فرص السلام في اليمن
يبحث اليمني البسيط منذ ما يقارب العامين عن أي فرصة تعيد له أملاً لاستئناف حياته بعد فترة طويلة من العيش تحت نيران حرب بين متصارعين على سلطة ولو كان ثمنها جثث الأبرياء وتمزيق بناه الاجتماعية والوطنية، وصارت حرباً حوّلت البلد إلى أطلال مزقته مطامع سياسييه وأحزابه، ومن الواضح الآن أن الظروف الإقليمية والدولية صارت ضاغطة في اتجاه فرض حل سياسي يجب أن ينتهي باستبعاد كل المشاركين والمساهمين في هذه المأساة، لكن المؤسف والمخزي هو أن قادة الحرب الداخليين صاروا هم العقبة التي تقف أمام التوصل إلى حسم سياسي بعد أن استنزف الحسم العسكري.
منذ اللحظة الأولى لهذه الحرب كان المشهد واضحاً للمراقبين الذين يعرفون تفاصيل الخريطة السياسية والاجتماعية اليمنية وظلوا بعيدين عن ساحاتها التي شملت كل المناطق اليمنية، ولم تكن متابعتهم تعبيراً عن موقف سياسي مؤيد لطرف ضد آخر، ولكنهم كانوا يدركون الكلفة المأساوية التي ستؤول إليها وكانوا يحذّرون من هول الفاجعة التي ستحلّ بالبلاد.
لقد حذّر الكثيرون من النتائج المتوقعة وحثوا جميع الأطراف الداخلية بداية والخارجية أيضاً من أن المناخ الداخلي سيزداد قساوة وستتحول المعركة من نزاع على المشروعية وأحقية حكم البلد إلى تدمير لكل مقدراته البائسة أصلاً في سبيل احتكار السلطة واستبعاد كل من يقف في المعسكر الآخر.
كان تدويل الملف اليمني فرصة للأطراف الدولية كي تبدأ البحث عن الفراغات الناتجة عن الغياب الإقليمي الفاعل والضاغط، ومنذ تلك اللحظة لم يعد القرار لا يمنياً ولا عربياً، ودخل في أروقة الأمم المتحدة التي تدار منها مخططات التقسيم والشرذمة، ولم يكن من الصعب على الدول صاحبة القرار في المنظمة الدولية أن تبحث عن المكاسب التي يمكن أن تجنيها أو تساوم بها على مناطق نفوذ أخرى.
بالغ قادة الحرب اليمنيون في تقدير أحجامهم الحقيقية وقدراتهم الذاتية، ولم يدركوا أن العالم لا تديره جمعيات خيرية توزع هباتها على المتخلفين الذين لا يستوعبون الواقع المجرد بعيداً عن مفردات احترام حقوق الإنسان والقيم والأهداف السامية، فكلها لا تقف عائقاً أمام شراسة التنافس الدولي على نيل حصص أكبر في النزاعات التي تدور خارج حدودها.
قد ينشغل العالم باليمن من باب الشفقة والرحمة فهو لا يمثل وزناً مادياً كبيراً وللدول الكبرى ملفات أكثر إغراء تستطيع أن تجني منها أرباحاً وتكسب بها مساحات جغرافية أكبر من النفوذ، كما أن الطريقة التي تدار بها العلاقات الدولية تبدلت ولم يعد ممكناً حتى التلويح بالقوة فيما بينها وهكذا صارت أوطاننا هي المواقع التي تفرغ فيها شحنات العداء والخصومة.
أهدر ممثلو الطرفين اليمنيين فرصاً عديدة أُتيحت لهما لإنجاز تسوية سياسية في حدودها الدنيا ولكن إصرار ووهم كل منهما على أحقية تمثيل الوطن كان عقبة انهارت أمامها كل المساعي التي بذلت وكان أخرها في دولة الكويت التي قضى فيها الطرفان أكثر من شهرين في جدل حول ترتيبات اقتسام السلطة رغم الجهود التي بذلها أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد شخصياً واستقباله للوفدين وتفرغ وزارة الخارجية الكويتية لتحقيق اتفاق لوقف الحرب.
ما لا يفهمه المتحاربون أن أي صراع مسلح داخلي أو خارجي لابد أن تكون له نهاية، ولكنه يترك جروحاً غائرة ودماراً نفسياً هائلاً وتكريساً للفوارق الاجتماعية ويجر معه لعقود قادمة الكراهية والأحقاد والضغينة ستتناقلها أجيال كثيرة خاصة عند الشعوب المتخلفة.
إن خطاب الكراهية والطائفية الذي تمتلئ به مواقع التواصل الاجتماعي للطرفين وترسيخ مبادئ نفي الآخر والمطالبة بعزله عن المجتمع وتأكيد عدم أهليته الوطنية والاجتماعية، يجب أن تكون حافزاً لدى من تبقى من عقلاء في الطرفين كي يفهموا أن كل يوم جديد تستمر فيه الحرب لن يبقى مجال متاح للسلام في الوقت الذي صارت المطالبة به تهمة يواجهها كل من يدعو لها، ويرى فيها الطرفان تنازلاً عما يدعيه حقاً أصيلاً، وحالة كهذه تستدعي الرثاء لأن اليمن ليست رقعة جغرافية يتفاوضون على اقتسامها، فالطرفان قد عبثا بالوطن ومزقا أوصاله مذهبياً واجتماعياً.
فرص السلام يتقلص نورها وكم سيكون محزناً أن تترك اليمن في أيدي من لا يرحمون شعبهم ولا يرون فيه إلا جثثاً يعبرون فوقها لنيل حصة في الحكم.