[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]
تقارير ووثائق

استعصاء الصراع اليمني: حرب تطلب حلاً.. تحليل

بغض النظر عما ستؤول إليه المفاجأة التي فجرها وزير الخارجية الأميركي جون كيري، بإعلانه اتفاقاً حوثياً خليجياً على وقف لإطلاق النار، يبدأ سريانه نظرياً اليوم الخميس، وتأليف حكومة وحدة وطنية قبل نهاية العام الحالي، فإن معطيات عديدة على صعيد ميزان القوى داخل الأراضي اليمنية، تدلّ على أن الحرب المستمرة منذ عام ونصف، قد تكون بصورتها الحالية، في فصولها الأخيرة، أو في طريقها إلى التبدّل، وإن استمرت بشكل أو بآخر، من دون أن يعني ذلك تفوّق طرف على آخر.

هذه القراءة نابعة من كون اليمن وصل إلى مرحلة لم يعد فيها أي طرف قادر على الانتصار عسكرياً، أو بسط السيادة كلياً على كامل الأرض. والعامل الآخر الذي يدفع لهذا المآل، أن هناك توجهاً دولياً واضحاً نحو تسوية قد لا تؤدي إلى إيقاف الحرب بالشكل المطلوب، أو قد تكون مفخخة، كما تقول الشرعية، لكن الإرادة الدولية بسبب تشابك المصالح مع الموقع الديمغرافي لليمن، ستقوي شوكة تدخّلها أكثر في مسار الصراع، بما لا يفاقم الوضع وبما لا يجعله خارجاً عن السيطرة.

ووفقاً لمعلومات عدة، فإن السعودية كطرف مركزي في قرار الحرب، وقائدة للتحالف العربي الهادف لإعادة الشرعية في اليمن، لا تُمانع في التوصل إلى مخرج سياسي أو تسوية تؤدي لوقف الحرب وتضمن لها عدداً من الحسابات، وهو ما أثبته اتفاق الرياض مع كيري ودولة الإمارات قبل يومين خلال تنقل الوزير الأميركي بين مسقط وأبو ظبي.

في المقابل، وصل الطرف الانقلابي (الحوثيون وعلي عبدالله صالح)، إلى مرحلة لم يعد فيها بموقع المهاجم الذي يتوسع، بقدر ما صار جلّ مقدوره العسكري الحفاظ على مناطق سيطرته ومحاولة إعاقة تقدّم قوات الشرعية أكبر قدر ممكن. وخلال أكثر من عام ونصف، فشلت الكثير من رهانات هذا الطرف على حدوث تحوّلات لصالحه في المواقف الدولية، فسلطته لم تنل حتى الآن أي اعتراف، بما في ذلك طهران نفسها، كما أن الحصار مستمر على مناطق سيطرته، والأزمة الاقتصادية وصلت حداً غير مسبوق بالعجز التام عن تسليم الرواتب لشهور متتابعة، فضلاً عن خلافات أعاقت أو على الأقل، أجّلت إعلانه تشكيل حكومة كان بصددها منذ أكثر من شهر.

العامل الإضافي في هذا الجانب، هو عجز القوات الموالية للحكومة الشرعية عن تحقيق تقدّم نوعي على المستوى الميداني منذ فترة ليست بقليلة، سواء في تعز أو شرقي صنعاء، في جبهة نِهم، باستثناء تقدّم في الشمال الشرقي لمحافظة صعدة. بالإضافة إلى ذلك، فإنه بعد 19 شهراً من بدء التدخل العسكري للتحالف بقيادة السعودية لإعادة الشرعية، لا يزال الرئيس عبدربه منصور هادي وأبرز مسؤولي نظامه وحكومته مقيمين بشكل شبه دائم في الرياض، وإن عادوا للداخل وكرروا القول في كل مرة إنها عودة نهائية، لكنهم سرعان ما يغادرون إلى الرياض من جديد.

وعلى الرغم من أن تأكيداتهم منذ ما يقرب من سنة أن نحو 70 إلى 80 في المائة من الأراضي اليمنية تم تحريرها من الانقلابيين، لكنهم لم يستطيعوا تقديم نموذج دولة في هذه المناطق، تبسط الأمن وتنشر الخدمات اللازمة للمواطنين وتُمكّن قادة الدولة من الاستقرار فيها لحين تحرير العاصمة صنعاء.

