[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]
تقارير ووثائق

تقرير جديد لأطباء بلا حدود: الرعاية الصحية تحت الحصار في تعز.. فيديو

أعلنت منظمة أطباء بلا حدود في ايمن، أن القتال يتواصل في تعز، المدينة الثالثة الأكثر اكتظاظًا بالسكان في اليمن، منذ سنتين تقريباً وبات الوضع الطبي والإنساني تعيسًا للغاية، ويبدو أنّه سيشهد على الأرجح مزيداً من التدهور.
وأوضحت المنظمة في تقرير حديث لها: يواصل القصف والغارات الجوية وتبادل إطلاق النار والألغام الأرضية والقناصة إصابة السكان المحليين وتشويههم وقتلهم، بينما أصبح الوصول إلى الرعاية الصحية المنقذة للحياة محدودًا بشكل متزايد.

ويتابع التقرير:
ومنذ تأجّج النزاع في مارس/آذار 2015 حين قامت حركة أنصار الله (الحوثيين) المتحالفة مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح بالإطاحة بحكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي في صنعاء واستمرت بالتقدّم باتجاه جنوب اليمن وبعد استهلال قوات التحالف الذي تقوده السعودية حملتها الجوية لدعم هادي، عالجت منظمة أطباء بلا حدود ما يزيد عن 55 ألف جريح حرب في اليمن، من بينهم أكثر من 10,700 شخص في تعز.

لم تشهد تعز على أكثر من هدوء محدود في القتال منذ وصلت الحرب إلى المدينة. حتّى خلال فترات مفاوضات السلام ووقف إطلاق النار، استمر العنف أو حتّى أنّ مستواه ارتفع أيضًا. والأثر المباشر والفتاك على السكان واضح بقدر مروع. وتستحوذ النساء والأطفال وبشكل غير مقبول على نسبة مرتفعة من أعداد جرحى الحرب.

وهذه المدينة التي جسّدت في ما سبق المحور الثقافي اليمني المُحاط بالجبال الشاهقة والتلال، تقلّص عدد سكانها ليبلغ ثلث العدد المسجل قبيل الحرب. لكنها ما زالت تعتبر منطقة حرب حضرية مكتظة بالسكان حيث يعيش 200 ألف شخصًا محاطين بالقصف المدفعي الشديد المتواصل، والغارات الجوية شبه اليومية والمواجهات المسلّحة. وتسيطر ما تعرف بالمقاومة على وسط المدينة المُحاط بالقوات الحوثية/التابعة لصالح، وهذه المقاومة عبارة عن مجموعات مختلفة اتحدت مع بعضها البعض ليس من أجل ولائها للرئيس عبد ربه منصور هادي الذي تدعمه السعودية، بل لمعارضتها لحركة أنصار الله (الحوثيين) والقوات المتحالفة مع الرئيس السابق على عبد الله صالح. وأضحت الشوارع في وسط المدينة تعرف بالمنطقة المعزولة تحت سيطرة مجموعات مسلحة مختلفة تشتبك مع بعضها البعض في كثير من الأحيان. وتُطلق القذائف داخل وسط المدينة وخارجه بينما تخضع حركة السكان والبضائع دخولاً وخروجاً لقيود شديدة ورقابة محكمة.

هذا ولا يُبدي أي طرف من الأطراف المتنازعة في تعز احتراماً لمبدأ حماية المدنيين. وأفاد مرضانا والقائمون على رعايتهم، على جانبي خطوط الجبهات في المدينة، عن تعرضهم للإصابة جرّاء القصف بينما كانوا يعدّون الطعام في المنزل، وجرّاء الغارات الجوية بينما كانوا يتوجهون إلى حقولهم، وعن تعرضهم لإطلاق نار على يد القناصة بينما كانوا يمشون في الشوارع خارج منازلهم، وللتشويه بسبب الألغام الأرضية بينما كانوا يرعون المواشي.

