كابوس انتحاريي الطوابير في اليمن: ظاهرة دموية بلا علاج
أعاد التفجير الانتحاري الذي استهدف تجمعاً للجنود في أحد المعسكرات بمدينة عدن، أول من أمس، مخلفاً نحو 50 قتيلاً وعشرات الجرحى، إلى الأذهان سلسلة تفجيرات انتحارية استهدفت طوابير مماثلة لمجندين في كل من عدن والمكلا خلال الأشهر الماضية.
ووقع التفجير الانتحاري خلال وقوف مئات الجنود في طابور لاستلام رواتبهم من قبل اللجنة الوزارية أمام معسكر الصولبان في منطقة خور مكسر بعدن، التي يقع فيها مطار عدن الدولي، الذي زاره الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، قبل ساعات من التفجير. واعتبرت رئاسة هيئة الأركان في الجيش اليمني أن هذه العملية تهدف إلى نشر الفوضى والقتل وتعطيل الحياة العامة وإعاقة تطبيع الأوضاع في المناطق المحررة، متوعدة بملاحقة من وصفتهم ب"القتلة".
وتكررت التفجيرات الانتحارية التي تستهدف طوابير لجنود في كل من عدن والمكلا أكثر من مرة، بطريقة أصبحت مثيرة للاستفهام عن الأداء الأمني، رغم تحذيرات الكثير من العسكريين والسياسيين والناشطين باتباع طرق أخرى في عمليات التسجيل وصرف الرواتب. وكان قتل نحو 60 شخصاً في هجوم انتحاري استهدف تجمعاً لمتطوعين كانوا ينتظرون للانضمام إلى قوات الجيش، على مقربة من مدرسة في شمال عدن في 29 أغسطس/آب الماضي.
وفي مدينة عدن أيضاً، قتل 20 شخصاً في تفجير انتحاري استهدف طابوراً خارج مركز تجنيد للجيش في مايو/أيار الماضي. وقبل تلك الحادثة بأيام فقط، سقط 30 قتيلاً وعشرات الجرحى في تفجير انتحاري وسط طابور لمئات من الشباب كانوا يستعدون للتسجيل في قوات الأمن أمام معسكر النجدة في مدينة المكلا مركز محافظة حضرموت، قبل أن يتبنى تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) التفجير.
وتشير حملة التفجيرات المتشابهة في طريقة التنفيذ إلى خلل أمني شجع الجماعات المسلحة لاستهداف قوات الجيش التابع للشرعية، الأمر الذي أثار استياءً واسعاً لدى ناشطي مواقع التواصل الاجتماعي والشارع اليمني عموماً، جراء الطريقة التي يحشر فيها الجنود أمام عدد من المعسكرات لأغراض مختلفة، من دون أي تشديد أمني تحسباً لأي عمل إرهابي يستهدف القوات الشرعية، التي ما فتئت تتشكل في المناطق المحررة.
ورغم تشكيل عدة لجان للتحقيق في هذه الحوادث، ومنها تفجير عدن السبت، إلا أن نتائج عمل هذه اللجان اختفت، أو أخفيت بفعل فاعل على ما يبدو، إذ إن الجهات الحكومية لم تعلن عن المسؤولين عن هكذا هجمات. وفي هذا السياق، يقول رئيس مركز مسارات للاستراتيجيا والإعلام، باسم الشعبي إن هناك إهمالاً من قبل السلطات الشرعية وتسيباً واضحاً ومتاجرة بدماء الأبرياء، وهناك من لا يريد للمشاكل أن تنتهي من أجل أن يستمر في السلطة أطول فترة على حساب الاستقرار والأمن. وأضاف الشعبي، إن الجماعات المتطرفة وجدت فريسة سهلة وانتقمت من الأبرياء، لكن إهمال السلطات لا يقل في الجرم عما يقترفه القتلة، مشيراً إلى أن تكرار التفجيرات، وبنفس الطريقة، يثير علامات استفهام، ويكشف عن تواطؤ من نوع ما.
وعن حقيقة المتسببين بمثل هذه الحوادث، أشار الشعبي إلى أنه تم تشكيل لجان تحقيق في الحوادث الإرهابية في عدن وغيرها، لكن السؤال بماذا خرجت هذه اللجان، وإلى ماذا توصلت؟ مضيفاً "علينا ألا ندعو لتشكيل لجان تحقيق، لأننا بذلك نوجد مخارج للمسؤولين، المتورطين، والمهملين، للإفلات من العقاب السريع، لأن اللجان لم تخرج بشي، وهؤلاء يصل جرمهم إلى حد إجرام القتلة، ويحتاجون إلى رد فعل سريع، بعيداً عن التلاعب بالتحقيقات، التي يذهب فيها الأبرياء عادة".
من جهته، يرى رئيس تحرير صحيفة "عدن الغد"، فتحي بلزرق، أن السبب وراء تكرار هذه الحوادث هو أن الحكومة الشرعية لم تتمكن من الانتقال من عمل ونشاط جماعات المليشيات إلى شكل الدولة الحقيقي. وأشار، إلى أن عدن مقسمة بين عدد من زعماء المليشيات الذين يمارسون نشاطهم بشكل فوضوي، الأمر الذي منح الجماعات المسلحة فرصة استهداف عشرات العسكريين. وأكد أن الحل يكمن فقط في إعادة ترتيب معسكرات الجيش، وبسط مؤسسات الدولة سيطرتها بشكل فعلي على كل مفاصلها، ومن دون ذلك ستشهد عدن المزيد من التفجيرات.