون طيار بمنطقة شرق مأرب، في 23 سبتمبر 2016، عن مقتل خمسة من عناصر "القاعدة" بينهم القيادي أبو خالد الصنعاني. وكان قتل 8 أشخاص آخرين في ثلاث غارات استهدفت مواقع للتنظيم في محافظة شبوة في أغسطس/آب الماضي.
الضربات المتتالية التي أوقعت خلال شهرين 28 قتيلاً من "القاعدة" بينهم قيادي بارز، تشير بحسب محللين إلى أن الخطوات التي اتخذتها السلطات المحلية بمحافظة حضرموت أجبرت عناصر التنظيم على الانتقال إلى محافظات أخرى لإعادة ترتيب أوضاعهم. وفي هذا السياق، قال الباحث المتخصص في شؤون الجماعات الإرهابية، سعيد الجمحي، إن النموذج المعتمد في حضرموت للتعامل مع مشكلة الإرهاب، والتي وصلت إلى مستوى عال من التعقيد، هو نموذج فريد من نوعه، مقارنةً بحالات مماثلة في مدن أخرى حين استطاعت "القاعدة" أن تتغلغل في الأوساط الشعبية، على الرغم من أن جهود مواجهة التنظيم عسكرياً كانت أكبر.
وأضاف أنه عندما حضرت الدولة في حضرموت، استطاعت بوقت قصير تطهير المحافظة. وحصل ذلك بفضل توافر عامل الجدية والاستفادة من الدعم الكبير الذي قدمته دول التحالف العربي، لا سيما الدور السعودي والإماراتي، والذي لم يساهم في عملية دحر التنظيم وحسب، بل وبدعم السلطة المحلية للحفاظ على تماسكها ورفدها بالإمكانات التي تمكنها من الحفاظ على هذا الإنجاز، ومواصلة تقديم شتى أنواع الدعم لتكون حضرموت النموذج الأفضل.
وأشار الجمحي إلى أن تنظيم القاعدة لن يتخلى عن حضرموت، ولن يعترف بهزيمته، وسيلجأ إلى الانتشار في محافظات أخرى، وانتهاز أي خلل أو ثغرة ليعيد الكرة، وهذا ما يتطلب من قيادة حضرموت والمقاومة الشعبية الحفاظ على هذا "النصر" وهي المهمة الأكثر أهمية من النصر نفسه، وفق قوله.
وأكد على أنه لا يمكن الجزم بأن هزيمة "القاعدة" في حضرموت ستؤدي إلى تراجع حضورها في المحافظات الجنوبية، إلا إذا تمكنت قيادات السلطة المحلية من توفير الأجواء والمتطلبات اللازمة للتعامل مع "القاعدة" وغيرها من الجماعات المتشددة. وتابع أن أهم شرط لنجاح المهمة يتمثل بتلاحم الجيش الوطني وتكوين جبهة موحدة، إضافة إلى التنسيق الكامل بين التشكيلات الأمنية، للتخلص من مشكلة الإرهاب، لافتاً إلى الدور الشعبي في استكمال تحصين هذه المحافظات، وتطهيرها بالشكل المطلوب.
وأشار إلى أن بقية المحافظات الجنوبية لا تزال تعاني من مشكلات تشتت الجبهات، وخلل كبير في توفير الخدمات الضرورية للاستقرار المجتمعي وحمايته من تسلل فكر "القاعدة" وتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) وأي فكر متطرف آخر.
وفي تعليقه عن الضربات الأميركية المكثفة أخيراً، والتي استهدفت عناصر من "القاعدة"، قال الجمحي إنه وعلى الرغم من قدرة الضربات الجوية على إنهاك التنظيم، من خلال استهداف كبار قادته، فإنها لم تستطع ولن تستطيع تحقيق نصر حقيقي على الأرض، لأن تنظيم القاعدة استطاع ابتكار تكتيكات تقلل من أهمية أسلوب الضربات الجوية، مثل استبدال القيادات المتساقطة بقيادات أخرى، وإعادة الانتشار وتجديد ظهوره.
من جهته، رأى المحلل السياسي، جمال بن غانم، أن تضييق الخناق على عناصر "القاعدة" في حضرموت وملاحقة فلوله جعل التنظيم يفكر في مأوى جديد لكي يعيد ترتيب صفوفه خارج حضرموت.
وأضاف أن جيش النخبة الحضرمي لن يقف عند حدود حضرموت فقط، إذ هناك استعداد لملاحقة فلول هذا التنظيم حتى في المناطق التي لا تخضع لسيطرة جيش النخبة، كوادي حضرموت مثلاً وبعض أجزاء من شبوة. وتوقع عودة تنظيم القاعدة لأساليبه القديمة ولن يحاول السيطرة على مدن وإحكام السيطرة عليها خصوصاً بعدما جرب هذه الاستراتيجية الجديدة وفشلت سواء في توفير الخدمات للناس أو حتى في المحافظة على السيطرة على المدن.
وأشار إلى أن اختفاء التنظيم لا يعني عدم وجوده، إذ إن خطورته لا تزال قائمة في حضرموت وفي غيرها من مناطق الجنوب، وفق تعبيره. وعن مستقبل التنظيم لا يتوقع بن غانم تراجع حضوره بشكل عام نظراً لاعتماده تكتيك اللعب على التناقضات، وسيظل موجوداً طالما لا يزال الصراع السياسي قائما في اليمن، بحسب قوله.