وغير ذلك من صور التعثر التي تجعل آمال اليمنيين تتراجع تجاه قدرة الشرعية على حسم الأمور بأقل الخسائر، بل إن بعض المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين وحلفائهم بعيداً عن مناطق المواجهات، تبدو أقل تدهوراً من الجانب الأمني من مناطق أخرى بيد الشرعية.

 

صورة الميدان
ويمكن تقييم نتائج الوضع في اليمن حتى اليوم وفق ما يلي:
- الجنوب (عدن ومحيطها)، تحت سيطرة أطراف محلية أقرب للانفصال، وقرار دولة الإمارات في هذا الجزء هو الأقوى حتى من قرار هادي نفسه. فيما السعودية تبدو تاركة التدخّل في أمور المناطق المحررة للحكومة الشرعية، ولا تتخذ خطوات واضحة بمعالجة الاختلالات أو الترتيبات في تلك المناطق.

- حضرموت (الشرق) ومحافظات محيطة بها، هي أيضاً تحت سيطرة قوات محلية أقرب للانتماء المحلي منه إلى الوطني، ولكن لا يزال في جزء منها قوات نظامية تتبع الشرعية بشكل عام وأفرادها من مناطق متفرقة في اليمن. تمتاز حضرموت، التي تُعتبر جزءاً من اليمن الجنوبي سابقاً، أقلَّ ميلاً إلى دعوات الانفصال، وأقرب إلى تبنّي تقسيم "الأقاليم" التي تجعل منها إلى جانب محافظات شبوة، المهرة، سقطرى، إقليماً يحتل نصف مساحة اليمن. وفي حضرموت يتنامى أيضاً الدور الإماراتي ولكن بشكل غامض.

- مأرب (وسط)، هذا الجزء أصبح مركزاً للشرعية وقواها والأطراف المؤيدة لها وخصوم الحوثيين وصالح عموماً في الشمال، ابتداءً بالموالين لحزب "الإصلاح" ولنائب الرئيس اليمني الفريق علي محسن الأحمر ومختلف الأطراف والشخصيات السياسية والقبلية المحسوبة على هذا الصف، الذي ينطلق بمعاركه نحو صنعاء وأطراف الجوف بمحاذاة صعدة، معقل الحوثيين. وتتمتع مأرب باستقرار نسبي أفضل من بقية المناطق المحررة، على الرغم من تعرضها بشكل شبه يومي لقصف من صواريخ بالستية من جهة الانقلابيين غالباً ما يتم التصدي لها ببطاريات الباتريوت.

- القسم الرابع من اليمن: وهو الواقع تحت سيطرة الانقلابيين، ويضم المنطقة الغربية والوسطى حيث صنعاء (العاصمة)، وأغلب محيطها، ومحافظات إب وذمار وعمران وصعدة وحجة والحديدة وريمة والمحويت، بالإضافة لأجزاء من البيضاء وتعز. هذا الجزء هو الأكثر كثافة سكانية وتتزايد فيه مشاعر النقمة تجاه الانقلابيين، لكن سياسة القمع لا تزال تكبح جماح أية احتجاجات.

وفي ما يتعلق أيضاً بالحوثيين وصالح، يبدو واضحاً أن أطرافاً دولية فاعلة ترفض فكرة اجتثاث أي منهما، وتضغط باتجاه تسوية تشملهما في مستقبل اليمن ما بعد الحرب. أما العلاقة الثنائية بين الطرفين الانقلابيين، فإن أكثر من ملف خلاف بات يؤزم تلك العلاقة، لكن الأرجح ألا تتحول مثل هذه الخلافات إلى عناصر تعمل على سرعة تفتيت هذا التحالف، إلا إذا توقفت الحرب التي تجمعهما وتُوحّد صفوفهما بشكل قسري، وعلى وجه التحديد عمليات التحالف.

ووسط الأزمة الاقتصادية التي تهدد بانهيار شامل، وعدم قدرة الانقلابيين على تحقيق أي نصر يغيّر المعادلة أو يخفف عنهم وطأة الحصار، كل ذلك يجعل الوضع مهيئاً لانتقال من نوع ما، لا يهدد بتشظي كيان الدولة في المدى المنظور بالضرورة بقدر ما يتمظهر بتعدد سلطات تُرسخ نفسها على الأرض وتجعل من عملية الانصهار في سلطة جامعة أمراً صعباً مع مرور الوقت، وهنا يكمن سر الحديث عن تسويات هشة تقوم بترحيل الحرب ولا تُنهيها.

