تقارير ووثائق

الحوثيون والمولد النبوي: مناسبة دينية برسائل سياسية

تحوّلت ذكرى المولد النبوي إلى مناسبة سياسية بامتياز في اليمن، منذ سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين) على العاصمة صنعاء ومدن أخرى. وفي هذه المناسبة التي تصادف اليوم الأحد، وفي التاريخ الهجري 12 من ربيع الأول، أعلنت العطلة الرسمية في البلاد، على أن يتم الاحتفال بالذكرى على نطاق واسع في العديد من شوارع العاصمة اليمنية.

 

وأكد سكان أن الحوثيين بدأوا منذ أيام باستعدادات إحياء ذكرى المولد النبوي ونجحوا لأول مرة بحجز ميدان السبعين، أكبر ميادين العاصمة صنعاء، ليستضيف مهرجاناً جماهيرياً من المقرر أن يقام اليوم.

 

وبدأ الحوثيون الإعداد له منذ أيام، في ظل إجراءات أمنية مشددة لحماية المشاركين. وعلق الحوثيون في ميدان السبعين وشوارع متفرقة في صنعاء، لافتات موشحة باللون الأخضر، احتفاءً بالمناسبة، وكتبت عليها عبارات مختلفة وأخرى مقتبسة من القرآن.

 

لكن بعض اليافطات تضمنت رسائل سياسية على غرار "مستعدون للمواجهة حتى يوم القيامة جيلاً بعد جيل"، في إشارة إلى أن الحوثيين مستمرون في الحرب مع ما يصفونه ب"العدوان"، في إشارة إلى عملية "التحالف العربي" بقيادة السعودية.

 

وأكدت مصادر محلية في صنعاء أن مظاهر الاحتفاء هذا العام في الشوارع العامة بدت أقل مما كان حاصلاً في العامين الماضيين، وذلك بسبب الأزمة المالية. وفي ظل عجزها عن دفع رواتب الموظفين في المؤسسات الحكومية التي تسيطر عليها، خففت جماعة الحوثيين من نسبة الإنفاق على الاحتفالات بذكرى المولد النبوي. وكانت الجماعة قد حوّلت هذه الذكرى إلى ما يعتبره بعضهم مناسبة سياسية، تحتفل بها كما كانت الحكومات السابقة تحتفي بالأيام الوطنية.

 

ومنذ عام 2015، أصدر ما يسمى ب"اللجنة الثورية العليا"، قراراً يقضي باعتبار يوم 12 ربيع الأول من كل عام، عطلة رسمية في مختلف قطاعات البلاد العامة والخاصة. ويستغل الحوثيون هذه المناسبة كغيرها من المناسبات الدينية، من أجل التحشيد واستعراض النفوذ والسيطرة لدى الجماعة، ولإيصال رسائل سياسية داخلية وخارجية. وتتعدى مظاهر الاحتفال ب"المولد النبوي"، الساحات واللوحات الخضراء، إلى طلاء بعض سيارات مناصري الجماعة باللون الأخضر، وحتى بعض العربات العسكرية التابعة لمسلحيها، وصولاً إلى إطلاق الألعاب النارية في الهواء، عشية الذكرى.

 

هكذا، تبدو ذكرى المولد النبوي المناسبة الأهم بالنسبة للحوثيين، على الرغم من وجود مناسبات أخرى ك"الغدير"، والتي يحيها الحوثيون وأنصارهم، لكن بمظاهر لا ترقى لما هو حاصل بالاحتفال بمولد النبي.

 

وقبل توسع الحوثيين في السنوات الأخيرة كان إحياء "المولد النبوي" يقتصر على الصوفية وهي أحد المذاهب السنية التي كانت منتشرة في أغلب مناطق اليمن، وتراجعت مع انتشار السلفية في العقود الأخيرة، في وقت كانت فيه المناسبة لدى شيوخ الصوفية من أهم المناسبات التي يتم إحياؤها بطريقة يجتمع فيها الجانب الديني بالأدبي والفني، في آن واحد. وعلى العكس من ذلك، يرى المنتقدون للحوثيين، أنهم يحيون المناسبة باعتبار أن قادة الجماعة ومرجعياتها الفكرية والدينية تنتسب إلى "آل البيت"، من أحفاد علي بن أبي طالب. وهذا يعني أنهم يحتفلون بميلاد "جدهم"، وما يترتب على ذلك من رسائل متعلقة بتوريث الحكم لـ"آل البيت"، وليس فقط باعتباره النبي الذي يقتدي به المسلمون، مع إقرار الكثير من منتقدي الجماعة بحقها في الاعتقاد وإحياء المناسبة.

 

وفي ظل الوضع الحالي لليمن، يواجه الاحتفاء الذي يرى معارضوه بأنه مبالغ فيه، انتقادات من زاويا أخرى. ويقول الصحافي والمحلل اليمني، محمد الخامري، إن "الاحتفال المبالغ فيه والمصاريف المليونية التي تقوم بها سلطة الأمر الواقع تشكل نوعاً من العبث غير المبرر، لأننا نمر بمرحلة استثنائية وعدم وجود موارد دولة والموظفون لم يستلموا مرتباتهم منذ ثلاثة أشهر تقريباً".

زر الذهاب إلى الأعلى