اليمنيون محاصرون
أتمنى أن يكون الحادثان المروعان اللذان ضربا مدينة عدن خلال أسبوع واحد محفزاً لعمل جاد لوقف النزيف في اليمن والتحرك لإنهاء هذه الحرب التي تدفع البلاد نحو مصير بائس لن تخرج منه إلا بفاجعة لم يدرك الجميع هولها بعد، فكل من نراه ونسمعه ونقرأ عنه ليس إلا صورة مصغرة عن هول الإعصار الذي حول اليمن إلى ساحة مفتوحة لحروب داخلية على مستوى المناطق تتداخل فيها ويضاعف من جحيمها إشعال نيران المذهبية والمناطقية وروايات التاريخ.
المؤسف في الأحداث الإرهابية التي تعرضت لها عدن وغيرها من المدن اليمنية هو تهرب الحكومة (الشرعية) من مسؤولياتها مكتفية بإصدار بيانات وصرف تعويضات تافهة للضحايا وأسرهم وإلقاء ما حدث على القائمين على الإدارات المحلية وأمنها بنفس مناطقي واضح يشير إلى خلل فاضح في طريقة إدارة البلاد داخل المناطق التي صارت الحكومة تفاخر بأنها تحت سيطرتها ونماذج حالات التراخي التي تسببت في حالة الإحباط والغضب التي يشعر المواطنون بهما جراء الخفة التي تمارس من قبل المسؤولين لا تتوقف إثر كل حادث يودي بحياة يمنيين، وما يزيد من غيظ المواطنين هو الإهمال الذي تبديه الحكومة (الشرعية) إزاء معاناتهم وتهربها من مواجهة الأزمات التي يعاني منها المواطنون ليل نهار وخصوصاً ما يتعلق بالخدمات الأساسية كالكهرباء والماء والنقص الحاد في المشتقات النفطية والمواد الغذائية وارتفاع أسعارها بصورة جنونية.
من المثير للحزن أن يسعى الإقليم والعالم لبذل الجهد في وقف النزيف في اليمن والعمل لوضع حد للمأساة الإنسانية التي تضغط على حياة اليمنيين وآخرها ما جرى الأحد الماضي في الرياض بين أعضاء الرباعية بالإضافة إلى وزير خارجية سلطنة عمان ومبعوث الأمين العام السيد إسماعيل ولد الشيخ، بينما قادة الحرب يمارسون كل الوسائل لإطالتها للاستفادة من مغانمها، ولعل ما يروى من قصص الفساد الذي يمارس على كافة المستويات الذي يثير تساؤلات المواطنين حول قدرة وجدية بل ورغبة الحكومة (الشرعية) في الارتفاع بمنسوب مسؤوليتها الأخلاقية إذ ينشغل أغلب الوزراء بالسفريات والتصريحات الجوفاء والوعود الكاذبة والانشغال بوسائل التواصل الاجتماعي.
لقد أفرزت الحرب الدائرة تماهياً بين السياسي والطائفي والمناطقي وصارت أطراف الحرب ترفع من حدة نبرة الخطاب الديني وتعمل على التنشيط السلبي للذاكرة المجتمعية بأقاصيص تاريخية لتحشيد أنصارهم ضد الأطراف التي يحاربونها، وهو ما سيجعل كل الجهود السلمية المبذولة لوقف الدمار مجرد هدنة ينطلق بعدها المتحاربون لجولات أخرى أطول عمراً وأكثر كلفة وأشد قسوة. ولكن الحرب أضحت بالنسبة لقادة الميليشيات التابعة لجماعة أنصار الله - الحوثيين وعناصر من الحكومة (الشرعية) مصدر رزق مستدام وصاروا يرون في المسار الحالي للأحداث سانحة للمزيد من الثروة ولو كانت على حساب الناس، يحدث كل هذا في وقت تنهار فيه ما تبقى من هياكل مؤسسات الدولة وتتوارى قيادات الجيش المحترفة التي لم تشارك في الصراع العبثي وبتقدم عناصر للمواقع العليا بدون مؤهلات ولا خبرات سوى الانتماء المذهبي أو المناطقي.
ما يبدو واضحاً حتى اللحظة أن هناك رغبة خارجية مؤكدة لوقف القتال والدعوة للمفاوضات وكانت كلمات الوزيرين السعودي عادل الجبير والأمريكي جون كيري في المؤتمر الصحفي الأحد الماضي بالرياض واضحة بالتأكيد على أن الحرب يجب أن تنتهي بتسوية سياسية وفق مسار وضعته (خريطة الطريق) التي أعلنها ولد الشيخ في ٢٣ أكتوبر ٢٠١٦، ولكن الغموض في فقرات البيان بشأن وقف ما أسماه ب (الأعمال العدائية) يضع العبء كله على الأطراف المحلية ويفضح نواياهم في إنهاء الحرب.
مازال اليمنيون يضعون آمالهم على الرياض وأبو ظبي ومسقط لإقناع بل والضغط على قادة هذه الحرب للحضور إلى طاولة المباحثات في العاصمة الأردنية عمان للتوصل إلى هدنة دائمة تقود إلى وقف نهائي للحرب وإعادة فتح كل الموانئ والمطارات كي تعود الحياة الطبيعية لمجراها تدريجياً ويتمكن المواطنون المحاصرون في الداخل والخارج من الحركة.
عانى اليمنيون طويلا بسبب صراعات السلطة وأفلتوا الفرص من أيديهم وصار مصيرهم معلقاً برغبات الآخرين وتوافقاتهم واتفاقاتهم، وعليهم أن يدركوا أن حياتهم وحاضرهم ومستقبلهم مرتبط عضوياً بجوارهم وعليهم التوقف عن تجاهل الجغرافيا وحين يقتنعون بذلك فإن الاستقرار إلى أرضهم سيعود حتماً.