تقارير ووثائق

سلطة الحوثيين تتصدع: حرب واحتجاجات موظفين وخلافات مع الحلفاء

مع مرور أكثر من عامين على اجتياحها العاصمة اليمنية صنعاء، وسيطرتها على مختلف مؤسسات وأجهزة الدولة، باتت سلطة الأمر الواقع التابعة لجماعة أنصار الله (الحوثيين) أمام تحديات كبيرة تحاصرها، ولا سيما في ظل استمرار عجزها عن دفع رواتب الموظفين. وبدا أن كل موظفي الدولة أمام أزمة حقيقية، ناجمة عن سيطرة الحوثيين الذين يبدون عاجزين عن تقديم أي حلول، في الوقت الذي يتمسكون فيه بالسيطرة على المؤسسات ويتهمون حليفهم حزب المؤتمر الذي يترأسه الرئيس السابق علي عبدالله صالح، بعرقلة تشكيل حكومة تمثل الطرفين.

وبرزت في الأيام القليلة الماضية مؤشرات تطور احتجاجات الموظفين إثر عدم تسلم رواتبهم في الأشهر الأخيرة. وبدأ التحرك في جامعة صنعاء، بعدما رفض الأساتذة والموظفون فيها تأخر مستحقاتهم. وأصدر المجلس الأعلى للتنسيق بين نقابات الجامعات اليمنية بياناً يدعو للتصعيد المتدرج ابتداءً من مطلع الأسبوع الجاري. وألمح إلى الدعوة للإضراب، وهي الدعوة التي قوبلت باستنفار من الحوثيين ومحاولتهم قمع احتجاجات الجامعة قبل أن تتطور. وفي هذا الإطار، لجأت مليشيات الحوثيين إلى الاعتداء على أكاديميين أثناء لقاء تشاوري عقدوه يوم السبت، للتداول بشؤون التحركات الاحتجاجية المقبلة.

وكانت جماعة الحوثيين، استباقاً لتطور دعوات الاحتجاج، قد وجهت اتهاماً مسبقاً للنقابات الخاصة بالموظفين، بأن حزب التجمع اليمني للإصلاح (الخصم السياسي والعسكري للجماعة) أوعز إلى عناصره بإثارة "اختلالات أمنية عن طريق الدعوة إلى وقفات احتجاجية وإضرابات عن العمل". وأراد الحوثيون من خلال ذلك إعطاء احتجاجات الموظفين أبعاداً سياسية في ظرف يتحكمون فيه بقبضة حديدية تحت غطاء الحرب المستمرة في اليمن. هكذا يتحول أي معارض للحوثيين إلى مؤيد لما يصفونه ب"العدوان"، في إشارة إلى عمليات "التحالف العربي" الذي تقوده السعودية.

 

الانتفاضة الشعبية مستبعدة
وأكد مسؤولون محليون في صنعاء، رفضوا الكشف عن أسمائهم، أن موظفي مؤسسات الدولة التي تسيطر عليها جماعة الحوثيين، باتوا يعيشون أزمة لا تستثني بعض من كانوا مناصرين أو راضين عن سيطرة الجماعة. وأضافوا أن أزمة عدم صرف الرواتب أثّرت في مستوى الأداء الحكومي لمختلف المؤسسات وصولاً إلى الحركة العامة، وسط حالة من السخط المتزايد لدى الموظفين بمختلف القطاعات المدنية والعسكرية. غير أن ظروف الحرب والأزمة التي تواجهها البلاد بشكل عام تحولان دون تطور السخط إلى انتفاضة، بحسب المصادر نفسها.

وقال مسؤول في إحدى الوزارات، إن "خشية الناس من أن تؤدي الاحتجاجات بالوضع إلى الأسوأ، ساهمت في عدم تحول الأزمة إلى انتفاضة خلال الشهرين الماضين". غير أنه أكد أن اليمن يشهد تفاقم "حالة من عدم الرضى عن الواقع، على مختلف المستويات"، مضيفاً أن ذلك يؤدي إلى تقليص "دائرة من يتعاونون أو يدافعون عن بقاء سيطرة الحوثيين الذين يجدون أنفسهم أمام أزمة مع الناس تتصاعد كل يوم"، بحسب قوله.

ودخل اليمن أزمة إنسانية واقتصادية غير مسبوقة في الأشهر الماضية، بعد عجز المؤسسة المالية التي يسيطر عليها الحوثيون عن دفع رواتب ما يزيد عن مليون موظف، خصوصاً في المحافظات التي يسيطرون عليها. ودفع هذا الأمر الموظفين ومنهم متقاعدون، إلى بيع قسم من الأثاث المنزلي في أسواق "الحراج". وتأتي الأزمة في ظل تنازع السيطرة على المؤسسة المالية بين الانقلابيين والحكومة الشرعية التي أقرت نقل المصرف المركزي إلى عدن.

وعلى الرغم من أزمة الرواتب التي تضاف إلى المعاناة الناجمة عن الحرب الدائرة في البلاد منذ ما يزيد عن عام ونصف، لا يبدو أن الحوثيين يستعدون لتقديم تنازلات، بقدر ما يتعمدون تجاهل هذه الأزمة. ويسعون إلى تشكيل حكومة جديدة تمثلهم إلى جانب حزب المؤتمر المتحالف معهم برئاسة صالح، لكنهم يتهمونه بعرقلة عملية تشكيل هذه الحكومة، وسط تصاعد وتيرة الخلافات بين الطرفين.

وذكرت مصادر سياسية في العاصمة أن الجماعة تمارس ضغوطاً متزايدة على حزب صالح وتلوّح بإعادة "اللجنة الثورية" التي كانت بمثابة السلطة العليا منذ فبراير/شباط 2015، والتي تم التخلي عنها، نظرياً، بعد توقيع الحليفين اتفاق تشكيل "المجلس السياسي" بالمناصفة بينهما أواخر يوليو/تموز الماضي. وفي الواقع، لا تزال "اللجنة الثورية" تمارس أنشطة مختلفة بالتزامن مع تصاعد الخلافات. وتفيد بعض التسريبات بأن حزب صالح اشترط انسحاب المشرفين الحوثيين من الوزارات قبل تشكيل أي حكومة، لكن الخلافات تتعدى، في الواقع، مسألة تشكيل الحكومة إلى ترتيبات أخرى.

زر الذهاب إلى الأعلى