اليمن: إحباط وغضب
التفجير الانتحاري الذي ضرب معسكر "الصولبان" وتسبب في قتل وجرح العشرات من الشباب الذين ذهبوا مضطرين لاستلام مرتباتهم الضئيلة، لم يكن الأول وأتمنى أن يكون الأخير، لكن الحقيقة التي يجب مواجهتها هي عجز الحكومة عن اتخاذ أي تدابير احترازية في المواقع التي يتجمع فيها المجندون الذين التحقوا بالخدمة العسكرية لأن الجيش هو المؤسسة الوحيدة التي مازال التوظيف فيها ممكناً.
ليس سراً أن ما يجري في عدن بالذات مصدر قلق شديد لأنه يعيد تأكيد وجود إشكالية سياسية وإدارية تجعل من ضمان أمن الناس أمراً معقداً، وسيكون مجافاة للواقع الحديث عن انسجام أو ود صادق بين الحكومة وبين السلطة المحلية وهو ما يشتت موقع المسؤولية بين الجهتين، وهكذا يدفع المواطن ثمن هذا الخلاف حول الصلاحيات، خاصة أن عجز الحكومة عن تدبير أي من أمور الناس صار أمراً فاضحاً لضحالة كفاءة الكثير من العاملين معها وأصبحت تكتفي ببيانات الإدانة والاحتجاج منشغلة عن الهم العام بترتيب أوضاع الأقارب والأصدقاء، ولعل في إصرار رئيس الحكومة على نقل البنك المركزي من مقره القانوني إلى عدن دون أي ترتيب جاد أحد مؤشرات أسلوب عمل هذه (الحكومة الشرعية) وعدم الشعور بالمسؤولية الأخلاقية تجاه المواطنين، ويجب الابتعاد عن التنصل من المسؤولية وإلقائها على أطراف أخرى، ولا يبدو من تصريحاته ووزرائه أنهم معنيون باليمنيين المقيمين في المناطق الخاضعة لسلطة الانقلاب، وهذا أمر بالغ الحساسية لأنه ينهي ما تبقى من مصداقية للحكومة الشرعية فلا هي قامت بواجباتها في المحافظات الجنوبية ولا راغبة في مد يد العون لبقية سكان اليمن، وتكتفي بإطلاق النداءات والتصريحات التي صارت محل تندر في الداخل والخارج وكان آخرها الإعلان عن اتصال بين مسؤول رفيع في عدن مع قائد عسكري كبير متواجد على بعد أكثر من ألف كيلومتر ليستفسر منه عن الحادث الإرهابي الذي وقع في عدن.
هناك في الضفة المقابلة سلطة (أمر واقع) تدير الأمور في العاصمة صنعاء بالقسوة المفرطة، وغير قادرة على تدبير حياة الناس إلا بالمزيد من الشعارات وإحالة قضاياهم إلى المجهول، وزادت أن أثبتت عدم قدرة على ممارسة العمل السياسي المنضبط وذلك بتشكيل (حكومة) لا حول لها ولا قوة وأقصى أماني منتسبيها تثبيت دخل مادي فجميع أعضائها تخضع سلطاتهم لإشراف مندوب جماعة أنصار الله صاحب الكلمة الأخيرة في إدارة المؤسسات.
يدور الناس بين (الحكومتين) في حلقات مفرغة فيصيبهم الإحباط والغضب ومعهما يرتفع منسوب اليأس من الإدارتين (الشرعية) و(الانقلابية) لأنهما بعيدتان عن الهم الحقيقي الذي يعيش فيه الملايين من اليمنيين وقد يكون من المفيد التذكير أن أيا منهما لا تبذل أي جهد إيجابي تجاه الكارثة الإنسانية بل إن المفجع هو أن الكارثة نفسها أضحت مصدر ارتزاق للعديد من الذين امتهنوا حرفة الاستفادة من حاجة الناس وأحزانهم ولا تبدو لهذه المأساة من نهاية قريبة لأن متابعة سيل تبادل الاتهامات حول تدهور أحوال البلاد لا يهيئ سبيلا للخروج من الكارثة التي لن تقف حدودها عند ما نشاهده الآن، كما أن محاولات نفي المسؤولية التي تقع على الطرفين (الشرعي) و(الانقلابي) اللذان يتسابقان في تضخيم جهازهم الإداري لن يساهم مستقبلا في التحرك الإيجابي لإيجاد كوابح للمزيد من الانهيار، وتبادل الاتهامات لن يعفيهما من حجم الدمار النفسي والاجتماعي الذي تسبب جشعهما فيه.
إن المتابع للاستهتار السياسي الذي تدار به المناطق الخاضعة للسلطتين لا يبعث أملا عند الناس لقدرتهما على مواجهة الأزمات اليومية والمستقبلية، بل إنه صار يثير شكوكاً حول إحساسهما بهول الفاجعة التي تواجهها البلاد وعوضاً عن تقديم التنازلات الكبرى مقابل إنهاء الحرب واقتحام فضاءات السلام الذي تتلاشى حظوظه مع كل يوم تتواصل فيه الحروب الداخلية الصغيرة واستنزاف الأرواح وتنامي الأحقاد والكراهية.
اليمنيون على قناعة أن هذه القيادات قادرة وراغبة في وضع حد لهذه المأساة المروعة فقد تضخمت مصالحها وصار الهم الذاتي محركها والرغبة في الانتقام وتوارى الوطن خلف كثبان كثيرة من المنافع والمكاسب الشخصية.