أبرز التطورات السياسية والميدانية للأزمة السورية في 2016
تعتبر عملية درع الفرات التي أطلقتها تركيا في الشمال السوري بهدف إبعاد خطر التنظيمات الإرهابية عن حدودها الجنوبية، من أهم الأحداث التي ألقت بظلالها على مجريات الأحداث في الساحة السورية خلال عام 2016.
وفي أواخر العام المنصرم حدد مجلس الأمن الدولي خارطة طريق للحل السياسي في سوريا، على أن يتم بموجبها خلال 2016، وقف شامل لإطلاق النار في عموم البلاد وتحضير دستور جديد، وإجراء انتخابات شفافة ونزيهة.
غير أنّ الأزمات الإنسانية التي تسببت بها قوات النظام السوري والقصف الروسي العنيف، أعاقت تطبيق بنود خارطة الطريق، حيث شهدت منطقتي مضايا والمعضمية التابعتين للعاصمة دمشق أواخر 2015، حالات وفاة بين الأطفال بسبب الجوع ونقص الأغذية.
وفي 30 أيلول/ سبتمبر عام 2015، تدخلت روسيا بقواتها العسكرية في الأزمة السورية بشكل فعلي، وصبّ النظام السوري جُلّ اهتمامه لبسط سيطرته على كامل محافظة حلب الشمالية، معتمداً في ذلك على الدعم الجوي الروسي لقواته البرية.
التدخل الروسي غيّر موازين القوى على الأرض
بينما تعاظم الدور الروسي في الأزمة السورية على الصعيدين السياسي والعسكري، بدأت الإدارة الأمريكية برئاسة باراك أوباما بفقد ثقلها وتأثيرها على الأزمة القائمة في سوريا.
ففي حين لم يفكر الرئيس الأمريكي أوباما بامتحان الروس عسكرياً في هذا البلد، كذلك فإنّ محاولاته وتصريحاته الداعية لحل الأزمة السورية بالطرق الدبلوماسية باءت بالفشل أيضاً.
وتكللت مشاركة الروس عسكريا في الحرب الدائرة على الأراضي السورية، بترجيح الكفة لصالح قوات النظام السوري وداعميها، حيث بدأت هذه القوات مطلع شباط/ فبراير الماضي، بقطع الطريق الواصل بين تركيا وشرقي حلب، وحاصرت المدينة من شمالها وجنوبها.
وبسبب الحصار والهجمات العنيفة التي قامت بها قوات النظام السوري وداعميها من التنظيمات الإرهابية الأجنبية، تمّ تعليق مفاوضات السلام التي كانت جارية في مدينة جنيف السويسرية بتاريخ 29 كانون الثاني/ يناير الماضي، ولم تُستأنف خلال 2016 مجدداً.
ومطلع سبتمبر/أيلول الماضي، قامت قوات النظام السوري بقطع طريق "الكاستيلو" الذي يعدّ المنفس الوحيد لأهالي شرقي حلب ونقطة التواصل الوحيدة مع العالم الخارجي، وبذلك خضع قرابة 300 ألف مدني لحصار قوات "الأسد" بشكل كامل.
وشهدت المناطق المحاصرة في محافظة حلب الشمالية أعنف قصف من قوات النظام السوري وداعميها من الميليشيات الإرهابية الأجنبية، منذ بدء الأحداث الدموية التي دخلت عامها السادس.
ومنذ إحكام الحصار الخانق على شرقي حلب مطلع سبتمبر الماضي إلى 13 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، الذي أُعلن فيه عن اتفاق بواسطة تركية روسية لإجلاء المدنيين والمسلحين من شرقي حلب، قُتل ألف و138 مدني في الغارات المكثفة على مناطقهم.
