على هامش زيارة إلى الكويت
قضيت أربع أيام في الكويت بدعوة من المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب للمشاركة مع مجموعة من المثقفين العرب والكويتيين وكان عنوان الندوة (النزاعات والإغاثة..دور الكويت) وشملت جلسات الندوة أوراقا تقدم بها عدد من الخبراء في مراكز متخصصة بحل النزاعات وكذا المنظمات المعنية بقضايا الاغاثة وكان النقاش حيا ومفيدا من حيث تبادل الأفكار والاقتراحات التي تساهم في تعزيز العمل الإنساني في العالم العربي.
كان لي تعقيب في احدى الجلسات قلت فيه ان دولة الكويت من الدول القليلة في العالم التي لا تربط بين العمل الإنساني الذي تقدمه دون منٍ ولا أذى والمواقف السياسية ولا تضع اشتراطات مسبقة غير ضمان نزاهة التنفيذ ووصول المساعدات إلى مستحقيها وأكدت انها ظلت تقدم المساعدات لكافة الدول في قارات الأرض دون ضجيج ولا تضخيم، وواقع الحال ان امير الكويت الشيخ صباح الأحمد انفرد بوضع بصماته على السياسة الخارجية لبلاده منذ عقد الستينات وظل راعيا لها عبر الابتعاد بالكويت عن الصراعات الخارجية ولعب أدوارا تاريخية في حل الكثير من الخلافات التي نشبت بين دول عربية ومن ضمنها اليمن فقد جمعت الكويت قيادات الجنوب والشمال في ٢٨ مارس ١٩٧٩ وتم فيه التوقيع عن اعلان الكويت الذي كان احدى المحطات الهامة في مسيرة الوحدة اليمنية.
اتاحت لي هذه الزيارة لقاء عدد من اعلام الكويت الثقافية فأسعدني الحديث مع الدكتور محمد الرميحي الذي أحاط كل المشاركين بالرعاية والكرم عن مسارات الحرب الاهلية في اليمن الذي تؤرق مآسيه الانسانية كل كويتي التقيته وعلى كافة المستويات، وكان الأستاذ علي حسين اليوحة امين عام المجلس الوطني للثقافة والفنون والاداب تعبيرا صادقا عن الاهتمام الكويتي بالقضايا العربية، واستمعنا إلى دور الهلال الأحمر الكويتي بسرد موثق من رئيسه الدكتور هلال الساير.
في اخر أيام اقامتي في الكويت اقترح علي الأخ والصديق الموريتاني المفكر الدكتور عبدالله ولد آبه زيارة الدكتور عبدالله يوسف الغنيم رئيس مركز البحوث والدراسات الكويتية، وكانت الزيارة بحق فرصة للاطلاع على الجهد الذي قام به المركز لتوثيق تاريخ الكويت وجمع ارشيفه وإعادة تنسيقه وطبع الكثير من مذكرات المستشرقين والعاملين الأجانب في بدايات القرن الماضي ثم تخزين كل البيانات المرتبطة بالكويت ارضا وحدودا والتثبت العلمي والموضوعي لكل وثيقة وسرد وصورة، وكان اكثر ما شد انتباهي واسعدني هو قيام بعض الاسر الكويتية العريقة بتحويل ما لديها من مذكرات ووثائق وصور ومقتنيات ترتبط بتاريخ الكويت والمنطقة إلى المركز للاحتفاط بها وعرضها للمهتمين وهذا دليل وعي متقدم على أهمية التوثيق والحفاظ على التراث، وكانت الحيوية واللطف والادب الجم الذي احاطنا به الدكتور عبدالله الغنيم اثناء الجولة في اجنحة المركز خاتمة رائعة لزيارة ثانية أقوم بها إلى الكويت، فقد استفدت من علمه وتجربته وشدتني عاطفته الشديدة لليمن والبلاد العربية.
الدكتور عبدالله الغنيم والدكتور محمد الرميحي نماذج مشرقة للإنسان الكويتي الذي لم يتخل عن حبه لامته العربية رغم مرارة التجربة التي هزت بلادهم عام ١٩٩٠ وستظل الكويت كما عهدناها كريمة محبة وفضاء واسعا للفكر الحر في الثقافة والفنون والآداب.