عودة "القاعدة" في جنوب اليمن... مخاوف من استرجاع النفوذ
عاود تنظيم "القاعدة" في جنوب اليمن الظهور إلى واجهة الأحداث، مع العملية العسكرية للقوات الحكومية في مدينة المكلا بحضرموت، شرقي البلاد، بالتزامن مع عودة ملفتة لهجمات التنظيم في محافظة أبين، وصدور تسجيل مرئي منسوب للتنظيم يتوعد بعمليات مرتدة، بعد أن تراجع نفوذه إلى حدّ كبير، خلال منتصف العام الحالي.
وكانت القوات الحكومية اليمنية في محافظة حضرموت، شرقي البلاد، أعلنت يوم الأربعاء، عن مقتل 30 مسلحاً من عناصر تنظيم "القاعدة"، كما قُتل أربعة جنود وجُرح 12 آخرون، في حصيلة هي الأعلى لاشتباكات وقعت بين القوات العسكرية ومسلحي التنظيم في منطقة المسيني، بمزرعة باغزوين، غرب مدينة المكلا، مركز المحافظة.
ووفقاً لبيان صادر عن قيادة المنطقة العسكرية الثانية، فإن العملية التي نفّذتها ما يعرف ب"قوات النخبة الحضرمية"، كانت استباقية وجاءت بناءً على معلومات بأن مسلحي التنظيم في المنطقة يُخططون لهجمات في المحافظة، ما أدى إلى سقوط هذا العدد الكبير من القتلى والجرحى في صفوف التنظيم، كأعلى حصيلة تعلن عنها الجهات العسكرية لقتلى "القاعدة" في الأشهر الأخيرة.
وكانت المكلا، أبرز المدن اليمنية، واقعة تحت سيطرة مسلحي "القاعدة"، أو ما يعرف محلياً ب"أنصار الشرعية"، لعام كامل، منذ إبريل/نيسان 2015 وحتى الشهر نفسه من العام الحالي. ثم انسحب التنظيم أمام حملة عسكرية حكومية بدعم من قوات التحالف، وما يزال الانسحاب غامضاً.
في هذا الإطار، أبدى مراقبون اعتقادهم، ب"احتفاظ التنظيم بجزء من قدرته على إعادة ترتيب صفوفه، باعتبار أن تراجعه لم يكن ناتجاً عن حرب حقيقية بقدر ما كان انسحاباً ترافق مع خسائره نتيجة الضربات الجوية للتحالف وغارات الطائرات الأميركية من دون طيار".
بالتزامن، أفادت مصادر محلية في محافظة أبين، جنوب البلاد، لـ"العربي الجديد"، عن مخاوف محلية من تصاعد أنشطة تنظيم "القاعدة" وعودة عناصره لمدن انسحبوا منها في الأشهر الماضية، بدءاً من مايو/ أيار الماضي، وحتى منتصف أغسطس/ آب الماضي، تاريخ دخول القوات الحكومية إلى مدن أبين، أبرزها زنجبار وجعار، فيما انسحب مسلحو "القاعدة" إلى وجهات متفرقة، أبرزها محافظة البيضاء، وسط اليمن.
وتعد أبين، شرق عدن، وإلى جوارها محافظة البيضاء، من أبرز معاقل نفوذ التنظيم التقليدية، إلى جانب محافظة شبوة، بدرجة ثانية. وفيها تبنّى تنظيم "القاعدة" أو "أنصار الشرعية"، عملية تفجير بعبوة ناسفة، أسفرت عن مقتل قائد نقطة عسكرية في منطقة أمعين بأبين. كما شهدت المحافظات حوادث اغتيال وتفجيرات متفرقة، يُعتقد أنها بواسطة مسلحي التنظيم.
من جانبه، قلل رئيس لجنة الوساطة المحلية، الشيخ شائع الدحوري، أحد الوجوه القبلية في أبين، من أهمية ما يتردد عن عودة أنشطة مسلحي "القاعدة" في أبين، وقال: إن "الوضع في مدينة زنجبار، مركز المحافظة، لم يستقر، لكون السلطة لم تأت لممارسة نشاطها. من البديهي إن لم تأتِ السلطة فمن الصعب استقرار الأمن من جهات أخرى، تحاول أن تقوم مقام الدولة".
وأضاف الدحوري، الذي قاد لجنة وساطة محلية أفضت إلى انسحاب مسلحي التنظيم في أشهر سابقة، أن "هناك اجتهادات ومحاولات لضبط الأمن من قبل قوات الحزام الأمني"، واعتبر أن "استهداف النقطة لا أراه عودة النشاط للقاعدة، بل محاولة منها كرسالة إعلامية لا غير بأنها لا تزال موجودة".
وبدا لافتاً تزامن التطورات الأخيرة مع إصدار "القاعدة" أخيراً تسجيلاً على الإنترنت لنحو 30 دقيقة تحت عنوان "ردع العدوان"، تضمن تقريراً مصوراً يتحدث عن دور التنظيم بمواجهة الحوثيين، ويتحدث في التسجيل القيادي في التنظيم، إبراهيم القوصي، الملقب ب"الشيخ خبيب السوداني"، يتوعّد الإمارات التي تسيطر وتشرف بصورة أو بأخرى على الملف الأمني والعسكري في جنوب اليمن.
والقوصي من قيادات التنظيم التاريخية، التي ارتبطت ببدايات نشوئه وله علاقات مع زعيمه السابق أسامة بن لادن، ويأتي ظهوره في وقت فقد فيه التنظيم بفرعه اليمني، العديد من قياداته البارزة خلال العامين الأخيرين بضرباته طائرات أميركية من دون طيار.
وكان نفوذ "القاعدة" في جنوب اليمن تعاظم على هامش الحرب التي تصاعدت في اليمن منذ مارس/ آذار 2015، وتمكن التنظيم من فرض سيطرته على المكلا، كما انتشر مسلحوه في مدن متفرقة بمحافظتي أبين ولحج، وصولاً إلى أحياء في مدينة عدن. وهو التوسع الذي وقع على أثر انهيار الأجهزة الأمنية والعسكرية والحرب التي شهدتها تلك المدن بين الموالين للحكومة الشرعية والمدعومين من التحالف العربي من جهة، وبين مسلحي جماعة أنصار الله (الحوثيين) وحلفائهم من جهة أخرى.
ومنذ أواخر العام الماضي بدأت القوات الحكومية التي تشكلت في المحافظات الجنوبية بعمليات ضد مسلحي "القاعدة"، بدءاً من أجزاء من مدينة عدن، ثم مدينة المكلا، مركز محافظة حضرموت، ومدن بمحافظتي لحج وأبين. وقد انسحب مسلحو التنظيم من أغلب هذه المناطق بالتزامن مع بدء الحملات العسكرية من دون معركة حقيقية، قبل أن يتبخر انتشار التنظيم. وتأتي عودة نشاط التنظيم في الأسابيع الأخيرة، مع استمرار التحديات الأمنية وضعف أجهزة السلطة المحلية في تلك المحافظات.