نجحت تركيا من خلال عملية درع الفرات في الشمال السوري، في إبعاد "داعش" عن حدودها الجنوبية
وصبيحة 15 كانون الأول/ ديسمبر الحالي، بدأت عمليات إجلاء المحاصرين من شرقي حلب، رغم محاولات الإعاقة التي قامت بها المجموعات الإرهابية الأجنبية الموالية للنظام السوري، وتمّ إجلاء قرابة 45 ألف مدني ومسلحٍ من تلك المناطق نحو محافظة إدلب المجاورة، وذلك بعد مساعٍ دبلوماسية كبيرة بذلها الجانب التركي.
كما أن من أبرز الأحداث التي شهدتها الساحة السورية خلال 2016، تمدّد تنظيم "ب ي د" (الذراع السوري لمنظمة بي كا كا الإرهابية) في آب/ أغسطس العام الماضي، إلى مناطق في غربي نهر الفرات بدعم أمريكي، بعد أن استولت عناصرها على سد "تشرين" المقام على نهر الفرات والذي كان يخضع لسيطرة عناصر تنظيم "داعش" الإرهابي.
وفي شباط/ فبراير الماضي، شنت عناصر "ب ي د" الإرهابية هجوماً على مدينة منبج بريف حلب الشرقية، وبسطت سيطرتها الكاملة عليها، بعد أن حصلت على دعم كبير من الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الغربية الأخرى.
ولم تف الولايات المتحدة بوعودها المقدّمة لتركيا حول ضمان انسحاب عناصر "ب ي د" من مدينة منبج بعد دحر عناصر "داعش" منها، واستمر التنظيم المذكور بتطبيق خطط التوسع في غربي الفرات.
وعقب تعاظم خطر التنظيمات الإرهابية بالقرب من الحدود الجنوبية لتركيا، أطلقت أنقرة بالتعاون مع فصائل الجيش السوري الحر في 24 آب/ أغسطس الماضي، عملية درع الفرات في الشمال السوري بهدف ردع خطر التنظيمات الإرهابية عنها وتوفير مناطق آمنة للمدنيين، وذلك وسط ذهول ومراقبة دقيقة من قِبل المجتمع الدولي.
وبفضل هذه العملية تمّ إبعاد خطر تنظيم "داعش" الإرهابي عن الأراضي التركية، وتحرير مساحة ألف و840 كيلومتر مربع من التنظيمات الإرهابية.
وتطال سهام عملية درع الفرات في هذه الأونة أوكار تنظيم "داعش" الإرهابي في مدينة الباب بريف حلب الشرقي، التي تعدّ من أهم معاقله في هذه البقعة الجغرافية.
ومع إبعاد عملية درع الفرات خطر الإرهابيين عن الحدود التركية، فإنها تساهم في الوقت نفسه في إفشال خطة تنظيم "ب ي د" الرامية لتوحيد مناطق شرقي الفرات، بالأراضي التي سيطر عليها في غربي هذا النهر.
وفي 20 كانون الأول/ ديسمبر الحالي، احتضنت العاصمة الروسية موسكو اجتماعاً ثلاثياً حضره وزراء خارجية روسيا وتركيا وإيران، وتركّزت مباحثاتهم حول تعميم وقف إطلاق النار في عموم البلاد، وتفعيل محادثات السلام المتوقفة منذ مطلع 2016.
تسارع الجهود الديبلوماسية من أجل الوصول لاتفاق لوقف إطلاق النار
وأمس الخميس، توصلت تركيا وروسيا إلى اتفاق حول مقترح لوقف إطلاق نار شامل سيعرض على أطراف الأزمة في سوريا، ويستثني التنظيمات الإرهابية.
وبحسب مصادر تركية موثوقة، فإن أنقرة وموسكو ستبذلان جهودًا حثيثة لإدخال وقف إطلاق النار بين الأطراف المتنازعة حيّز التنفيذ اعتبارًا من ليلة الخميس-الجمعة.
وفي حال نجاح وقف إطلاق النار، ستنطلق مفاوضات سياسية بين النظام السوري والمعارضة في "أستانة" عاصمة كازاخستان برعاية تركية روسية، وذلك قبل انتهاء الشهر الأول من العام الجديد 2017.