من الأرشيف

مجلس التعاون والمُصالحة الوطنية

في شهر سبتمبر ١٩٦٦ اعتقلت المخابرات المصرية كبار رجالات الدولة اليمنية حينها وعلى رأسهم الراحلون عبد الرحمن الارياني وأحمد النعمان وحسن العمري بالإضافة إلى مجموعة كبيرة من القيادات المدنية والعسكرية التي تولّت مواقع كبرى بعد إطلاق سراحهم في أكتوبر ١٩٦٧ إثر هزيمة الخامس من حزيران وكان مبرّر عبدالناصر حينها أن هؤلاء المعتقلين يعارضون أسلوب حكم الرئيس الراحل عبد الله السلال حليف مصر وأن تحرّكاتهم ستسبّب ارتباكاً في تسيير الحملة العسكرية المصرية في صنعاء (مناصرو الشرعية الحاليون يستخدمون مصطلح "عدم شق صف الشرعية". ويرفعونه أمام منتقدي تصرّفاتها).

 

رفع عبد الناصر يده عن الملف اليمني بعد إطلاق سراح المعتقلين، وكانت الظروف الداخلية مهيأة للانقلاب على المشير السلال الذي كان قد فقد مشروعيته الداخلية وتم عزله في شهر نوفمبر ١٩٦٧ أثناء زيارة كان يقوم بها إلى العراق ومنها انتقل إلى القاهرة وعاش فيها معظم بقية سنوات حياته.

 

لم تتوقف المشاورات للتوصّل إلى مُصالحة وطنية حتى في الفترة التي كانت صنعاء تقع تحت حصار وصل إلى أطرافها لكنه لم يفلح في اقتحامها، وظل التواصل جارياً بين الأطراف اليمنية مباشرة بالتفاهم مع الحكومة السعودية التي توصّلت إلى الاقتناع بأن اليمنيين حسموا أمر نظام الحكم ودافعوا عنه بأنفسهم حتى بعد خروج القوات المصرية، وفي ١٩٧٠ عاد ممثلو النظام الملكي وشاركوا في عدد من مواقع الدولة والسفارات.

 

ظلت تلك القيادات التاريخية متمسّكة بالقيم الأخلاقية والوطنية المتمثّلة في كل أفعالهم وكلماتهم فمنحهم الناس المشروعية للتصدي للشأن العام لأنه كان يثق أن همهم الوحيد هو التوصل إلى مصالحة داخلية ترفع شعار الانتصار للوطن والمواطن أولاً، وسيكون من السخرية أن نتوقع من الذين يتسيّدون المشهد اليوم الارتقاء إلى مستوى أخلاقي في حدوده الدنيا يفتح آفاقاً للتراجع عن العناد ورغبة استئصال الآخر.

 

لا يتوقف مناصرو الطرفين عند حد استدعاء كل المفردات المهترئة لمساندة ما هم مقتنعون به، لكنهم لا يقيمون وزناً ولا يتحدّثون عن المآسي التي يُعانيها كثر من ٨٠٪‏ وصلوا إلى حافة المجاعة ونقص الدواء وتدمير المستشفيات، وصار الأمر سباقاً في الهبوط الأخلاقي والتخلي عن الجوامع الوطنية كما لو أنها مباراة لاقتلاع الآخر من الوجود، ومن المؤسف أن أغلب المعلومات التي يستخدمها الطرفان مختلقة لكنها تصبح مستنداً يعتمد عليها الرأي العام الذي لا يهتم بدقتها وإنما يوظفها لمآرب مذهبية وذاتية.

 

يستنزف اليمنيون كل آمالهم في انتظار ساعات أو أيام عساها تحمل لهم أخباراً تنهي أقسى عامين مرا في تاريخهم، ولكن هذه المشاعر الإنسانية لا تجد لها صدى عند حملة السلاح ومن يقف وراءهم الذين صارت الحرب مهنتهم المُربحة ولم تعد ضمائرهم محمّلة بأكثر من الكراهية والرغبة في الانتقام.

 

لقد كانت الصور التي انتشرت في كل وسائل الاتصال الاجتماعي عن الحالة الإنسانية الكارثية التي تعاني منها محافظة الحديدة كفيلة في إعلان وقف فوري للحرب والبدء في حملة إقليمية ودولية لإنقاذ أبناء تهامة الذين تحمّلوا ثمناً يدمي القلوب ولكنه لم يلق أي يقظة ضمير من الأطراف المتناحرة، وتجاهلته جميعاً مكتفية بإلقاء المسؤولية على الآخر.

 

إن الدور الذي يجب أن ينتقل إليه عمل دول مجلس التعاون هو في الابتعاد عن الصراع الداخلي اليمني والانتقال إلى حالة البحث عن الأهداف النهائية الواجب تحقيقها لاستقرار الإقليم والتي تعيد اليمن لوضع يسمح بالبدء في تفكيك تعقيداته وعمل كهذا لن يحدث إلا بمصالحة وطنية تشمل الجميع وتكون نقطة البدء هي وقف الحرب للتخفيف من معاناة الناس لأن البسطاء يدفعون ثمناً يفوق قدرتهم النفسية والمادية، ويلي ذلك تحديد المسؤوليات التي يجب الالتزام بها من الجميع لوضح حد لتكرار الأخطاء التي أدت إلى هذا المنزلق.

زر الذهاب إلى الأعلى