 
نداء السياسة
بفعل امتداد فترة الحرب، تبدو التطورات السياسية عصية وتمضي بمسارات غير منضبطة تتجاوز تقديرات بعض من هم على رأس القرار في قيادة التحالف. فعلى سبيل المثال لا يبدو أن السعودية كانت عند بداية الحرب تتوقع أن تستمر المواجهات حتى اليوم. كانت التصريحات والتقديرات يومها تتحدث عن شهر وفي أبعد التقديرات ستة أشهر.

وقد دخلت الأطراف الحكومية والانقلابية، طيلة الفترة الماضية، في العديد من المحطات الحوارية بوساطة من مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد، وكان المتوقع لدى العديد من السياسيين والقادة والصحافيين والمحللين أنها بداية لحل، ثم تبخرت كأنها لم تكن، لتعود الحرب. ثم تعود مجدداً جهود الحل، وإنْ بتفاؤل أقل، خصوصاً بعدما كانت تقديرات أغلب السياسيين وحتى المشاركين في المفاوضات ترى أن مشاورات الكويت لا يمكن أن تفشل.

ومع فشل جولات التفاوض، تنزع المناطق المحررة مع مرور الوقت، إلى اجتزاء بعض من مقومات السيادة من صنعاء الواقعة تحت نير الانقلابيين، للمناطق المحررة، كنقل البنك المركزي وكذلك نقل مقار السفارات الأجنبية إلى عدن، وغيرها من الإجراءات التي تكرس واقع السلطات داخل الدولة الواحدة.

ويأتي ذلك كانعكاس لتعثّر التقدّم باتجاه العاصمة، بالإضافة إلى أن ممثلي هذه السلطات الناشئة بشقيها الحكومة والانقلاب ليسوا أصحاب قرار حقيقي، سواء بالنسبة للقيادة للشرعية، التي ما تزال إلى الآن قابعة خارج البلاد، وكذلك في ما يتعلق بالطرف الآخر (الانقلابيين)، والذي تبدو إرادة التصعيد والتهدئة لديه، مرتبطة بالأطراف الدولية والإقليمية الداعمة له، وتحديداً إيران. كل هذه التعقيدات تجعل من امتداد الوضع على ما هو عليه، بمثابة مقدمة لتوزُّع السيادة اليمنية بين محورين جغرافيين في وضع أشبه بوضع الضفة الغربية وغزة في فلسطين، حيث توجد "سلطتان ودولة واحدة"، بكل ما يفرضه مآل كهذا من تشظيات رأسية وأفقية يصعب مع الأيام جبر أضرارها. مع الأخذ بالاعتبار واقع الاحتراب المتجدد بين السلطتين جراء التماس التام المتوفر يمنياً والمنعدم في الحالة الفلسطينية.

كل هذه المعطيات تفرض على الأطراف اليمنية تعاملاً مغايراً تجاه نداءات الحلول السياسية أياً كانت المواقف والانطباعات الأولية من هذه الحلول المقترحة. وهو ما يفرض على سبيل المثال، على الشرعية النظر إلى مبادرة ولد الشيخ أحمد بعين الاهتمام والجدية، ووضعها على طاولة النقاش والتفاوض، وليس الرفض الكلي كلها وإخراج التظاهرات الشعبية الرافضة لها. وثمة من يرى أن هادي ونائبه الأحمر لو أعلنا للشعب قبولهما المبدئي وحتى المشروط، بخطة ولد الشيخ أحمد، التي تمس مواقعهما وإن كانت تحافظ على "جوهر الشرعية"، لكانا أخليا مسؤوليتهما تجاه فشل الحل السياسي (إن حدث)، ورميا الكُرة مباشرة إلى ملعب الانقلابيين.بارز

في المقابل، يفرض الوضع على الانقلابيين الذين وصل انقلابهم إلى حالة انسداد سياسي واقتصادي مستحكمة، نسيان أوهام استدامة السيطرة على مناطق تواجدهم باسم سلطة الأمر الواقع، والبدء العملي في وضع الترتيبات اللازمة للانسحاب من المدن وتفكيك المليشيا التي تشكّلت خارج إطار القانون مقابل ضمان كونهم سيكونون جزءاً من إدارة البلد في الفترة المقبلة إلى حين إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية يختار فيها الشعب من يريد.

زر الذهاب إلى الأعلى