أبو تريكة.. هل ينجو أمير القلوب من فخ قائمة الإرهاب بمصر؟
ربما لم يتفق معظم المصريين رغم اختلاف انتمائاتهم، خلال السنوات الست الماضية، على شخص، كما اتفقوا على حب وتقدير لاعب كرة القدم المعتزل، محمد أبو تريكة، بعد أن احتل قلوب الجماهير بأدائه الكروي الرائع، وأخلاقه الراقية، ومواقفه الإنسانية التي سببت له أزمات لا يزال يدفع ثمنها.
وحسب وكالة أنباء الأناضول، خلال الساعات الماضية، لا حديث يعلو في مصر عن إعلان إدراج أبو تريكة (38 عاما) على "قائمة الإرهاب"، لكونه أحد المتحفظ على أموالهم بدعوى دعمه لجماعة الإخوان المسلمين، وذلك في توقيت يشهد فيه البلد حراكا سياسيا مرتبط بالذكرى السادسة لثورة 25 يناير/ كانون ثان 2011.
هذا فضلا عن مصير جزيرتي تيران وصنافير، الواقعتين عند مدخل خليج العقبة في مدخل البحر الأحمر، وسط مداولات حكومية وقضائية بشأن أحقية مصر أم السعودية بهما، بخلاف متابعة المصريين لمباريات كأس الأمم الإفريقية لكرة القدم، التي تشارك فيها مصر بعد غياب عن النسخ الثلاثة الماضية.
في هذه الأجواء، وللمرة الأولى، أدرجت محكمة جنايات القاهرة، الخميس الماضي، أبو تريكة على "قائمة الإرهاب" لمدة ثلاث سنوات، لكن منطوق الحكم آنذاك لم يذكر أسماء من أدرجتهم المحكمة على القائمة.
وأوضحت حيثيات الحكم، الصادرة مساء الثلاثاء الماضي، في 22 صفحة، واطلعت "الأناضول" على نسخة منها، أن القائمة، وبالإضافة إلى أبو تريكة، تضم محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيا بمصر، وقيادات بجماعة الإخوان المسلمين (التي تعتبرها الحكومة إرهابية)، على رأسهم المرشد العام للجماعة، محمد بديع.
مصير اللاعب
في فبراير/ شباط 2015، أصدر الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، قانون الكيانات الإرهابية، وهو ينص على أنه بالنسبة للأشخاص المدرجين على قائمة الإرهاب، فيتم "الإدراج على قوائم المنع من السفر وترقب الوصول، أو منع الأجنبي من دخول البلد، وسحب جواز السفر أو إلغاؤه، أو منع إصدار جواز سفر جديد، وفقدان شرط حسن السمعة والسيرة اللازم لتولي الوظائف والمناصب العامة أو النيابية، وتجميد الأموال متى استخدمت في ممارسة نشاط إرهابي".
ومنذ نشر حيثيات الحكم والسؤال الأكثر إلحاحا وتداولا في مصر هو عن مصير لاعب الأهلي ومنتخب مصر المعتزل، وهل أصبح بالفعل إرهابيا بحكم القانون وبشكل رسمي، ويحظر عليه ممارسة حياته بشكل طبيعي، مثل التصرف في الأموال والممتلكات والسفر؟
محمد عثمان، محامي أبو تريكة، صرح للأناضول بأن "اللاعب موجود حاليا في قطر، ولن يعود إلى مصر قبل 5 فبراير/ شباط المقبل، فهو مرتبط بعقد عمل مع شبكة قنوات بي إن سبورت، لتحليل مباريات كأس الأمم الإفريقية" لكرة القدم، التي انطلقت نسختها الحادية والثلاثين في الجابون يوم 14 يناير/ كانون ثان الجاري.
المحامي مضى قائلا: "لا نزال ندرس هذا القرار الغريب، وسنسلك الطريق الذى رسمه القانون بعد الإطلاع على قرار المحكمة، وذلك بالطعن أمام محكمة النقض خلال 60 يوما من نشر قرار الإدراج بالجريدة الرسمية.. نثق في سلامة موقف أبو تريكة القانوني وقضاء محكمة النقض (أعلى هيئة للطعون بمصر)".
وردا على سؤال بشأن موقف اللاعب من العودة إلى مصر، أجاب عثمان: "القرار لم يمر عليه سوى قليل، ولا زلنا نتناقش أنا وهو، ولم نتخذ قرارا نهائيا بشأنه بعد".
وعن رأيه في قرار المحكمة، اعتبر أنه "قرار باطل شكلا وموضوعا؛ فهو مخالف للقانون، حيث لم يصدر بحق أبو تريكة أية أحكام جنائية، ولم تجر معه تحقيقات قضائية، ولم يتم استدعاؤه ومواجهته باتهامات محددة ليتمكن من الدفاع عن نفسه وهو ما يخالف نص الدستور".
وموضحا، تابع المحامي أن "التحفظ على الأموال وبلاغ لجنة التحفظ، الذى صدر بناء عليه قرار الإدراج، يستند فقط إلى تحريات للشرطة دون أدلة أخرى.. ورغم صدور حكم واجب النفاذ من القضاء الإداري باستمرار تنفيذ الحكم (الخاص بإلغاء قرار التحفظ على أموال أبو تريكة بدعوى تمويله لجماعة الإخوان المسلمين) إلا أن اللجنة لم تلتزم بحكم القضاء".