كما وطال العنف الخدمات الطبية، إذ تعرضت المستشفيات بشكل متكرر للقصف وإطلاق النار، وأصابت غارة جوية إحدى العيادات، وتعرضت كذلك سيارات إسعاف لإطلاق نار أو تمت مصادرتها أو اقتحامها من قبل المسلحين. وقتل الموظفون الطبيون كذلك وهم في طريقهم إلى العمل، وتعرضوا للمضايقات والاعتقال والتهديد وأجبروا على العمل تحت تهديد السلاح. ويعرّض العاملون في المجال الصحي أنفسهم للخطر أكثر فأكثر بالعمل في تعز، ويخشى كثيرون خسارة أرواحهم في أثناء العمل.

يصب هذا التقرير تركيزه على الأثر المباشر للحرب على سكان تعز، وعلى انهيار الخدمات الصحية في المدينة المنقسمة والضرر الجانبي الذي خلّفته الحرب على السكان بحسب ما شهدت طواقم منظمة أطباء بلا حدود في تعز. ويسلّط التقرير الضوء على عدم احترام البعثات الطبية المحايدة والمحمية، الذي يظهر بشكل خطير.

تشويه الأطفال وغيرهم من المدنيين وقتلهم بشكل عشوائي
"استقبلنا البارحة طفلًا في التاسعة من العمر مشوهًا بسبب لغم أرضي. قالت عائلته إنّه كان على التلال يرعى الأغنام عندما داس عليه. وصل وأقسام جسمه منفصلة بالكامل عن بعضها البعض. كانت ساقاه منفصلتين عن جذعه بسبب الانفجار. لا بدّ أنّه لقي حتفه مباشرةً".
- مشرف، وسط مدينة تعز، 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2016.

" لا يأتي أثناء الليل إلى غرفة الطوارئ التي نديرها إلا المرضى الذين تكون حالتهم المرضية في غاية الصعوبة. يقول الأهالي بأن المصابيح الأمامية للسيارة يمكن أن تجذب نيران القناصة أو هجمات أخرى، وبهذا تزداد مخاطر الوقوع في شرك عمليات تبادل إطلاق النار، لذلك فهم عادة يتجنبون التنقل بعد حلول الظلام".
"وقعت الواقعة بعد الغداء وكانت النساء على الطابق الثالث. كنت أغسل الصحون في مبنى آخر. كان الوضع هادئًا للغاية ولكن فجأة، استهدفت قذيفة هاون المنزل. قتلت خالتي وجدتي وزوجة خالي واثنان من أولاد خالي. تواجد نجل خالتي البالغ شهرين من العمر في تلك الغرفة أيضًا ولكنه نجا".
- طبيب الأطفال في مستشفى الأمومة والطفولة التابع لمنظمة أطباء بلا حدود في تعز، 21 أكتوبر/تشرين الأول 2016

المعاناة الإنسانية

"يتوفر أمام الأفراد المحتاجين إلى رعاية طبية خياران فقط: إمّا البقاء في منازلهم والنزف حتى الموت، أو المخاطرة والتوجّه إلى المستشفى لإنقاذ حياتهم. لا يشعرون بالأمان بتاتًا".
- مشرف في غرفة الطوارئ، وسط مدينة تعز، 22 أكتوبر/تشرين الأول 2016

"ولدت طفلاي التوأمين هنا في هذا المستشفى، وكانا على ما يرام، لذلك ذهبنا إلى البيت. في المنزل، بدآ يعانيان من الإسهال والقيء. أشربتهم حليب الغنم لأنني لا أستطيع أن أرضعهم الكمية الكافية، فحياتنا بائسة، وزوجي لا يكسب ما يكفي من المال، لذلك فإننا نأكل الخبز والعصيدة فقط ونشرب الشاي، فلا يوجد لدينا رز أو دجاج. بقينا في المنزل لمدة أسبوع، ثم أحضرت التوأمين إلى المستشفى وتم قبولهما في برنامج سوء التغذية في العيادات الخارجية. كان من المفترض أن نراجع المستشفى مرة واحدة في الأسبوع، إلا أننا لم نستطع الذهاب في الأسبوع التالي لعدم توفر الوقود في سيارة زوجي. بعد عودتنا إلى المستشفى بعد أسبوعين، تم إدخال التوأمين إلى قسم العيادات الداخلية بسبب حالتهم السيئة".
-أديبة، والدة التوأمين عبد اللطيف وألطاف اللذين يتلقيان العلاج الخاص بسوء التغذية في مستشفى الأمومة والطفولة التابع لمنظمة أطباء بلا حدود في تعز، أكتوبر/تشرين الأول 2016.

أطباء عالقون في النزاع

أطباء بلا حدود في تعز
في عام 2016، قامت الطواقم الطبية في مستشفى الأمومة والطفولة التابع لمنظمة أطباء بلا حدود والطواقم الطبية في أقسام الأمومة التي تلقى الدعم من المنظمة في تعز بتقديم المساعدة في أكثر من 5300 عملية توليد. وقد قامت الطواقم الطبية التابعة للمنظمة في تعز بتقديم أكثر من 31,900 استشارة سابقة للولادة وأكثر من 2600 استشارة ما بعد الولادة على مدار العام. ومنذ اندلاع النزاع في تعز قبل سنتين تقريباً، قامت منظمة أطباء بلا حدود بتقديم المساعدة والعلاج لأكثر من 10,700 من جرحى الحرب.

"كان هنالك قتال عنيف في الساعة الخامسة من مساء أمس حيث كان هناك الكثير من القصف والطلقات النارية. تم ضرب منزل أحد جيراننا أثناء الليل. فقمت أنا وابنتي بالسير لثلاث ساعات عبر الجبال لانقطاع الطريق بسبب القتال، ومن ثم استقلينا الحافلة. وضعت ابنتي مولودها في منزل طبيبة أخبرتنا بأننا بحاجة لأخذ الرضيع إلى المستشفى. فقام أحد القرويين بأخذي أنا والرضيع إلى مستشفى خاص بسيارته ذات الدفع الرباعي، لكنهم لم يستطيعوا تقديم المساعدة هناك. ومن ثم واصلنا طريقنا إلى هنا، لكن عندما وصلنا أخيراً، كان قد فات الأوان".
- جدة أحد الأطفال حديثي الولادة الذين لقوا حتفهم جراء الاختناق أثناء الولادة، مستشفى الأمومة والطفولة التابع لمنظمة أطباء بلا حدود في تعز، 26 أكتوبر/تشرين الأول 2016.
إنهيار الخدمات الصحية في المدينة المقسمة
"إن الوضع الطبي مأساوي، فقد انهارت الرعاية الصحية. تسلط وسائل الإعلام الضوء على عملية جراحية يخضع لها أحد جرحى الحرب، إلا أنها تتجاهل قصص المرضى الذين يعانون من أمراض مثل السكري وارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب والفشل الكلوي والصرع. فهؤلاء المرضى يعانون الويلات لأنهم لا يستطيعون الحصول على الأدوية، غير المتوفرة أصلاً، أو لأنهم لا يستطيعون تحمل تكاليفها".
- المشرف الطبي، أحد المستشفيات الواقعة في مركز مدينة تعز، 22 أكتوبر/تشرين الأول 2016.

"إن المرضى الذين يزورون المستشفى على نحو منتظم هم مرضى غسيل الكلى، لأنهم يأتون مرتين أسبوعياً. ويأتي هؤلاء المرضى من مناطق بعيدة، ويطلب بعضهم البقاء في المستشفى لأنهم فقراء جداً ولا يمكنهم تحمل أجور المواصلات".
- المشرف في غرفة الطوارئ، أحد المستشفيات التي تقع في مركز مدينة تعز، 22 أكتوبر/تشرين الأول 2016.

إحتياجات الشعب اليمني
"نعيش هنا داخل هذه الخيام التي قمنا بنصبها بأنفسنا منذ عام وثمانية أشهر. هربنا من وسط المدينة بعد وقت قصير من بدء الحرب هناك. ونعتاش على بقايا طعام نحصل عليه من مطعم قريب، وأحياناً نقوم بالطبخ على نار نضرمها من الورق المقوى والبلاستيك. نسير نحن النساء إلى مصنع قريب للحصول على المياه. وبغض النظر عن الفحوصات الطبية التي توفرها الطواقم الطبية التابعة لمنظمة أطباء بلا حدود، فالمساعدة الوحيدة التي تلقيناها قبل ستة أشهر هي بعض الصابون".
-امرأة نازحة في منطقة الحوبان في تعز، 24 أكتوبر/تشرين الأول 2016.