استنكار إعلامي
ومنذ إدراج أبو تريكية على قائمة الإرهاب والجدل يتصاعد في مصر بين غالبية، حتى بين أنصار السيسي، ترى القرار ظالما بحق لاعب ملتزم كثيرا ما أدخل السعادة على قلوب المصريين، حتى بات ملقبا ب"أمير القلوب" و"تاجر السعادة"، وبين مؤيدين للقرار باعتباره جزاءا لما يقولون إنه موقف داعم من أبو تريكية لجماعة الإخوان، التي أطاح السيسي، حين كان وزيرا للدفاع، بمرسي، المنتمي إليها، في 3 يوليو/ تموز2013.
ومع أبو تريكية تضامن غالبية الإعلاميين الموالين للنظام الحاكم، بينما اعتبر بعض الإعلاميين أنه "داعم للإخوان ومواقفها ويستحق المحاكمة".
عبر برنامجه على فضائية "دريم" الخاصة، قال الإعلامي وائل الإبراشي إن "أبو تريكة أبهج المصريين، وكنت أتوقع وضعه بقائمة المجد لا الإرهاب".
كما دافع عنه الإعلامي عمرو أديب، عبر فضائية "أون تي في" (خاصة) قائلا: "أنا عاوز (أريد) أعرف هو عمل ايه (ماذا فعل)؛ لأن وارد جدا واحد مننا يتم وضعه في الحكاية دي (يقصد قائمة الإرهاب)".
تضامن إلكتروني
وعلى الفضاء الإلكتروني، استحوذ خبر إدراج أبو تريكية على قائمة الإرهاب على اهتمام مستخدمي موقعي "تويتر" و"فيسبوك" في العالم العربي.
فخلال الساعات الماضية، تصدرت عدة هاشتاغات (وسوم) منها: #ابو_تريكة_مش_مجرم، و#ابو_تريكة_ارهابي_وانا_ارهابي.
وعلى "فيسبوك"، أعاد لاعب منتخب مصر، ونادي روما الإيطالي، محمد صلاح، مساء أمس، نشر تغريدة قديمة له، قال فيها: "ستظل في القلوب يا تريكة، ويكفيك حب الناس لك"، مضيفا: "كتبتها سابقا، وأعيدها مرة ثانية يكفيك حب الناس".
لاعب منتخب مصر السابق لكرة القدم، أحمد حسام (ميدو)، غرد عبر "تويتر": "لا أعرف أي تفاصيل عن مشكلة أبو تريكة، ولكني أشهد أمام الله أنه واحد من أفضل الشخصيات التي تعاملت معها في حياتي وأنه رجل طيب ومتسامح".
وموجها حديثه إلى أبوتريكة، غرد حارس مرمى النادي الأهلي المصري، أحمد عادل عبدالمنعم، عبر "تويتر": "ربنا يحبب فيك خلقه، الدعوة دي معمولة علشانك أنت".
ورغم المنافسة التاريخية بين الأهلي والزمالك، قطبي كرة القدم في مصر، فإن أبو تريكة يحظى بحب وبتقدير كبيرين بين مشجعي الكرة على اختلاف انتمائاتهم؛ نظرا لما يتمته به من خلق وبعد عن التعصب، فضلا عن موهبته، وما حققه من بطولات مع ناديه ومنتخب مصر.
وعلى "تويتر" أيضا، كتب إبراهيم سعيد، مدافع المنتخب المصري المعتزل: "مهما نختلف في الانتماء سواء أهلاوي أو زملكاوي ولكن أبو تريكة رمز من رموز الكرة المصرية واتمنى حل مشكلته بإذن الله".
ومغردا، شارك المعلق الكروي الجزائري، حفيظ دراجي بقوله: "يجب أن نقرأ على الدنيا السلام، عندما يصنف الكابتن محمد أبو تريكة إرهابيا، وهو واحد ممن شرفوا مصر والعرب وأسعد عشاقه بأخلاقه قبل مهاراته الكروية".
تمثيل المنتخب شرف
وفي أول ظهور له بعد إدراجه على قائمة الإرهاب، قال أبو تريكة، مساء أمس الأربعاء، عبر ستوديو شبكة قنوات "بي إن سبورت"، إن "تلبية نداء المنتخب الوطني شرف وواجب".
عبارة أبو تريكة جاءت تعليقا على رفض عدد من ﻻعبي المنتخب الكاميروني الانضمام إلى منتخب بلدهم في بطولة الجابون.
أبو تريكية أضاف أن "تمثيل المنتخبات الوطنية رسالة للأجيال التي تأتي بعدنا، ورسالة للشباب الصغار، وتمثيل المنتخبات الوطنية شرف كبير".
ونظرا لموهبته وإنجازاته وما يتمتع به من شعبية جارفة بين عشاق الساحرة المستديرة في العالم العربي، تحرص اتحادات وهيئات رياضية إقليمة ودولية على دعوة أبو تريكة لحضور فعالياتها، وكان أحدثها حضوره، يوم 9 يناير/ كانون ثان الجاري، حفل توزيع جوائز "الأفضل" خلال موسم 2016 في مدينة زيورخ السويسرية، بدعوة من الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، وسط أبرز النجوم الحاليين والمعتزلين من مختلف قارات العالم.