نعيش الآن في الخيام التي بنيناها من أغصان الأشجار والنباتات، إذ نعيش على هذا الحال منذ سنة وخمسة أشهر. نقوم بجمع الزجاجات البلاستيكية لبيعها كي نتمكن بعدها من شراء الطعام من أحد المطاعم. وللحصول على المياه، يتعيّن علينا السير إلى بئر بعيدة. أغادر في الساعة السابعة صباحاً وأعود في منتصف النهار".
- عائشة والدة منيات التي تتلقى العلاج الخاص بسوء التغذية في مستشفى الأمومة والطفولة التابع لمنظمة أطباء بلا حدود في تعز، أكتوبر/تشرين الثاني 2016.
"هل أشعر بالأمان بالعمل في مستشفى؟ شعور لا أختبره إطلاقًا، ولا حتى بنسبة واحد بالمئة، إذ ما من احترام للمرافق الصحية. استُهدف المستشفى الذي نعمل فيه وقُصف مرات متعددة؛ ويتسبّب القصف بالكثير من الألم والحزن، سواء بين أوساط الموظفين أو المرضى".
- مشرف في غرفة الطوارئ، وسط مدينة تعز، 22 أكتوبر/تشرين الأول 2016.

حتّى الحرب لها قوانينها الخاصة
القتال المتواصل في تعز عنيف ومكثّف، ويجري قسم كبير منه في المناطق الحضرية. ومع ذلك، يمكن تفادي الأذى غير المتكافئ الذي يطال النساء والأطفال وغيرهم من المدنيين ويعتبر هذا الأمر ضرورياً. لا بدّ أيضًا من حماية المستشفيات والعاملين في المجال الصحي. لا يجب أن يخاف المرضى أو الموظفون الطبيون خسارة حياتهم عندما يحاولون الوصول إلى المستشفيات أو الحصول على الرعاية الطبية.

تطالب منظمة أطباء بلا حدود بإلحاح جميع الأطراف المتنازعة في تعز باحترام القانون الإنساني الدولي: ضمان حماية وحياد المرافق الطبية والموظفين الطبيين، والسماح للجرحى والمرضى بالوصول إلى الرعاية الصحية وتسهيل وصول المساعدات الطبية والإنسانية.

تعتبر تعز مثالاً صارخاً للحاجة الملحة لمزيد من المساعدات الطبية، لا سيما الرعاية الصحية الأساسية، فالمستشفيات والمراكز الصحية العامة بحاجة إلى دعم منتظم ينبغي مراقبته وبيانه على نحو مناسب. كما يجب تعزيز المساعدات الإنسانية وأن تصل إلى الفئات الأكثر ضعفاً مثل النازحين الذين يعيشون في أماكن إيواء مؤقتة والسكان الذين يقطنون في المناطق المتأثرة بشدة من القتال. ويجب على جميع أطراف النزاع تسهيل عمليات وصول النساء الحوامل والمرضى والجرحى إلى الرعاية الصحية.

لا تقتصر القضايا المبينة أعلاه على تعز فحسب، بل تشهد طواقم منظمة أطباء بلا حدود التي تعمل في المحافظات العشر في اليمن القضايا ذاتها. فاليمنيون هم ضحايا كل من الآثار المباشرة وغير المباشرة لهذه الحرب الفتاكة والمدمرة؛ فالوصول إلى الرعاية الصحية الجيدة ميسورة التكلفة قد تضرر بشكل كبير. وبعد ما يقرب من عامين من الحرب، ما تزال المساعدات الإنسانية والطبية عاجزة عن تلبية الاحتياجات الأكثر أساسية للأهالي.

 

زر الذهاب إلى الأعلى